الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش للضعفاء

عادل أسعد

2020 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أيام مضت مرت علينا معلومة استخبارية خاطفة تقول ان امريكا تعيد انهاض داعش في سوريا ، و المقصود في الخبر برأي هو ليس أي داعش بل تلك الأصلية ، أو داعش الأم أو الكبيرة و لكن بشكل محدد و لمهمة محددة . تداعت علينا الاخبار سريعا فقد أعلنت داعش البارحة عن استهدافها للجيش السوري بعمليتين في محافظة درعا التي يتحضر الجيش لاقتحامها بعدما قام تنظيم متشدد من أبناء البلد بخطف تسعة عناصر من قيادة شرطة درعا ناحية مزيريب و من ثم اعدامهم و القاء جثثهم في ميدان البلدة في مشهد يعيد السوريين و بالتفصيل إلى بداية الاحداث المؤلمة . أغلب الظن هو ان داعش لن تعود بحجمها و تركيبتها القديمة و لكن يبدو بأن جمرتها لن تنطفئ في المنطقة لذلك وجب علينا التمعن في هذا التنظيم بتأن أكثر من ذي قبل .
محليا و اقليميا لم يثر موضوعا اللغط و التشكيك على المستوى الشعبي كما فعل الموضوع الذي يتحدث عن أصل و هدف داعش ، أما على المستوى المخابراتي و السياسي فمن المؤكد أن الكل يعرف من وراء هذا التنظيم و ماذا يريد و ما هي نهايته ، لكن الكل يبث خطابه الاعلامي على هواه الخاص مستهدفا جمهوره المستعد سلفا لتلقف ما يرمى في جعبته مصدقا الرواية دون تشكيك أو تمحيص أو دراسة ، فما يأتي على هوانا مرحبا به دائما.
الحق يقال و هو ان داعش بالنسبة للمتلقي العفوي غامضة عسكريا فهي قد قتلت و خطفت الكثير من طرفي الصراع في سوريا ، بل هي قد وسعت دائرة التنكيل لدرجة بتنا نشعر بأنها تقتل و تخطف كل من هب و دب فقط لأجل تكريس العنف أو من باب الهواية . و فوق ذلك ليس هناك من قياس واضح أو ايدولوجيا محددة تفسر التناقض في الجبهات التي فتحها التنظيم و توقيت معاركه . لكن و كما قلت سابقا ان أردنا ان نرى الحقيقة و هي بالمناسبة بسيطة و واضحة علينا التركيز على يد لاعب الخفة الثابتة و ليس على اليد التي تتحرك أمام أعيننا لصرف الانتباه ، فوراء ما يبدو بأنه فوضى و عبثية هناك تنظيم عال و قصد مخابراتي على أعلى المستويات .
الفئة من الشعب العراقي التي خسرت نفوذها و مكانتها بعد الاطاحة بصدام حسين لم ترضى عن مآلها و كظمت غيظها بانتظار فرصتها التي سوف تأتي عاجلا أم آجلا ، هي فئة عبارة عن خليط من البعثيين و أفرادا من قدماء الجيش و المخابرات العراقية و من أبناء العشائر العربية و جميعهم يجمعهم ملاط واحد . هذه الفئة قد وجدت فرصتها في المشروع الكلينتوني (نسبة لعرابته هيلاري كلينتون) و الذي اعتمد على دراسة (قديمة) تقول انه بدلا من العمل على محاربة المشاعر المعادية للغرب و اسرائيل الامر المكلف كثيرا و المتعب و غير مضمون النتائج لأن هذه المشاعر قد ضربت عميقا في وجدان شعوب المنطقة من بعد الحرب العالمية الثانية ، و الأنظمة القائمة ما تزال ترعى هذه الايديولوجيا بالتسلسل منذ فترة عصر القوميات في المنطقة (بالأخص القومية العربية) . بدلا عن ذلك نستطيع طي هذه المشاعر و تغيير اتجاهها ناحية صراع طائفي حاد يأخذ شكل الحرب الوجودية مستفيدين من أنظمة ملكية خليجية مستعدة للتعاون إلى أقصى حد في هذا المجال لأسباب عدة . و هذا هو الدينامو المحرك لما يعرف بالتغيير باتجاه الشرق الأوسط الجديد المشروع الذي بدء العمل به منذ أيام الرئيس بوش الابن و هذا يفسر لنا لغز اصرار اميركا على ربط نظام صدام حسين بأحداث سبتمبر و اجتياحها للعراق باعذار واهية وصلت حد الفضيحة . فهي (اميركا) كانت تقوم بأول ضربة لها لنظام قومي عربي كلاسيكي و تصنع لها موطئ قدم بغية التوسع لاحقا في مشروعها .. أما من هو اللوبي القوي الذي كان يقف وراء تلك الدراسة و من هو جهاز المخابرات الذي قدم إلى البنتاغون المحفزات لهذا المشروع على شكل دراسات و معلومات منها ما هو واقعي و ما هو ليس بذلك فهذا بحث آخر يطول و لسنا بصدده هنا .
عندما قويت شوكة داعش الأم و امتلكت اراض شاسعة و ذهب وفير و دولارات كالنهر و اعلام متطور على الانترنت (لم يحجبه الغرب) قامت بخطف و اغتيال الألاف من المدنيين و بمهاجمة التنظيمات العسكرية الصغيرة و (الجيش الحر) و الأكراد ، لكن كل ذلك ليس من باب عداوتها و كرهها لهم بقدر سعيها إلى التوسع على حسابهم و إلغاء كل من لا ينضوي تحت عباءتها و ابقاء الكلمة لها فقط لانها تستطيع ذلك و قبل ذلك لم تكن . هذه الضربات الداعشية كانت البينة التي تبناها الخطاب المعارض المحدود النظر ليدعي بأن داعش تعمل اجيرة لدى ايران و النظام السوري !! (و ما يأتي على هوانا مرحبا به دائما) دون النظر إلى الجبهات الواسعة و المعارك الطويلة التي فتحتها داعش لاحقا مع الجيش السوري و حلفاؤه . هذا التنوع في العداء و التريث في فتح جبهة تارة و فتح عدة جبهات تارة اخرى يفسره ماذكرته أعلاه و هو ان قيادة داعش هي مؤلفة من رجال كانوا من جهاز المخابرات العراقي و افرادا من جيش كان متمرسا في المعارك و هم يعرفون كيف و متى يضربون و كيف يبنون تشكيلات مقاتلة اكبر من ميليشيا و اصغر من جيش نظامي و لنتذكر هنا ما كان يدعى بجيش فدائيي صدام كيف بني و كيف كان شكله . هؤلاء القادة يعرفون كيف يبقون في الظل و كيف يلعبون على أوتار الدول و اجهزة المخابرات التي تعرض مساعداتها ، و يعرفون من هو ضابط الارتباط المهم و متى ينحنون لطلباته و متى لا ، كما و يعرفون كيف يخترقون الاعداء و يشترون الذمم .
بصراحة انا لم اقم في أي وقت وزنا لداعش و ذلك منذ أول يوم رأيت فيه الدائرة السوداء حتى اليوم الذي وصل فيه التنظيم إلى أوج قوته و سيطر فيه على بقعة جغرافية واسعة في سوريا و العراق . لانني كنت ارى فيه كيانا طارئا جدا (قد ظهر كي يتم إزالته) . فسرعة نموه و بطشه المبالغ به و اعلامه العنيف الوقح كان بالنسبة لي شيئا يشبه المهزلة ، شيئا غير منطقي و لا يتماشى في جانب مع عالمنا الحالي المفرط في جديته و الذي يخضع بصرامة إلى الكونترول الأمني و العسكري ، و فوق ذلك فان القطب المهيمن على الأرض عسكريا و أمنيا يملك العشرات من القواعد التي تطوق الكرة الأرضية و وجوده يتركز بالأخص في البقعة الجغرافية الملاصقة لحدود داعش . كان الأمر بتفاصيله الهزلية يجعل عقلي يذهب عفويا إلى أفلام العنف الهوليودية . انظروا إلى عدد الغارات العنيدة التي تشنها اسرائيل على القطع العسكرية السورية و الحليفة و التي طالت حتى اصغر مستودعات الأسلحة و مراكز البحث العلمي العسكري و فكروا معي بعدد الغارات التي شنتها على داعش عندها تعرفون ما أقصد .
فلنرى ما تقوله الأرقام لنا و هي الشيء الوحيد الذي لا يكذب في الحروب . حسب التقديرات فان ضحايا داعش من الجيش السوري يتجاوزون الالف شهيد و من الحلفاء عدد غير معروف و من الجيش الروسي النظامي حوالي العشرة عناصر منهم الضابط الكسندر بروخورنكو الذي أعطى احداثياته إلى الطيران الروسي كي يقصفه مع عناصر من داعش كانوا يطوقونه في محيط تدمر . أكثر جهة نشر داعش تنكيله لها اعلاميا هي الجيش السوري . و في المقابل فان ضحايا الامريكان على يد التنظيم هو الصفر !! مع ان القواعد الأمريكية ملاصقة لحدود داعش و مهاجمتها ليست بالمهمة العسيرة على التنظيم الذي يمتلك مئات الانتحاريين المغسولي الدماغ سلفا ضد اميركا و اسرائيل التي تبعد حدودها بضعة عشرات من الكيلومترات عن حدود الدولة الاسلامية . مع العلم ان التنظيم كان يستميت على الانترنت لاستقطاب متطوعين من كل العالم و هو يعرف لو انه قد لفظ مرة واحدة كلمة عداء لاميركا أو لاسرائيل لكان قد استقطب أفواجا و جحافل من المتطوعين لكنه لم يفعلها أبدا لأن من كتب السيناريو هو محترف في صناعة الأفلام و قد استطاع أسقاطها من أدبيات داعش بحذاقة و سلاسة قل نظيرها جعلت الجميع يتغافلون عن ذكرها .
أنا أرى ، و تذكروا كلامي هذا ، أنه في حال أن داعش قد قامت من رمادها أو أي تنظيم مشابه لها قد قويت شوكته فجأة فان مهمته الكامنة سوف تكون أولا و أخيرا هي حماية حدود اسرائيل الشمالية .
داعش سوف تقوم من رمادها كمان و كمان لأنها لم تقم من العدم و لم تمت في الأصل ، هي سوف لن تقوم بقوة علمها أو بسندها الحضاري بل بسبب قوتها الكامنة و المتجذرة في الثقافة الجمعية عند أبنائها ، فداعش هي طائر الفينيق الأسود الذي يقوم من رماد النار التي ينشرها بجناحيه (العقيدة و المصلحة) ، نارا يعلمنا عنها التاريخ بأنها لا تحرق إلا الضعفاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء الحملات الانتخابية لسباق الرئاسة في موريتانيا


.. آثار سقوط صاروخ من جنوب لبنان على منزل في مستوطنة مرغليوت




.. نقاش إسرائيلي يدرس إنهاء العملية العسكرية في رفح.. ما دلالات


.. قوات الاحتلال تطلق النار بشكل مباشر على سيارة فلسطينية




.. نجوم يخوضون آخر نسخة -يورو-.. أبرزهم رونالدو ومودريتش وآخرين