الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1

دلور ميقري

2020 / 5 / 17
الادب والفن


النادي، شأن العديد من أمثاله في المدينة، كان يطل على المضيق البحريّ غيرَ بعيدٍ عن الجسر الرابط آسيا بأوروبا. النور كان ساطعاً في الداخل، بفضل شريط من المصابيح الكهربائية، قطعَ الصالة الرئيسة من طرفيها. كونها أمسية عادية، وليست اجتماعاً أو حفلاً، فإن الأعضاء كانوا يتوافدون في أوقات مختلفة. أكثرهم كانوا بالقيافة الإفرنجية، فيما قلة باللباس القومي وكانوا غالباً من زعماء العشائر. أحد هؤلاء الأخيرين، ما أن وقع بصره على الأستاذ إلا وهُرع كي يصافحه بحرارة: " ماموستا، منذ متى أنتَ في اسطنبول؟ "
" منذ يومين "، رد الآخر باقتضاب ثم استطرد يومئ برأسه إلى رفيق الرحلة: " قدمتُ مع صديقي، السيد عليكي، وهوَ بالأصل من وجهاء الشام الشريف ".
" تشرفت بمعرفتك، يا أخ. وأنا أدعى رَمّو آغا، من ماردين "، قالها الرجل ماداً يده إلى الوجيه الشاميّ. الآغا المارديني، كان فارع القوام وعلى شيء من البدانة، قسمات سحنته بغاية التناسق مع شعر لحية خفيف بلون فاتح وقد وخطه قليل من الشيب. انتبه عليكي إلى برودة صديقه، حينَ خاطب ذلك الآغا. فلما انفردا وحدهما في إحدى زوايا الصالة، فإنه تساءل: " هل ينشط رمو آغا، هنا في النادي؟ "
" لا، إنه في زيارة لاسطنبول على الأرجح. هذا النوع من زعماء العشائر، لا ينشط سوى في السلب والنهب! "، أجابَ الأستاذ ماطاً شفته السفلى دلالة على زهده بسيرة الرجل. عند ذلك، ومضت فكرة في رأس عليكي: " آه، أيكون هوَ مَمّو آغا نفسه، الذي استولى على قطيع الماشية العائد إليّ؟ ". ما أبطأ في نقل المعلومة إلى صديقه، فعلّق هذا مبتسماً: " لعل حميكَ خلط بين اسمَيْ ممّو ورمّو؟ وأنا أرجح أنه غريمك، بما أن مشهورٌ بالإغارة على القوافل في بر ماردين "
" إنه غريمُ حَميّ؛ فأنا استعدتُ، مثلما تعلم، ثمنَ الماشية المسروقة "
" لكنك لم تذكر لي، قبلاً، معرفتك بشخص السارق؟ "
" ذكره لي حَميّ مؤخراً، وكان الموضوع بالنسبة لي قد طويَ باستعادتي مالي "، قالها عليكي. ثم ما عتمَ أن تمتم، محركاً عينيه بحذر: " ها هوَ الرجلُ قادمٌ إلينا، ولعله حَدَسَ أننا نتكلم عنه ". كان رمّو آغا يسير باتجاههما بطريقة تذكّر بأسد الغابة، ببطء ورشاقة وثقة بالنفس عالية.
خاطبَ عليكي عن قرب، بطريقة مباشرة: " قدحتُ ذهني، فتذكرتُ أننا على شراكةٍ بقضية لم تُحل بعد ". لكنه الأستاذ، مَن تعهّدَ الرد مقهقهاً: " كل قضاياك ليسَ لها حلولاً، يا آغا! ". شارك المعنيّ بالضحك مع سعلة خفيفة، تنم عن بعض الحَرَج. بيد أنه سرعان ما شاء إيضاح ما دعاه ب " القضية غير المنتهية ".
قال لعليكي: " يشهد الله أنني لم أعلم بكون القطيع يخصك، وبأي حال فإنك ستحصل على ما يُعادل أغنامك دونَ نقصان "
" صدقني، يا آغا، أنني استرجعتُ ثمنَ القطيع كاملاً "، أوقف عليكي كلامه مبتسماً بتسامح. لكن الآخرَ واصل القول: " شيمتنا، هيَ سلبُ العرب وحدهم. والهدف من ذلك، هوَ إبعادهم عن مراعينا ودفعهم جنوباً ما أمكن في اتجاه باديتهم ". أراد أن يكمل كلامه، لما صاحَ رجلٌ بصوت جهوريّ داعياً الحضورَ إلى صالة الطعام.
على طاولة العشاء، هنالك في الصالة، استفهمَ صالح بك من صديقيه عن أمر الآغا؛ وكان قد لحظ انفرادهما بالحديث معه. عندئذٍ، كلمه عليكي باختصار عن موضوع سلب القطيع. ردة فعل البك، أن انفجر بدَوره ضاحكاً. ثم ما عتمَ أن طلبَ دعوة الآغا إلى القصر، أين سيقضون بقية السهرة مع كؤوس الشراب.

***
غبَّ قضائهم أسبوعاً في اسطنبول، تهيأ الصديقان لمغادرتها في قطار الليل. وصلا إلى المحطة مساءً بعربة أجرة، وكانا في حاجةٍ لحمّال كي ينقل حقائبهما، التي ازدادت بشرائهما أشياء من أسواق المدينة، كالأقمشة والتحف وسواها. لكن جمهرة من الحمّالين اندفعت نحو العربة، وكان السبق لأحدهم وتبيّن لاحقاً أنه من مواطني ماردين. عند ذلك، تذكّرَ عليكي أمراً. قال لرفيق الرحلة، فيما يدلفان من العربة: " أخالُ أنّ رمّو آغا قد سبقنا إلى المحطة؟ "
" سيأتي بكل الأحوال، لأنه هوَ مَن شاء مرافقتنا في طريق العودة "، ردّ الأستاذ. هذا الأخير، وبرغم تعرّفه على الآغا منذ أعوام إلا أن علاقتهما توثقت في الأيام الأربعة الأخيرة. لا شك أن بذرة الصداقة نمت على أثر ما أظهره الآغا من شهامة، بخصوص قطيع الأغنام. كان الصديقان يحتميان تحت سقف مدخل المحطة من عاصفة مطر حارة، هبّت في جو المساء المعبّق بالرطوبة، لما لمحا رمّو آغا. نزل هذا من عربة أجرة مع ثلاثة من رجاله، وكان أكثرهم شباباً على شبهٍ به. لم يكد ينتبه لوجود الصديقين إلا واندفع نحوهما، تاركاً رجاله يهتمون بأمر الحقائب. ساعة على الأثر، ثم كان ثلاثتهم يركنون في مقصورة من الدرجة الأولى بينما القطار يُطلق صفيرَ التأهب للحركة.

* مستهل الفصل السادس/ الكتاب الخامس، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل