الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتفاضة، قيادة أو لا قيادة؟

فؤاد سلامة

2020 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


في الأشهر الأولى لانتفاضة ١٧ تشرين سادت فكرة في أوساط الناشطين مفادها أن لا ضرورة في حينها لوجود قيادة تمثل الانتفاضة. والأسباب كانت عديدة، ومنها أن الانتفاضة أو الثورة كانت عفوية من دون قائد (القائد هو وجع الناس)، ولذا يجب عدم حرفها باتجاه خلق زعيم ثار المشاركون في التظاهرات ضد وجوده أساساً. رفض الزعامة كان شاملاً وجذرياً. إحذروا الزعماء فهم يصادرون الثورات لمصالحهم. نحن ثرنا ضد الزعماء فهل نقبل بزعماء جدد؟
وكان هناك خوف من أن تقوم السلطة باعتقال أعضاء أية هيئة قيادية، أو أن يتم فتح ملفات أمنية أو إعلامية تشهيرية ضدهم من أجل تفكيك الانتفاضة وزعزعة صفوفها ومنع وصولها لتظهير قيادة جديدة وبديلة عن المنظومة الفاسدة.

تلك أمور كانت مفهومة وقتها، ولكن عندما سقطت حكومة الحريري في أوج حركة الشارع كان هناك إمكانية لدخول شخصيات مستقلة ونزيهة في حكومة جديدة. تم إفشال تلك الإمكانية بسبب مخاوف ثورية من استغلال وجود شخصيات نزيهة في حكومة تعينها المنظومة من أجل إجهاض الانتفاضة. ثم كان هناك تسابق بين الثوار في إعلان زهدهم بالسلطة ورفضهم للتعاون مع المنظومة بأي حال من الأحوال. هل كان ذلك خطأً؟ هل وجود وزراء مستقلين ونزيهين يمثلون الانتفاضة داخل الحكومة هو أمر مرفوض بالمطلق لأن هذا الوجود سيكون بمثابة شيك على بياض لحكومة مهمتها إنقاذ المنظومة من السقوط؟ أسئلة يجب أن تناقش علناً للتوصل إلى تحديد إطار للمشاركة في السلطة في حال سقوط الحكومة الحالية.

كيف يتم تشكيل مجلس قيادة أو هيئة تمثيلية أو هيئة وطنية جامعة، أو هيئة ائتلافية للانتفاضة؟ هناك مئات المجموعات الثورية حالياً، وهناك سيولة كبيرة داخل هذه المجموعات التي تتشكل ثم ينفرط عقدها وتتشكل من جديد. وغالباً لا يوجد "قادة" منتخبون لهذه المجموعات، بل لا يمكن حتى إعطاء تفويض لأحد بالتفاوض باسمها. وهناك شلل صغيرة كثيرة تلتف كل واحدة منها حول زعيم صغير باحث عن الوجاهة أو المصلحة الشخصية. وهناك ناشطون في مجموعات يرفضون حضور اجتماعات في صالونات أو فنادق ويفضلون التنسيق على الأرض. وهناك ناشطون آخرون كل همهم حجز مقعد في الانتخابات النيابية، هم مرشحون سابقون أو مرشحون قادمون. ومن جهة أخرى هناك شلل ثورية راديكالية لا تؤمن بالتنظيم والتعاون بين المجموعات، وتركز نشاطها حول المواجهات العفوية والمباشرة مع مراكز السلطة والاقتصاد، وهي تمجد عفوية الشعب وقوة الناس من دون تأطير لأن كل تأطير يصب في خدمة السلطة.

كيف يمكن إقناع عدد كبير من الناشطين والمجموعات بأهمية إيجاد أطر قيادية جبهوية أو ائتلافية، تكون مهمتها تحريك أكبر عدد من الناس في الشارع نحو أهداف محددة وفي أوقات محددة، لخلق ضغط مركز ولتحقيق هدف محدد؟ هدر الطاقات وتضييع الجهود سدى من دون خطة واضحة المعالم أصبح أمراً نافراً يعبر الكثيرون عن الاستياء منه.
المشكلة أن الكثير من اللقاءات والاجتماعات التنسيقية التي تحصل هنا وهناك تُبرز كماً كبيراً من الخلافات والصراعات، ما يؤدي إلى نفور الكثيرين من حضور هكذا لقاءات.

ما الحل؟ كيف يمكن عقلنة الانتفاضة وتجميع كل الجهود والطاقات في خطط مدروسة تؤدي لممارسة أكبر ضغط ممكن على السلطة لإرغامها على قرارات معينة لصالح الشعب أو لثنيها عن قرارات مضرة للشعب ومفيدة لجماعة أحزاب السلطة؟
ليس هناك حل سحري. هناك أهمية لاقتناع أكبر عدد من كوادر الانتفاضة والناشطين البارزين على الأرض بأهمية العمل الجبهوي والائتلافي المنسق والمخطط، من دون إضاعة وقت ثمين في اجتماعات ماراتونية غير مجدية.
وهناك ضرورة لاقتناع الجميع بقبول مظلة أو مرجعية معنوية سياسية واقتصادية للانتفاضة. تتكون هذه المظلة من شخصيات كفؤة ومشهود لها بالنزاهة والمصداقية، شخصيات توحي بالثقة للجميع بتاريخها المعارض للسياسات الاقتصادية الفاشلة، ولعدم ركضها وراء المناصب والزعامة والمصالح الخاصة.

لقد أصبح جلياً للجميع أننا قادمون في لبنان على انهيارات كبيرة وأزمات ومجاعات وفوضى شاملة، تسببت بها كلها ثلاثة عقود من المناهبة بين زعماء الأحزاب الطائفية، وأنه من دون شغل جدي على موضوع التنظيم والتخطيط سوف تخسر الانتفاضة الكثير من فعاليتها ومصداقيتها وقدرتها على التأثير في مجريات الأحداث، وسوف تستفيد المنظومة السلطوية من حالة الشرذمة والتشظي في صفوف الانتفاضة، لتمرير ما تريده من خطط ومشاريع وقرارات مصيرية لا تصب في صالح الشعب والوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية