الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - اليوم الأخير،

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


اليوم الأخير، الخميس، 17 نيسان، 2003
وإن كان الجميع يعرفون عن سيرة أم صدام الكثير، إلا أن معلوماتهم عن الأب قليلة جداً، بل أشبه بالمعدومة، وما عرف عنه متناقض، وأقل من القليل، وربما كان موظف المحكمة الذي التقيته في موقف "تسفيرات بغداد" أول من قص علي باستفاضة، نوعاً ما أخبار الأب القتيل.
احترم صدام أمه، وتسامح مع ماضيها، كمتزوجة لأربعة رجال؟ وسمح بنشر صورها، بالرغم من فجاجة الأمر، ليوقف ما يحوم حولها من شائعات، وشكوك، ثم كرمها بلقب رفيع: أم المناضلين، ليضفي عليها هالة من قدسية مفقودة!
لكنه لم يشر إلى أبيه قط! لم يذكره قط، ولكي يملأ فراغ الأب ويعوض عنه، أوعز إلى أعمامه، وبخاصة عمه عبد، الذي اشتغل حمالاً فترة، ومزارعاً أخرى، وحارس حقل ثالثة، وقاطع طريق رابعة، وو، أوعز إليه أن يعلن نفسه كواسطة معترفة بها رسمياً، توصل أصحاب الحاجات إلى قضاء حاجاتهم، مقابل مبالغ تقررها نوعية الوساطة، وأهميتها، فارتفع شأن الحاج عبد وأخوته، بما لا يمكن أن يغفل بين العراقيين، وأصبحوا قبلة لذوي الحاجات.
ولولا الحدث المريب الذي وقع في مدينة الطب، لشيخ العبيدات، قبل أن يخون "لعنة الله" سيده، سيئ الصيت أحمد حسن البكر، وينحيه عن السلطة، لولا ذلك الحدث لما تذكر أحد حسين المسكين، أو كما يلقبه من يتذكره، السرسري.
اختفى شيخ العبيدات من إحدى العيادات في مدينة الطب، أوصله ابنه إلى العيادة، وذهب ليتناول الشاي، ثم انتظر بعدئذ خارج العيادة أكثر من نصف ساعة، وعندما لم يخرج، طرق باب العيادة، ليسأل الطبيب متى تنتهي فحوصات أبيه، التي كان عليه أن يجريها كل ستة أشهر، ليتأكد على سلامة قلبه بعد جراحة تغيير أحد الشرايين فيه، قبل ستة أشهر، فتحت الباب ممرضة، سألها عن أبيه، أجابت أنها شاهدت بضعة عسكريين يستصحبونه قبل أن يستكمل فحوصاته! ثم سألته: ألم ترهم؟ خرجوا من هنا.
فوجئ الابن، ثم رجع إلى قومه في حالة يرثى لها، وانتشرت عدوى القلق لما جرى لشيخ العبيدات عند جميع أبناء القبيلة!
ثم حدثت المفاجأة الثانية بعد يوم واحد، وجدوا جثة شيخ القبيلة، مذبوحاً، مرمية عند الطريق المؤدي إلى تكريت، قتله كان أشبه بكارثة للقبيلة كلها! فهو إنسان طيب، لم يؤذِ أحداً طيلة حياته! بل كان يدفع الدية من جيبه الخاص عن كثير ممن يلجؤون إليه، طالبين مساعدته، احتاروا أول الأمر، ثم تذكر مسنو القبيلة، وكبار السن فيها حادثة معينة، جعلتهم يربطون بين صدام وما حدث للشيخ.
الحادثة تعود إلى ما قبل نحو أربعين سنة.
فقد قتل حسين البدال "السرسري" ورمي في نفس المكان!
يعمل حسين بدالاً، والبدال مهنة إحدى أفقر فئات المجتمع آنئذ، وقد لا يتجاوز ربح البدال اليومي مئة فلس بأي حال من الأحوال!
والبدالة مهنة كانت مألوفة في الشمال، في قرى الجزيرة بالتحديد، ولست أدري أكانت موجودة في الجنوب أم لا، لكني متأكد أنها انقرضت قبل نحو نصف قرن، رأس مال البدال حمار وقليل من الأفلس، ومهمته التنقل على الحمار بين القرى، لبيع بضاعة تحوي ما تحتاجه القرويات من أشياء بسيطة، رخيصة، أمشاط خشبية، أدوات تجميل "حمرة، خطاط، كحل..الخ"
أهم ما في العملية أن البدال لا يتقاضى نقوداً مقابل حاجاته، بل شيئاً من القمح، الشعير، اللبن، الخ، ثم تأتي الخطوة التالية وهي بيع هذه الأشياء في مركز بلدة كتكريت.
ولما كانت القرى التي تحيط تكريت قليلة، فكان يضطر لعبور النهر إلى الضفة الشرقية، أيام الصيف، حيث يسهل عبور دجلة من بعض الأمكنة، ليكون قريباً من قرى متناثرة تسكنها قبيلة العبيدات.
وفي إحدى السفرات جن الليل على حسين البدال ، فقصد أقرب قرية، وطرق أحد الأبواب كالعادة، إذ كان الجميع يرحبون بمن تقوده قدماه إليهم، فيستضيفونه ليلة أو أكثر، وكان "من سوء حظ" حسين البدال أن استضافته امرأة، كان زوجها خارج القرية تلك الليلة، وربما فهم "السرسري" حسن ترحيب المرأة به، حباً من أول نظرة، فلم تكد المرأة تغفوا هي وأولادها حتى انسل ليرقد معها، فعلا صياحها، ولم يخفت حتى قدم الجيران، وكانت مفاجأة للجميع، فلم يكن أحد يتوقع أن يتجاوز أي كان حدود التقاليد، والأعراف، ويعتدي على شرف امرأة استضافته!
وكانت العادة تجري بقتل المعتدي، ورميه في الطريق إلى قريته، وهكذا فعلوا بحسين البدال، ذبحوه، ورموه في طريق العوجة، ومنذ تلك الليلة التصق لقب "السرسري" بوالد صدام! وحتى الآن!
إن أكثر ما يثير الاستغراب، هو أخذ الثأر من شيخ العبيدات بعد تلك المدة الطويلة! بالرغم من أنه لم يكن الشيخ وقتئذ! ولعل هذه الحادثة تفضح مدى الحقد الذي يتمتع به "لعنة الله" هذا المخلوق الناقص، الذي يكره البشرية جمعاء، وبخاصة الشعب العراقي، وقابليته الفريدة في خبثها، مستغلاً ثروة العراق الأسطورية للوصول إلى مآربه، وهكذا فعل بعد قتله لشيخ العبيدات، ففي مجلس الفاتحة التي أقيمت، اقسموا على الانتقام لدم الشيخ البريء!
لكنهم وهم في غمرة مأساتهم حدثت مفاجأة لم تكن بالحسبان قط.
لم يشعروا إلا بهدير عشرات طائرات الهيلوكبتر، يعلو سرادق العزاء، وبعد هبوطها، ترجل منها مئات الجنود المدججين بالسلاح، أحاطوا السرادق، بعد ذلك شاهدوا صدام يدخل الخيمة، بملابسه العسكرية، سلم عند الدخول، لكن أحداً ما لم يرد السلام، ثم وجد له مكاناً بين الجالسين، قرأ الفاتحة، كما يقتضي الأصول، لكن أحداً لم يهتم به، لم يتكلم معه، لم يقدم له القهوة، لم يهتم، ظلت الابتسامة تعلو ملامحه، ثم توجه بالكلمات إلى أكبر أولاد الشيخ المغدور، قال له:
- أعرف أنكم أقسمتم أن تنتقموا مني، لكن أملكم بقتلي لن يتحقق قط، حتى بعد مئة سنة، لن تستطيعوا أن تصلوني، فتؤذنني، فأنا محاط بحرس لا يمكن اقتحامه، وقد اتخذت احتياطات تجعل اغتيالي مستحيلاً، أنتم بوضعكم الحالي أضعف من أن تستطيعوا أن تجرحوا إصبعي هذا، " أشار إلى إصبعه" ثم أكمل: نعم لا تستطيعون أن تجرحوني أبسط جرح، لن تتخلصوا مني إلا في حالة انقلاب، وفي تلك الحالة سيقتلني من قام به، لا أنتم، فلماذا لا نحل المشكلة بيننا، شخص مقابل شخص، منا واحد ومنكم واحد، لماذا لا نتصالح، نحن جيران، والصلح خير.
ثم أخرج صكاً أبيض، سلمه لابن الشيخ الأكبر، هذا لك، اكتب أي رقم تشاء، واصرفه في الغد، ووزعه على من تشاء، أما أبناء عمك، من الدرجة الثانية، فلكل واحد عشرة آلاف دينار، وسيارة كروان، وسنعطي سيارة كراون للأقارب من الدرجة الثالثة، وسنعطيكم مئة سيارة بيك أب، وغدارات كلاشينكوف على عدد أفراد القبيلة كلها، وستكون أبوابنا مفتوحة لقابلتكم متى ما تشاؤون، لحل أي مشكلة طارئة!
وهكذا حلت المشكلة مع قبيلة العبيدات، لكن المهم المهم المهم كما قال موظف المحاكم أن لا أحد من أهل العوجة، أو من أهل تكريت، حتى صدام نفسه لم يكن يعرف أين قبر حسين السرسري، بينما بنى أبناء شيخ العبيدات قبر شيخهم المغدور.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة