الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى أبي

أفين إبراهيم

2020 / 5 / 12
الادب والفن


ترك لي أبي رسالة صوتية على هاتف المنزل يقول فيها : " كفوكا مني سبي " أنا ابوك حبيت أطمن عليكم … أتصلي فيني بس ترجعي " . كنت أضحك بشكل هستيري في كل مرة أسمع فيها هذه الجملة (أنا أبوك) الجملة التي تجعل قلبي يرتجف ، تجعلني أفكر ؛ هل حقا نستطيع أن ننسى أصوات من نحب؟
مرت الأيام ، تراكمت الرسائل ، مسحتها كلها دفعة واحدة ، دون أن يخطر لي ؛ بأنى سوف أكون محتاجة يوما ما لسماع صوته … ولن أستطيع ! .
ظهر الهاتف النقال ، ظهر معه شلال الدم السوري الذي لم يتوقف حتى الان .. خرج أبي مثل الكثيرين ، و مثل الكثيرين أيضا لم يصل إلى مبتغاه . سألته مرة : كيف يكتب اسمي في هاتفه الصغير جدا ؟ ضحك وأجابني : " كفوكا مني سبي " .
مات أبي ، بقيت الحمامة محبوسة في شاشة ذلك الهاتف ، تخرجها أمي كل فترة ، تقبل الهاتف ، تشمه ، ثم تعيده الى الخزانه . ترك لي أبي رسالة صوتية على هاتف المنزل ، يقول فيها : "كفوكا مني سبي " أنا أبوك حبيت أطمن عليكم أتصلي فيني بس ترجعي " . تذكرتها ليلة أمس وانا اشاهد برنامج وثائقي ، عن الخفافيش ، بأنها من الحيوانات الطائرة التي تشكل الكثير من المخاطر للأنسان ، أنها كائنات ليلية تنام مثلنا نحن البشر ، عندما نصاب بداء الحزن طوال النهار . تعيش في مستعمرات كبيرة ..في مواسم التزاوج تغمض عيونها ، مثلنا ، رغم الظلام !. بأنها الحيوانات الوحيدة ، الثدية – بعدنا نحن البشر – تستطيع الطيران . ان الغشاء الذي ينمو بين طيات قلوبنا في كل مرة نخسر فيها شخص نحبه ، يشبه الى حد بعيد تلك التحورات التي تتمدد مع الوقت ، بين أطرافها ، لتتحول الى غشاء طري يساعدها في الطيران . أنها مثلنا ؛ تضع أطفالها مقلوبة برؤوس تتدلى نحو الأسفل .. تغادر لساعات طويلة لتأكل ، عندما يمتلئ ثديها بالحليب ؛ تعود .. تعود للتعرف على طفلها من بين الزحام الذي يضم أطفالا غرباء ، كلهم متشابهون .. تعود للتعرف عليه من خلال ذاكرة المكان .. من صوت صياحه .. تتعرف عليه من خلال رائحته ؛ بين كم كبير من الخفافيش الصغار .. منها من يصاب بفقدان الذاكرة ، مثلنا ينسى مكان المولود .
هذا النوع من الخفافيش يشبه الى حد كبير الشعراء ؛ في كل مرة يرى فيها مولود يعتقد انه طفله يطير نحوه بشغف مهول ، يخرج كل مافي قلبه ويعطيه له دون حساب . وجوه الخفافيش متباينة ؛ مثل وجوهنا نحن البشر .. بعض الخفافيش لها عيون كبيرة واضحة ، بعضها بعيون صغيرة ، كالخرز ، لا تستعملها للرؤية ، ولا تبصر بهما . صغار الخفافيش التي يقل عمرها عن 9 أيام ؛ تكون عمياء في البداية ، مثلنا ، لكنها بعد ذلك تصبح قادرة على الرؤية ، تموت بالكأبة أو منتحرة في الظلام !.
ترك لي أبي رسالة صوتيه على هاتف المنزل يقول فيها " حمامتي البيضاء " أنا أبوك ، حبيت أطمن عليكم … أتصلي فيني بس ترجعي " . تذكرت الرسالة ليلة أمس ، وانا اشاهد برنامج وثائقي عن الخفافيش ، عن أنها الحيوانات الوحيدة ، الثدية – بعدنا نحن البشر – تستطيع الطيران ، عن أن الحمامة بقيت محبوسة في شاشة هاتفه الصغير ، عن أمي التي تخرجها كل فترة ، تقبل الهاتف ، تشمه ، ثم تعيده الى الخزانه ، عن أنى كيف ؟ كيف ، رغم كل هذا الخراب ؛ مازلت أستطيع الطيران؟ .
ظهر الهاتف النقال .. ظهر معه شلال الدم السوري الذي لم يتوقف حتى الآن .. خرج أبي مثل الكثيرين ، ومثل الكثيرين أيضا لم يصل ...
سألته مرة : كيف يكتب اسمي ، في هاتفه الصغير جدا ؟
ضحك وأجابني : " كفوكا مني سبي " .
....
1/3/2020
" كفوكا مني سبي " تعني باللغة الكردية ؛ حمامتي البيضاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل