الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة لديوان (نثار الياقوت) للشاعر الدكتور مجبل المالكي

أحمد السعد

2020 / 5 / 16
الادب والفن


القصیدة الشعریة تتحرك باتجاه ما أرید لها أن تكون بوصفها فیضاً تلقاءيا للمشاعر المتجسدة عبر اللغة المنسابة بعذوبة ، إذا ما عرفنا أن الترتیب التقلیدي المجاور للمعنى المادي یصعد الوظیفة الایقونية ، فیحل محل اللغة الشعریة المقترنة بالمعنى الشعري المتحققة عبر التوظیف الفني الماهر للعناصر التي تؤثث النص الشعري وعلى حد قول (فالیري) : ( الشعر حدیث غریب ، وكأنه من صنع شخص ّ غیر المتكلم ، موجه إلى شخص غیر القارئ ، وموجز القول إنه لغة في لغة ).
أحتوت مجموعة الشاعر (نثار الياقوت ) مائة وعشرة مقطوعة شعريه قصيره هي صور متحركة يتكثف فيها المعنى ويلتحم مع الصوره مشكلا ثنائية متكامله . المقطوعات جميعها منظومة وليست منثوره وهو ما منحها القدره على التكثيف تتجلى فيها روعة الصنعة الشعريه ويتبين منها الجهد الذي بذله الشاعر في تحديد ثيمته الشعريه وتفجيرها في اسطر قليله مبتعدا عن الآطالة ومكثفا الحالة الشعريه بلغه سلسه جميله ورشيقه . أنها تجربة شعريه متميزه كونها تنبع من تجربة غنيه جاءت بعد نتاجات غزيره قدمها الشاعر في رحلته الشعريه جاوزت الثلاثين عاما تتجلى فيها صور النضج الشعري وتبلور التجربة . المقطوعات الشعريه تغريك بقراءتها لسلاستها ورشاقة لغتها وجمال الصور التي تتحرك داخلها لتمنح القارئ نوعا من الخدر اللذيذ :
” هبطت دمعة فوق خد الكمان
باغتت عازفا عاشقا ....
فالتوى وتر
خلخل المهرجان "
هذا نموذج لصوره تتحرك داخل النص الشعري تباغتك نهايتها وتصدمك وأنت تواصل القراءة مدفوعا برغبتك الجامحه بأن تتوغل عميقا في أستجلاء مكونات الصوره وخلفيتها وأجزاءها المتحركه ، فهي نابضه ، حيه وهي ليست استيتيكيه ثابته بل تجذبك الى الدخول في عوالمها وتترك لك حرية التجوال في فضاءاتها اللامتناهيه . انها تسجيل لحالات شعوريه فياضه يختلج فيها الآحساس بالوجد واللوعه والآلم متماهيا مع تفاصيل الصوره التي لاتتجزأ بل يشد بعضها بعضا بوشائج تتضح كلما توغلنا في القراءه .سبق وان قلت ان المقطوعات الشعريه التي تضمنتها المجموعه تسجيل لحالات شعوريه ووجدانيه خالصه فلا تشعر وانت تقرأها ان هناك (انا) طاغيه والشاعر يستخدم ضمير الغائب بدل ضمير الآنا لذلك يمكن ان يكون من في الصوره اي منا في لحظة تجلي وجدانيه او في استغراق حلمي لذيذ او في لوعة الم وحشرجة موت . لكن الشاعر يعود الى ذاته بين الحين والآخر ليشركنا معه في رحلة الغربة حين يشده الحنين الى ارض الفراتين لكن الدروب مازالت مغلقة وسبل العيش شحت :
"القنوات كلها مشغولة
فمن ترى يفتح لي قناة ؟
افتيت عمري بالرحيل عاشقا
وفي دمي يهاجر الفرات "
فهو عاشق مهاجر ، افنى عمره في الغربة عن وطنه لكن وطنه يهاجر معه ، يحمله معه هوية وأنتماء ، الفرات (يهاجر) في داخل الشاعر ، فالفرات هناك مسجون بين ضفتيه ، لايحيد عنهما ، لكنه في داخل روح الشاعر يهاجر معه ، يحملان معا هم الغربة ويتقاسمان الوجد والشعر . الصورة الشعرية تعتمد على حاسة البصر والسمع والشاعر يتجاوز الحواس ليمنح اللمحة الشعريه أفقا اكثر رحابة وغنى وتنوعا وتناغما وأتساعا .
القصیدة الشعریة ، فضاء دلالي تتجلى من خلاله لغة الشاعر التي هي (لغته الخاصة ، إنه غارق فیها كلیة ولا یمكن فصله عنها ، إنه یفید من كل كلمة وشكل وتعبیر بناءاً على غرضه المقصود .. إنها -أي اللغة- ذلك التعبیر الصافي ، فلا ینبغي أن تكون هناك مسافة بین الشاعر وخطابه )تودوروف- المبدأ الحواري)
للشاعر فضاءاته التي يحلق فيها وحيدا مستمتعا بسعتها ومطلقا طاقاته الشعوريه واللغويه متجاسدا مع اللحظة المستغرقه لعمق مشاعره في اللحظة التي تكونت فيها القصيدة وولدت .اللحظة المقتنصه تتحول بين يدي الشاعر الى صورة متحركة تستمد صيرورتها من عمق المعاناة اليوميه وتتناغم بأتساق مع اللغة الشفيفه فتداعب احاسيسنا بتشكيلاتها وتجلياتها المكانيه والزمانيه . يقول ادونيس "ولما كانت اللغة خطاباً أدبیاً رفیعاً ، فإنها تمثل التجلي بعینه الذي یسمو بالمشاعر والأفكار بما یجعل ً النص حافلا بالمعاني والدلالات ، لاسیما وأن للنص ((مستویین : الأول : هو النص كإمكانیة لمعاني محتملة ، أي كبؤرة للدلالات ، والثاني : هو النص كمجموعة من المعاني التي كونتها القراءات المختلفة ، (الناقد ، القار ئ (هو في هذا المستوى ، شریك في معنى النص. ویستطرد أ ً دوئیس قائلا :(أن قیمة العمل الشعري لا تكمن في ّ مدى كونه (واقعیاً) أو(حقیقاً) أو كونه (یمثل) أو(یعكس)وأنما تكمن في مدى قدرته على جعل اللغة تقول أكثر مما تقوله عادة ، أي خلق علاقات جدیدة بین اللغة والعالم ، وبين الإنسان والعالم" .ادونيس – سياسة الشعر)
لايتحقق للشاعرتوافق الصورة الشعريه ومناخ القصيده مالم يكن ملما بأدق التفاصيل التي تمكنهمنها وبما يمتلك من امكانيات فنيه ولغويه عاليه ان يسحب وراءه القارئ الى اقتحام اجواء القصيده ويفتح امامه مغاليق الأفكار والمعاني والصور وتداعياتها وأهتزازات الصورة ومكوناتها وأرتباط كل ذلك بالزمان والكان لينتج تفاهما بين الشاعر والقارئ وأتفاقا على خط شروع واحد : الولوج الى عالم القصيده والأنغماس في ماينثال منها على وجدان القارئ وهو منشغل بأقتحام عالمها الجميل الذي تركه الشاعر عند بابه .
" هذه السدرة الآدمية تبقى ،
وتسقط اوراق كل السنين .
جذرها في لظى البحر مخضوضر
والشموس التي ادمنت حبها...
طبعت وشمها في ربيع الغصون "
لاتغادر النص الا وتقف عنده طويلا فتتنفس اجواء القصيده ومناخاتها وتنصهر في الصورة حتى تكون عنصرا ما أو جزءا ما في عالمها السحري فالشموس التي ادمنت حب هذه السدرة الآدمية لم تغب بل تركت مواسمها ووشمت الغصون في ربيعها .
كل قصيدة في المجموعه هي صوره ! لكنها ليست صورة استيتيكيه ، وأنما متحركه ، بل مفعمة بالحركه تمتزج مكوناتها وتتفاعل بتلقائية وسلاسه فتنساب امام ناظريك طليقة كالطبيعة سهلة الأنقياد الى ذهنك مرتمية الى ادراكك تتنفسها وتعيشها وتتفاعل مع تفاصيلها حتى ادقها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام