الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلمٌ ليس كغيره من الأحلام .

يوسف حمك

2020 / 5 / 14
الادب والفن


أقبل إليَّ طَلْق المُحَيَّا ، و تباشير السعادة مطبوعةٌ على شفتيه . هيئته كانت توحي بأن ينابيع السعادة قد انفجرت في صدره دفعةً واحدةً .
كنت أعلم أن له أمنيةً وحيدةً كان الزمن ينافسه لإسقاطها من خبايا ذاكرته ، دون أن يعلم أن قلبه كان قد احتفظ بها ، ليحرسها بصمتٍ . لكن طول المسافة كان العائق الوحيد لمنع جروحه من الالتئام و تعافيه من التعاسة - كما كل العشاق -

قال لي بالحرف : " على حين غرةٍ رأيتها جالسةً بقربي على مقعد قطارٍ كان يسير بنا إلى وجهةٍ ما . أمسكت بيدها اليسرى الغضة الحريرية ، و سرعان ما شبكت بين أصابعي و ربطت يدي بأناملها الناعمة بشدةٍ ، فرفعتْها قليلاً ، ثم نقشتْ عليها لثمةً رقيقةً دافئةً .
رعشةٌ غريبةٌ نادرةٌ تسللت بين جوانحي ، و على إثرها تشجعت بتحرير سبابتي من بين أصابعها الندية ، و لامستُ به أنفها الأقنى و ثغرها الجميل بحركاتٍ وديعةٍ تمهيداً لطبع قبلةً على خدها الأيسر ، طمعاً في إطالة عمري و زيادة رصيدي في البقاء على قيد الحياة . لأن التقبيل دواءٌ لجروح القلب ، و للنفس غذاءٌ ، و للروح بلسمٌ شافٍ "

تنهيدةٌ واسعةٌ خرجت من أعماق روحه استوقفتْه برهةً .
سألته : و ماذا بعد ، هل نلت مرادك ؟
فرد متحسراً متحشرجاً : رنين هاتفي المحمول من متصلٍ غليظٍ أيقظني فجأةً ، فحرمني من قبلة العمر ، و أفسد عليَّ حلمي .
و عقب تنهيدةٍ أخرى أعمق و أوسع أردف قائلاً : لقد كان حلماً و مجرد خيالٍ لا أكثر .

نعم . حلمٌ كان يشغل قلبه قرابة عقدٍ من الزمن ، و هو يعاني من وطأة الكبت و القمع .
تذوًّق حلاوة الانشراح للحظاتٍ وهميةٍ ، و تمنى لو دامت تلك اللحظات بنشوتها و طال حلمه أكثر فأكثر .
فاشتياقه كان متأججاً لأيام الشغب المبهجة المخزونة في ذاكرته المرهقة من شدة وطأتها .

لم يكن للسحر علاقةٌ بحلم العاشق التعيس هذا ، و لا مس الشيطان كما تفسير شيوخ الفقه و تأويلات تجار الدين .
و إنما هي أمنيةٌ مكبوتةٌ و رغبةٌ ملحةٌ من صفوة ذكريات أيامٍ خلت ، يتمنى الحالم تحقيقها طبقاً لتفسير المختصين النفسيين و الفلاسفة .

الكثير منها أضغاث أحلامٍ متداخلةٍ ، مبهمة التفاصيل غير مترابطةٍ . و منها مصحوبةٌ بالكوابيس .
و لبعضها تفاصيلٌ واضحة المعالم كما في اليقظة ، كحلم صاحبنا العاشق هذا .
و نادراً جداً ما تتنبؤ الأحلام بمستقبل حالميها فتصنع منهم مشاهيراً . يقال : إن الألماني فريدريك كيكولي عالم كيمياء العضوية قد استلهم تفاصيل صيغة تركيبة البنزين من رحم حلمٍ راوده بعد فشله طيلة أسابيع من الجهود المكثفة المضنية .
أما أوتو لوي عالم الأعصاب هو الآخر ألمانيٌّ ، فقد أعانه الحلم في إيجاد ضالته لإحدى تجاربه في علم الأعصاب ، و حاز على إثرها جائزة نوبل في طبابة علم وظائف الأعضاء .

و من يدري فربما هذا الحلم هو من الصنف الأخير ، فعاشقنا صاحب هذا الحلم ، يعيش هو الآخر على أرض ألمانيا - تلك الأرض الخصبة لنمو الأحلام المتنبئة بالمستقبل - فلعل المسافات تقصر ، و يتقلص طولها ، و ينعدم البعد ، ليلتقي الأحبة ، فيسير بهم القطار مجدداً في رحلة عشقٍ حقيقيةٍ و في وضح اليقظة ، لا في الحلم أو من وحي الخيال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/