الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السيادة العراقية وحرية القرار السياسي

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2020 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تأسست الدولة العراقية الحديثة عام 1921, بعد إندماج ولاية بغداد وأجزاء واسعة من ولايتي البصرة والموصل التي كانت جميعها خاضعة للهيمنة العثمانية قبل ذاك , وتنصيب الأمير الحجازي فيصل بن الشريف حسين أمير مكة , ملكا على العراق من قبل بريطانيا التي دخلت العراق بدعوى تحريره من الهيمنة العثمانية. خضع العراق في بداية تشكيل المملكة العراقية لسلطة الإنتداب البريطاني للفترة ( 1921 – 1932 ) , وفي العام 1932 أعلن عن قبول العراق كدولة مستقلة في عصبة الأمم. منحت الحكومة العراقية بريطانيا قواعد عسكريةجوية في الشعيبة قرب البصرة والحباينة قرب بغداد . مارست الحكومات العراقية المتعاقبة قدرا معقولا من السيادة بما لا يتعارض مع المصالح البريطانية , وبمشورة حكومتها وتحت إشرافها . هيمنت الشركات النفطية البريطانية على ثروة العراق النفطية , وربطت بريطانيا العملة العراقية بالجنيه الأسترليني العملة الوطنية البريطانية.
وبسقوط النظام الملكي في العراق عام 1958 , وقيام نظام حكم جمهوري بديلا عنه , قامت الحكومة العراقية التي كان يرأسها الزعيم عبد الكريم قاسم , بإخراج القوات العسكرية من العراق , وفك إرتباط العملة العراقية من الجنيه البريطاني , وتحرير ثروة العراق النفطية من الهيمنة الأجنبية بإصدارها القانون رقم ( 80 ) لسنة 1961 بعد أن فشلت المفوضات مع شركات النفط الأجنبية التي دامت لأكثر من ثلاث سنوات , حيث إستعاد العراق حقه الطبيعي بالتنقيب عن النفط في معظم أراضيه التي كانت حكرا على الشركات الأجنبية ,وإستثماره لمصلحة العراق بالطريقة التي يراها مناسبة. كما ساهم العراق بفاعلية بتأسيس منظمة البلدان المنتجة للنفط " أوبك " في إجتماع عقد لهذه البلدان في بغداد عام 1960, حيث لعبت المنظمة دورا بارزا بتصحيح أسعار النفط المتدنية جدا في الأسواق العالمية لمصلحة بلدانها .
وبسقوط حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم , وسيطرة الأحزاب القومية العربية على مقاليد السلطة , أصبحت القرارات الحكومية أقل إستقلالية وأكثر تأثرا بمصر عبد الناصر إلى حد كبير لغاية العام 1968, حيث شهدت مصر والبلدان العربية إنحسارا كبيرا في المد القومي العربي بسبب هزيمة مصر وسورية والأردن من قبل إسرائيل في ( 5 ) أيام , وإحتلالها كامل الأراضي الفلسطينية وأجزاء واسعة من الأراضي المصرية وهضبة الجولان السورية الذي ما زال مستمرا حتى يومنا هذا, الأمر الذي مهد لإنقلابات عسكرية في العراق وليبيا والسودان . وقدر تعلق الأمر بالعراق , فقد إستلم حزب البعث العربي الإشتراكي مقاليد السلطة عبر الإنقلاب العسكري في تموز عام 1968 وإستمر حكمه لأكثر من ثلاث عقود لغاية سقوطه عام 2003 . نجح البعث في عقد السبعينيات من حكمه بتحقيق نهضة تنموية واسعة وإرساء مرتكزات قوية لبناء دولة عصرية قوامها العلم والمعرفة , كان بإمكانها نقل العراق إلى مصاف الدولة المتقدمة في مدة وجيزة لو أن مسيرة التنمية إستمرت على وتيرتها المتصاعدة , ولكن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن . خاض العراق في عقد الثمانينيات حربا عبثية مع إيران إحترق فيها الأخضر واليابس , توقفت خلالها عجلة التنمية بإستثناء التصنيع العسكري الذي إزدهر إزدهارا كبيرا . تمكنت الحكومة العراقية خلال هذين العقدين الحفاظ على حرية إستقلالها بقراراتها السياسية , ولو بصورة نرجسية لا تأبه لأحد كائنا من يكون في إطار شعور زائف بالعظمة , دفع هذا الشعور الحكومة العراقية الدخول بمغامرات عسكرية أكثر خطورة , حيث قامت بغزو الكويت وإحتلالها عام 1990 ,مما نجم عنه دمار شامل للعراق حكومة وشعبا .
فقدت الدولة العراقية سيادتها منذ عام 1991 في أعقاب هزيمة الحكومة العراقية بغزوها الفاشل للكويت, وتدمير قدرات العراق العسكرية ومنشآته الحيوية من قبل قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية , وفرضها حصارإقتصادي ظالم طال جميع مفردات حياته اليومية وحرمانه من التصرف بثرواته , حيث لم يعد بعدها العراق بلدا حرا ومستقلا, بعد أن قيدته الولايات المتحدة الأمريكية بقيود صارمة لا يمكنه الإفلات منها إطلاقا. كان أبرز هذه القيود إخراج محافظات أربيل والسليمانية ودهوك من سلطة الحكومة المركزية وتسليمها لسلطة الحزبين الكرديين الرئيسيين , الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني العدوين اللدودين للحكومة العراقية , بدعوى توفير ملاذ آمن للكرد من بطش سلطة الحكومة العراقية , وبذلك أصبحت هذه المنطقة ملاذا آمنا أيضا للقوى المناوئة للحكومة العراقية بتوجهاته المختلفة , ومسرحا لوكالات المخابرات الأجنبية وشبكات التجسس لتنسيق جهودها ضد الدولة العراقية, بدعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بهدف إسقاط الحكومة العراقية القائمة يومذاك. ولم تكتف الولايات المتحدة بهذا القدر من التعسف , بل قامت وحلفاؤها بفرض حظر شامل على الطيران العراقي بشقيه المدني والعسكري من التحليق في أجوائه . وأهم من ذلك كله إستقطاع جزء من أرض العراق ومياهه وضمها إلى الكويت قسرا, وفوق هذا وذاك إلزام الحكومة العراقية بدفع تعويضات بنسبة ( 30 % ) من عائداته النفطية , تودع في حساب خاص تحت تصرف لجنة دولية لدفع ما وصف بتعويضات الغزو العراقي, لخسائر الكويت حكومة وشعبا وشركات وأفرادا كانوا عاملين فيها , دون أن يحق للعراق الإعتراض عليها أو حتى إبداء الرأي فيها. وما زالت الحكومة العراقية مستمرة بدفع هذه التعويضات المجحفة حتى يومنا هذا , على الرغم من الضائقة المالية والظروف الصعبة التي يمر بها العراق , ناهيك عما لحق بالعراق من دمار شامل, جراء غزوه وإحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها , التي إنطلقت جحافله من أرض الكويت ودول الخليج العربي , بمباركة حكوماتها ودعمها المالي السخي لهذا الغزو الجائر.
وكأن ما حل بالعراق من دمار وحصار وإنتهاك سيادته الوطنية, حيث كانت فرق التفتيش سيئة الصيت عن أسلحة دمار شامل مزعومة تجول وتصول في البلاد بكل صلف وعنجهبة , تصاحبها ضربات صاروخية وإلقاء قنابل طائرات أمريكية بهدف ترويع السكان الآمنين, وحرق المزارع التي تسهم بتوفير بعض إحتياجات الناس , وتدمير بعض منشآت العراق الحيوية التي أعيد بنائها بجهود وطنية لدعم إقتصاده المتهالك , قامت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 بغزو العراق عام 2003 تحت غطاء زائف بإمتلاكه أسلحة دمار شامل ثبت للقاصي والداني زيفها , بينما كان الغزو يستهدف القضاء على روح التحدي والصمود الذي أبداه النظام السياسي في العراق , والذي رأى فيه خطرا يعوق مشروعه الإستعماري الجديد بالهيمنة المنفردة على ثروات بلدان الشرق الأوسط تحت يافطة بناء شرق أوسط جديد تسوده الحرية والعدالة والديمقراطية والتسامح والشفافية , شرق أوسط جديد لا مكان فيه للتطرف والإرهاب . فماذا كانت النتيجة شرق أوسط جديد أقل عدالة وأكثر تطرفا وإرهابا وفسادا ومصادرة للحريات . أقاموا نظاما سياسيا متخلفا قائما على المحاصصة الطائفية والأثنية التي لم يجن منها العراقيون سوى المزيد من الدمار والفقر والجوع وخيبات الأمل. فقد العراقيون أمنهم وأمانهم حيث لم تعد هناك دولة قانون , بل حلت محلها سلطة أحزاب ومليشيات وجماعات مسلحة وعشائر ومراكز نفوذ وقوى مختلفة , لكل منها نفوذها وسطوتها في مناطق تواجدها.
لم تستكمل الدولة العراقية هيكلها القانوني حتى يومنا هذا بموجب دستورها الذي إعتمدته عام 2005. فعلى سبيل المثال لم يتم حتى الآن تشكيل مجلس الإتحاد الذي حددته المادة ( 65 ) والتي تنص على : "يتم إنشـــاء مجلــسٍ تشـــريعـــي يُدعى بـ (مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".

كما حرمت المادة ( 18 ) إزدواجية الجنسية لمن يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا , بينما ما زالت معظم هذه المناصب إن لم يكن جميعها مشغولة من قبل مزدوجي الجنسية. وحظرت المادة ( 9 ) تكوين مليشيات عسكرية خارج إطار القوات العسكرية , بينما يبلغ عدد المليشيات المسلحة حاليا أكثر من ( 20 ) فصيلا . وتنص المادة (111)على أن : "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات", بينما تتصرف حكومة إقليم كردستان بنفط الإقليم على هواها وتحصل في الوقت نفسه على حصة معينة من موازنة الدولة المركزية. وكفلت الفقرة ثالثا من المادة ( 38 ) حق التظاهر السلمي, بينما يتعرض المتظاهرون السلميون في الكثير من الأحيان إلى التعسف والعنف والخطف والقتل. وبرغم كل هذه المخالفات الدستورية الفاضحة ما زال كبار المسؤولين وقادة الكتل السياسية يتشدقون بحرمة الدستور وعدم جواز المساس به بوصفه أساس شرعيتها .
وحكومات بهذه الشاكلة منبثقة من رحم الإحتلال , وتفتقر إلى الشرعية الدستورية , ولا تحظى بقبول شعبي في ضوء المقاطعة الشعبية الواسعة لإنتخابات مجلس النواب , وتشكلها إرادات الدول الأجنبية ( الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بالدرجة الأساس , والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بالدرجة الثانية) وتوافقاتها عبر وكلائها ووسطائها , وينخرها الفساد حيث تباع فيها المناصب الوزارية والمناصب العليا في الدولة في بازار الأحزاب والكتل السياسية ,حسب الحصص المقررة لها بموجب نظام المحاصصة الطائفية والأثنية المعتمد حاليا في العراق . فهل يعقل أن بإستطاعة هكذا حكومات الحفاظ على سيادة العراق وحفظ كرامة شعبه وصيانة حقوقه . فلا عجب أن يعيش العراق اليوم أسوء حالاته من فقر وجوع وجهل ومرض وإنعدام أمن وفقدان امان وهدر ثرواته . لم يشهد العراق منذ تأسيس دولته الحديثة وحتى يومنا هذا حكومة أسوء من هذه الحكومات, حيث لم يحقق أيا منها إنجازا مهما يمكن أن يحسب لصالحها , بل العكس كان صحيحا حيث أنها تصنف ضمن قائمة الحكومات الأكثر فسادا في العالم , وتوصف الدولة العراقية بالدولة الفاشلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة