الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الاشهاري والنسق المُضمر في قصة جدوى للقاص أثير الغزي، بقلم الدكتور حيدر لطيف الوائلي.

حيدر لطيف الوائلي

2020 / 5 / 16
الادب والفن


جَدْوَى
في مقهى الحقلِ الكبير..
نشرةُ الأخبارِ تخطفُ بصره..
- هامٌ وعاجل..
الببغاءُ بربطةِ العنقِ وصوتِهِ المُميَّز..
الخبرُ الأوَّل:
انخفاض اسعارِ الصُّوف..
ابتسمَ الخروف !
..................

قبل الولوج في النص لابدَّ من التعريف بالخطاب الاشهاري.
الخطاب الاشهاري:
الإشهار هو ذلك الجزء الهام من نظام الإنتاج والتوزيع الجماهيري الذي يترجم في شكل إعلام وتذكير بالسلع والخدمات التي يتضمنها السوق.. وإضافة مفردة الخطاب إلى الإشهار يعني إضافة النسق الألسني، وبذلك يحقق الرسالة والبث إلى المرسل إليه، فهو خطاب تواصلي بين مرسل و مستقبل و يحضر بقوة في المجال الاقتصادي، بغية ترويج المنتوجات و الرفع من المبيعات، كما يحضر في مجالات اخرى كالسياسة و الفكر و غيرهما. من خلال هاته الصورة، و ومن خلال ما تقدَّم نستطيع القول: إنَّ الخطاب الاشهاري يتركب من مكون لغوي الذي يتكون من مجموعة من الكلمات و الجمل ذات الإيحاء الذي يغري بالشراء ثم المكون الايقوني (الصورة ) و تكاملهما معًا يؤدي الى تحقيق الوظيفة الاشهاريَّة.

إلَّا أننا نجد في نص (جدوى) الأمر مغاير، إذ حاول القاص أن يفضح الصُّورة الاشهاريَّة التي سكت عنها القول، وكما يأتي:

العنوان "جدوى" لفظ مفرد بمعنى الفائدة والعنوان عتبة مهمة لفهم النص والدخول إليه اذ يعطي فضاء فكريًّا اجماليًّا للقصة وهناك محذوف في العنوان وباإمكان فهم المحذوف نحويًّا من خلال النحو إذ يفرض وجود محذوف تقديره هذه
وهنا يمكن أن نضيف محذوفًا آخر يصف الجدوى لينسجم مع معنى القصَّة الحقيقي فافضل محذوف ينسجم هو"زائفة" ليكون العنوان جدوى زائفة ويكون العنوان على طريقة تسمية الأعمى بالبصير وذكر الجدوى وارد بها أنَّها جدوى زائفة غير حقيقيَّة وهذا النسق سيتبن عند تشريح النَّصّ.

النَّصّ:

نصّ مركز برمزيَّة ذات بعد نسقي مضمر اعتمدت تقنيَّة جورج أوريل في مزرعة الحيوانات فهذه التقنيَّة اعتمدها المبدع لأجل خداع المتلقي بالنظرة الأولى ليظنَّ أنَّه من نصوص الأطفال أو النصوص الخياليَّة التي لاواقع لها..
ولأجل الوصول للنسق المُضمر الذي اشتغل عليه المُبدع وحاول أن يظهر لنا نصًّا مغايرًا لما يخفيه من نسق مضمر علينا أن نشرح النَّصّ الظاهر ومن ثمَّ ننطلق منه للتعرف والوصول الى النسق المضمر وهذه المناورة الرمزيَّة ذات الأبعاد النسقيَّة مهمتها
ايصال رسائل مشفَّرة تحملها الثيمات الحيوانيَّة التي اختارها المبدع والنَّصّ ينطوي على شخصيتين هما شخصيَّة الببغاء، والخروف.

الأولى:الببغاء/المرسل.

هذه الثيمة التي اعتمدها المبدع ركز فيها على قضيتين مهمتين بالنسبة للمذيع/المرسل الذي يحقق الخطاب الاشهاري بواسطته كونه مرسل، إضافة إلى حدود الأزياء والسلوك لمذيعي نشرة الأخبار، وقد اختزلهما بربطة العنق والصَّوت المميز كقيمة سلوكيَّة اشهاريَّة، لذا تكون صورة النَّصّ عبارة عن صورة اشهاريَّة
قُدمت للمتلقي الذي في المقهى وهذه الصُّورة الاشهاريَّة اعتمدت على تقنيتين لأجل التركيز على ايقونة أخرى، نظام المراقبة العقلي/المتلقي، ولأجل أنْ تسمح بتمرير الأفكار على طبقات المجتمع/المتلقي! اعتمادًا على الشَّكل دون الجوهر، وهذا النسق دائمًا ما يُمرر على المُتلقي وخاصة في الإعلانات الدعائيَّة، إلغاء الوعي والتركيز على المونتاج والحركات والصور النغرية، وبالرجوع إلى النَّصّ نجد التقنيتان وهما :
1.ربطة العنق
2.الصَّوت المميز
تضاف إليها
3.ثيمة الببغاء/ نسق التقليد بوصفه آلة بشريَّة
فتكوُّن هذه التقنيات الاشهاريَّة التي استطاعت أن توقف أو " تعطل" نظام المراقبة العقلي كما يسمية"سعيد بنگراد "
فالنمط والنسق الثقافي الذي يستطيع تمرير الأخبار والأفكار المسمومة وتمريرها عن طريق هذه الآلة البشريَّة تُكتب لها الأفكار ولابأس أن تكون جميلة وملوَّنة خصوصًا إن كانت هذه الببغاء أنثى !
فآلة بشرية + محرر + أزياء فاخرة/ ربطة عنق + صوت مميز = نمط يتمنى كثير من النَّاس أن يكونوا على شاكلته إذ يُعجبهم الشكل دون الجوهر .
وقد حاول المبدع بهذه الثيمة أن يوضح للمتلقي آليات بث السموم للمتلقي حتَّى لايُخدع بسهولة
وهذا الآخر الذي تكلم عنه وهو الببغاء ينتج عنه نسق ثقافي جاء من تحويل الهامش إلى مركز يُسمع منه ما يقول! ويمرر عن طريقه ما يصبو إليه صاحب القناة.
فالأصل في المركز أن تكون الحقيقة هي من تخطف الأبصار لا أن تكون الأمور الهامشيَّة كربطة عنق أو صوت مميز هو من يخطف الأنظار وبهذا فان المبدع قد لجأ الى هذه الأليَّة كما تقدم لأجل فضح الخطاب الاشهاري الاعلامي عمومًا.

الشخصيَّة الثانية الخروف/ المتلقي

وهو الآخر الذي جعله المبدع ثيمة لتمثل مجموعة أو طبقة من النَّاس تشبه الخروف بل هي خروف تعيش في ظل القطيع يقودها " مرياع الغنم "الذي يتبع الحمار أصلًا..
الخروف فضلًا عن حياة القطيع هو حيوان بسيط ووديع، اختاره المُبدع ربما لهاتين الصفتين لاغيرهما،
وبالتالي فهو يشير إلى طبقة من النَّاس تكون بهاتين الصفتين، البساطة والوداعة دون إعمال الفكر والوعي، هذه الطبقة لاتعرف أين تكمن حياتها ونجاتها ومصلحتها ولما سمع الخروف بأن "انخفاض أسعار الصوف ...ابتسم"
لماذا ابتسم... أليس من المفروض أن يبكي الخروف؛ لانَّ انخفاض الأسعار يضرَّه، وسيؤخر عمليَّة جزّ الصُّوف بل ربما يتماهل المزارع بها ولايهتم، بينما لو كان سعر الصُّوف غاليًا سيبادر المزارع لجزِّ صوف الغنم ويُعجّل في ذلك؛ إلَّا أنَّ هذه الابتسامة هي كاشفة عن فكر هذه الطبقة الاجتماعيَّة و وعيها البسيط، التي يمرر الإعلام عليها حتَّى مايضرها وتستقبله بابتسامة.
والنسق المُضمر لهذا النَّصّ بوصفه مجازًا كليًّا هو نسق توعوي، أراد به المبدع أن يقدم رسالة توعويَّة مكثَّفة مفادها الحذر من وسائل الإعلام وتوخي الدقَّة باختيار القنوات الإعلاميَّة الرصينة إن وجدت!
وإلَّا فعليه التثبت، ولايقتصر الأمر على الأخبار بل الأفكار ايضًا فقد تكون فكرة تمرر على المُتلقي ويستقبلها بابتسامة إلَّا أنْ حاله سيكون كحال الخروف الذي لايميز ببن مايضرَّه وينفعه.
وفي الختام ارجو أن أكون قد وفقت في الوقوف على دلالات هذا النَّصّ للمبدع الدكتور أثير الغزي مع الأمنيات بأن يزداد تألقه وإبداعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع