الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديث: دستور مصر، دستور دولة دينية بامتياز!

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2020 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


حكومة مدنية، وليست دولة مدنية ؟!

" هى كانت فى الاصل، "مصر حكمها مدنى"، وجدناها بعد حفل عشاء الجيش، "مصر حكومتها مدنيه"!"، هكذا كانت شهادة د. محمد ابو الغار* عضو لجنة الخمسين لوضع دستور 2014، المعدل فى 2019، والمحتوى على نفس التعديل "حكومتها مدنيه"!.
اعضاء لجنة الخمسين، اتعشوا وصفقوا ورحلوا!.

وقد جاء فى ديباجة دستور 2014:
".. نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية."
كيف دولة ديمقراطية حديثة، وهى دولة ليست مدنية، ولكن احدى سلطاتها "حكومتها" فقط هى المدنية؟!

ماذا يعنى ان تكون سلطة واحدة من سلطات الدولة الثلاث، مدنية ؟!، وماذا عن السلطتان الاخريتان، التشريعية والقضائية ؟!، انه دستور سلطات دولة عرجاء!.
ثم، وهو الاهم، ان هوية الدولة لا تحددها هوية كل سلطة من السلطات الثلاث على حدة، ولا حتى السلطات الثلاث مجتمعة، بل العكس هو الصحيح، ان هوية الدولة هى التى تحدد هوية سلطاتها الثلاث، وغيرها من مكونات الدولة!.

ان جوهر الخلل الذى تم معالجته بهذا الشكل الاعوج، يكمن فيما جاء فى المادة الثانية من الدستور من ان:
" الإسلام دين الدولة، .. ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع."!
بعدها يصبح من المستحيل ان تكون سلطتا التشريع والقضاء سلطات مدنية!،
وهما المناط بهما، الاولى التشريع "النواب"، والثانية تطبيق التشريع "القضاء"،
طالما ان "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، لذا ليس هناك امكانية الا ان تكون السلطة التنفيذية فقط هى المدنية، اى انه يستحيل ان تكون اياً من سلطتا التشريع والقضاء، سلطة مدنية!، اى انه من المستحيل ان تكون الدولة دولة مدنية، انه اعتراف صريح "دستورى" بان مصر ليست دولة مدنية!.


الدولة فى الاسلام، دولة دينية بامتياز !
جاء فى المادة 2:
الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
ولمزيد من التأكيد فقد جاء فى ديباجة الدستور:
".. نكتب دستوراً يؤكد أن مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع .."

منذ 1952 حرصت السلطة الجديدة، بقيادة عبد الناصر، على الاستيلاء على السلطة الدينية، بعد ان استولت على السلطة السياسية، بالقوة العسكرية، وبعد هزيمة 67، حرص السادات على استعادة، واعادة تفعيل، دور جماعات الاسلام السياسى، فى مواجهة ازمته الداخلية مع القوى اليسارية والقوميه "الناصريه"، باستدعاء اليمين الدينى، رفيقأ فى رحلته للتحول من الشرق الى الغرب، من اليسار "الشمولى" الى اليمين "المدنى". فاضاف لدستور 1971، الذى كان ينص على ان الشريعة الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع – اى احد المصادر الرئيسية للتشريع -، اضاف السادات عام 1980، الالف واللام، لتصبح الشريعة الاسلامية الـ"مصدر الرئيسى للتشريع". وبالمرة، على طريقة "فرح جنب طهور"، قام كتحصيل ثمن فى المقابل، بتعديل المادة 77، لتسمح لرئيس الجمهورية بمدد رئاسية مفتوحة، وليس بمدتين فقط، كما كان الحال قبل التعديل، واجرى استفتاء على كل التعديلات، متعددة الاتجاهات، دفعة واحدة، وليس كل مادة على حده، كما يقتضى اى استفتاء نزيه!.(1)

ولان الدولة، شخصية اعتبارية، لا تمارس ادوار الاشخاص الطبيعين، سواء فيما يتعلق بالفروض الدينية، من عباداتٍ وشعائر، فالدولة لا تصلى ولا تصوم ولا تحج!، او اى امور شخصية اخرى، كالزواج مثلاً، فالدولة لا تتزوج!، انما ينحصر دور الدولة فقط، فى تنظيم العلاقة بين المواطنين وبعضهم البعض، من ناحية، وبينهم وبين مؤسسات وسلطات الدولة المختلفة، من الناحية الاخرى.

ولان الدولة كيان سياسى، فاذا ما سميت الدولة بأسم دينها "الاسلام"، اذا صار الدين صفة سياسية، موضوعا سياسيا، اى اصبح جزءا من الحقوق العامة، عندها اصبح من حق اى مؤسسة او جهة او مواطن، بل ومن واجبهم، مناقشة المواضيع السياسية المرتبطة بدولتهم، اى انه تم تخفيض مرتبة الدين الى مرتبة سياسية!. ذلك هو الجوهر العميق للمخاطر والمشاحنات والجدالات و"التحرش الدينى" التى تظهر من وقت لاخر، ليكفر قطاع من المواطنين، قطاعاً آخر، ليجرى على اساسه قتلهم احياناً، بما انهم كفار!، سواء كانوا من المواطنين المسيحيين او اليهود، او حتى المسلمين!.(2)(3)


ايضاً، السقوط فى التناقض لغير المسلمين!
جاء فى المادة 3 من دستور 2014:
"مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية".
ولكن، ماذا عن احوالهم العامة، كمواطنين مصريين؟!. كما جاء فى نص المادة 1 من الدستور: "جمهورية مصر العربية، .. ، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون."؟!.

عندما تضم اى دولة عدة عقائد دينية مختلفة، ولكى يتمتع كل مواطن بحقوق متساوية، فلا يسع هذه الدولة ان تكون دولة دينية، والا تم اتهام اصحاب العقائد الاخرى بالكفر!.

لذا يصبح فصل الدين عن الدولة هو السبيل الوحيد لاتقاء مثل هذه المخاطر والمشاحنات، والتى تستنزف جهود الوطن وتخلق الشقاق، وتهدد سلامة الوطن ووحدة شعبه واراضيه، وبدون هذا الاساس لدولة المواطنة، الدولة المدنية الديموقراطيه، فان اى حديث عن تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، او عن "تصحيح او تطوير او تجديد الخطاب الدينى"، يصبح حديث بلا معنى!.

واذا كان احد مبررات التمييز الدينى، دستورياً على الاقل، هو التلويح للغرب بان سقوط النظام، وسيطرة قوى الاسلام السياسى، سيشعل الصراع الدينى ويهدد الاقباط فى مصر، فان ذلك يتناقض مع الشعار الرسمى المرفوع: "مصر دولة مدنية حديثة"!، فان المرجعية الدينية للدولة، تضع مصداقية مدنية الدولة وحداثتها فى مأزق.



وشهد شاهد من اهلها!
فى مقال للكاتب الاسلامى فاروق الدويس، نجد اوضح تعبير، يتسم بالاستقامة، عن موضوع علاقة الدين الاسلامى بالدولة، فتحت عنوان " تصحيح مفاهيم: الدولة في الإسلام دولة دينية بامتياز"، كتب الدويس يقول: ".. إن كل الادعاءات بأن الإسلام يدعو لدولة مدنية وديمقراطية وأن دولة الإسلام ليست دينية… كل هذه ادعاءات باطلة، .. "، ثم يتسائل الكاتب " هل يختلف مصطلح "دولة دينية" عن "دولة إسلامية" ؟ .. ليجيب هو عن سؤاله: " .. إنه لمن التناقض الغريب أن تجد من يستعمل مصطلح “دولة إسلامية” لكن يرفض مصطلح “دولة دينية”!؟ فالإسلام الذي وُصفت به الدولة في المصطلح الأول (دولة إسلامية) هو عينه الدين الذي وُصفت به الدولة في المصطلح الثاني (دولة دينية)، ويضيف: " .. فالذي يميز دولة عن أخرى ليس “البشر”، لأنها كلها دول “بشرية”، ولكن المنظومة التشريعية التي تستند عليها الدولة في الحكم هي التي تميزها، فإن كان الدين هو المرجع للتشريع والحكم فهي دولة دينية .. فالمسلمون دولتهم دولة دينية، فخدمة الناس ورعاية مصالحهم وفق الشرع، دين، والاقتصاد والتجارة، دين، والسياسة المالية، دين، والقضاء، دين، والسياسة، دين، .. ، وعلاج المرضى، دين، وبناء المستشفيات، دين، ، بل حتى قضاء الحاجة، دين، وجماع الزوج لزوجته، دين." !، ليقرر الدويس فى النهاية: " فالخلافة، دولة إسلامية، دولة دينية بامتياز"!.(4)



لقد جاء فى المادة 7 من الدستور:
الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، .. ،وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه .
كما جاء فى ديباجة الدستور: "نكتب دستوراً يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز."

واذا ما كانت جامعة الازهر تتلقى تمويلها من الدولة، (وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية)، واموال الدولة تتضمن الضرائب وكافة الرسوم والاستحقاقات المالية، التى تفرض على المصرى، باعتباره مواطناً، بغير النظر الى ديانته، الا ان هذه الجامعة يتخرج فيها الطبيب باعتباره مسلماً، وكذلك يتخرج فيها المهندس باعتباره مسلماً، وكذلك باقى التخصصات الاكاديمية، فكيف يكون "نكتب دستوراً يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز." ؟!.


كما جاء فى المادة 4 من الدستور:
"السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، .."
كيف السيادة للشعب التى اول ما تتمثل هذه السيادة، تتمثل فى حقه الاصيل فى اختيار شكل ونظام وتشريعات الحكم، ثم، وهو الاهم، كيف ينص الدستور على ان تكون "السيادة للشعب وحدة"، فى حين ان المادة الثانية من نفس الدستور تنص على ان "الاسلام دين الدولة"؟!، حيث ان السيادة فى الاسلام لله وحده، وفقاً لمفهوم "الحاكمية" فى الاسلام؟!.



هوامش:
* بالفيديو.. حقيقة ما قاله أبو الغار عن الدستور أثناء "عشاء الجيش"!
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=17122013&id=90635fd5-96ea-4046-9620-02519f87c947&fbclid=IwAR1uKnoUbKBH0rSH0NldtGBcsjD-H9TZ6zsmhX4ZVMi_-oKoeuwxKidb8Pk


المصادر:
(1)الصراع على السلطة الدينية فى مصر.

(2)عندما مارس عبد الناصر الانقلاب الدينى بعد الانقلاب العسكرى – امين المهدى

http://www.civicegypt.org/?p=39685

(3)خلطة الهوية المشوهة للسلطة فى مصر.

(4)تصحيح مفاهيم: الدولة في الإسلام دولة دينية بامتياز _ فاروق الدويس.
https://ommahpost.com/correcting-concepts-islamic-state-is-religious-one/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرزق يحب الخِفِّيّة
أنور نور ( 2020 / 5 / 18 - 13:07 )
شاهدت حواراً بقناة موقع مصري طائفي . لشخص يشبهك تماماً , ويحمل نفس اسمك . حديثه
ذكّرني بكتابات فهمي هويدي , وبأحاديث عمرو موسي
ويختلف عن كتاباتك المستقيمة في موقع الحوار المتمدن
تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا