الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الإحتجاج 1

سيف الدولة عطا الشيخ

2020 / 5 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


1------4
ما بعد الاحتجاج العربي
ربما يكون من السابق لأوانه تحديد ما بعد الاحتجاج, ذلك أن الحالة لا زالت في توترها ما بين العنف الدموي والتزييف الإعلامي.. إنها حالة تكاد تكون ملازمة..... لا بعد لها ؛ فالمناطق التي هدأت فيها العاصفة لم تبشر إلاّ بغياب العناصر القديمة الساقطة وظهور أخرى جديدة متولدة من ذات النظام القديم .... وفي اعتقادي أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون غير حتمي, فمدارس الحاكم المطلق وجامعاته, هي التي تُخرج معظم من يتمتعون بغريزة التسلط على الآخر. وبالطبع يشير هذا إلى قوة تماسك النظام التعليمي العربي القبلي التلقيني والموروث من فترات ما قبل التاريخ, ولا زال مستمراً في إنتاجه البائس الممل. وليس هناك أي بوادر في الأفق لاستبدال هذا الرحم العتيق. ونتيجة لذلك غاصت الجماهير المغلوبة على أمرها داخل مستنقعات الطرق وساحات التحرير في انتظار أحفاد الاستعمار القديم لإنقاذهم ولو إلى حين من وكلاء الأجداد والذين هم, " الوكلاء " وعلى حسب ظروف التاريخ وحالة اليُتم الثقافي أكثر ولاءً لنمط إستعمار العقلانية المسيحية المتولدة من إقطاعية القرون المظلمة الأوروبية. وقد صادفت هنا ما تبقي من متمزقات الحكم العثماني " العسكري" وكرامات طرق صوفية متقلبة ما بين الإقطاع القبلي والدراما الذهدية. فعلى زوايا هذا المثلث ــــــ عقلانية الاستعمار ألكلاسيكي والحكم العثماني " العسكري ", وتقلبات الإقطاع الطرائقي الطائفي القبلي ــــــــ يمكن أن نجد بنيات تشكل النظام العربي الحاكم منذ بدايات وجوده كسلطة شمولية على كامل الرقعة العربية, وإلى هذا الوقت الذي فيه عادت العروبة إلى نمط القبلية القطرية. بهذه العودة المتخلفة والممزقة صارت الأنظمة العربية أكثر ظلامية وقسوة ووحشية ليس لها مثيل إلاّ فترة ما قبل البعثة الإسلامية وما بعد اللحظات الراشدة والقرون الوسطي المسيحية. ومع كل ذلك, وللمفارقة ودهشة هذا النظام المقدس خرجت الجماهير العربية تبحث عن ذاتها المسلوبة. وهذا ما أعطانا قوة التفاؤل في توظيف الكتابة النقدية لتكون دافعاً لهذه الجماهير صاحبة السيادة الشرعية في إسقاط الرموز ومن ثم يأتي دور سقوط النظام نفسه.
إن الجماهير العربية وبخروجها من الكهف " الأفلاطوني " المظلم تناثرت أمامها أشعة الوهم الذي كانت ترزح تحت وطئته منذ ما قبل الاختراق الأوروبي إلى لحظة الخروج نفسه. ومن خلال هذا السيل الجارف وشكل المواجهة اللإنسانية وضح تماماً أن حكومات النظام العربي سواء التي سقطت أم في الانتظار ليست أكثر من وكالات راعية لمصالح الاستعمار الرأسمالي الحديث حفيد المخترق الأول. وفي ذات الوقت, وإقليمياً تمثل هذه الحكومات عصبية في شكل عصابة منفذة لامتداد التراث الدموي القادم من فترات الصراع الأموي العباسي العلوي. مما يعني أن الاحتجاج هو إعادة بناء لحالة تراثية في جانبها العربي. وهنا تتداخل تركيا البيزنطية ومع إيران ألفارسية. ومن ناحية أخرى, أثبت الاحتجاج استمرارية الوصايا الغربية.. ومع سوريا دخل معسكر الشرق لعبة التقسيم الإستراتيجي. وكنتيجة أولية لهذا التصور دخلت حالة ما بعد الاحتجاج أزمة وجودها العربي. ففي " تونس ومصر " بارك الغرب صعود الجماعات شبه التراثية على المنصة إذ ليس هناك خوف على المصالح طالما أن هؤلاء التراثيين لا يملكون مفاتيح الاقتصاد ولا يستطيعون تمرير سياستهم الخارجية إلاّ عبر قنوات العولمة المركزية. أما داخليا فإن الوعي سيُحدد بما يراه الشيوخ وليس ما يفرضه الواقع.. والأهم من كل ذلك أن الفردانية ذات الحرية المطلقة في الاستثمار هي أساس التمكين والقوة. أما جماهير المجتمع فليست أكثر من رعايا يتم تقديم الخدمات لها عند اقتراب زمن الانتخابات الديمقراطية المزيفة. والمفارقة الكبري هنا, أن الديمقراطية لا للتغيير لما تتطلبه الحالة وإنما تزكية لاستمرار السابق. فمن يجرؤ على استبدال الحكم المقدس بآخر مجهول المعالم ؟ بالطبع وعلى أساس الحالة العربية العامة ليست هناك أزمة في الوعي ألسياسي. ذلك أن ما حـدث في " تونس ومصر " هو في أصله انعكاس لنظام الحكــم القائـم. ومن قام بالتصويت هم الجماهير أنفسهم وقد فعلت ذلك طائعة غير مغصوبة إذاً المتاح ما هو قائم . وهذا النمط غير مطلوب منه أن يتوازى مع واقع الحياة المعاشة وتحولات الثقافة الإنسانية وتكثيف الموضوعية. فقط عليه أن يركز دنيوياً على شحن الذاكرة الجماهيرية بأمجاد العرب وفروسيتهم وكرمهم المنقطع النظير. بل وحضارتهم في الأندلس وغيرها مما يطول ذكره؛ أما دينياً فيجب تذكير العامة بالعدالة الإلهية ويوم الحساب وتخويفهم من الكذب والنفاق وعقوق الوالدين. وبالطبع لا ينطبق هذا الوعظ على الحاكم وبطانته فهم وعلى حسب الأصل الأموي قد صاروا حكاماً بأمر إلهي .
إذا انتقلنا من العودة التراثية إلى التراث نفسه, فإن " اليمن السعيد " وعلى نمط المصالح القبلية المجاورة والتابعة للتوجهات الرأسمالية الغربية الممثلة في أمريكا وحليفاتها من دول الاستعمار السابق, نجد الاحتجاجات غير السعيدة قد تفرقت أيد سبأ. وطويل العمر خرج إلى " واشنطون بعد الرياض " وقد عاد حاكماً لقبيلة الدولة. أما الدولة نفسها فقد تسلمها وكلاء الخارج والداخل. بهذا ضمنت أمارات الخليج أن ليس هناك وعي َقبلي يعلو على ما هو مرسوم في خيام القحطانيين والعدنانيين. وهكذا لن تخرج اليمن من التراث القائم لتبحث عن أصلها الحضاري السابق للتراث نفسه. فقد بعدة الشقة ولم يبقى أمام الجماهير إلاّ الدخول مرة أخري إلى الكهف الأفلاطوني. هنا وبذات الكيفية الأولى لا نستطيع القول بأن هناك أزمة فهي مجرد حالة فوران جماهيري وعندما لم تجد مقدمات لنظام جديد هدأت واستكانت. وربما وبذات الطريقة يتم اختزال الاحتجاج الدموي السوري. فهذا القطر يمثل خلاصة الصراع التراثي والوعي النخبوي المحصور داخل شعارات القومية والطائفية وغيرها من مسميات التاريخ الماضي. ولهذا التكوين " الذاتي" الخاص لم يصل المجلس الوطني إلى صياغة جمعية كي تصبح قائدة للجماهير. فالخوف من القادم أكبر من هذه البركان الدموي المنعكس عن وهم قومي عربي متعالي عن الجماهير ..... صاحبة الحق العروبي .
كان الأمر مختلفاً تماماً في " ليبيا ", فقد انقلب الاحتجاج سريعاً ومصادفة إلى حرب تحرير. وبدخول " حلف الناتو" صارت المواجهة أكثر فتكاً من حالة الإبادة ألايطالية. ولشدة عنف الحالة تماسك المجلس الوطني, وبعون دولة قطر وأوروبا والتردد الأمريكي استطاع الثوار أن يدمروا ترسانة رسول الصحراء والقائد الأممي وأمين القومية العربية. غير أنه وبكل أسف ظهر أن الأربعين سنة من التيه لن تختفي بذات المفاجأة الاحتجاجية. وعلى كل ومهما كانت معارك الثأر وطالما أنها بعيدة عن مناطق النفط فكل شيء سيكون تحت السيطرة بل إن هذه المناوشات هي نفسها ستكون ذريعة التواجد الغربي الدائم. وهنا أيضا ولما فعلته هواجس القومية العربي وشعاراتها غير الواقعية أصبح المتاح هو صعود خليط من ألوان الطيف القبلي على المنصة. فقد انتهت مسألة المعسكر الشرقي ومن ثم ستدخل ليبيا مع تونس ومصر واليمن ودول الخليج بورصات الغرب. أما سوريا فهي لا زالت تحت قبضة " الفيتو الروسي الصيني"؛ وهكذا يكتمــل التقسيم الاستعماري الحديث. وفي الزاوية الحادة يعود التراث القبلي الطائفي وما تبقى من المثلث ستشغله من حين لا خر الاحتجاجات الجماهيرية وعليه ستكون ألخلاصة أن ما بعد الاحتجاج هو الاحتجاج نفسه. هذا بالنسبة لتونس ومصر وإلى حدٍ ما اليمن الحزين. أما سوريا آخر قلاع القومية العربية وبعد معركة الجهاد التحريري في ليبيا ومن قبل كان احتلال العراق وما بعده يمكن التساؤل عن ما بعد البعث القومي العربي....؟. أما دول الخليج فالعروبة بالنسبة لها مسألة عائلية أكثر من شعار للمملكة أو الإمارة. وربما السودان وبعد أن تم فصل الجنوب ومع بعض النوازع العنصرية أن يترقى من العروبة السياسية إلى العروبة الخليجية الخالية من أي إفريقية تعكر صفاء العرق الذهبي. وهاهي هجرات الدعاة تتلاحق ومساجد المنظمات الدعوية تنافس التراث النوبي السناري. غير أن رحيل الزعيم الشيوعي " ابراهيم نقد " أثبت أن الثقافة السودانوية المتشربة بالروح الاسلامية السمحة لا زالت بخير إذ أنها كانت في مقدمة المشيعيين للجسمان الطاهر. . ... أما شباب الصومال المجاهد فلا زال مستمراً في هجومه الديني المدعوم من أصحاب المصلحة الطائفية وبالرغم من تداخل هذا الموت مع عمليات القرصنة البرية والبحرية إلاّ أن الشباب وفي إصرار إيماني يسعى إلى إقامة الإمارة الإسلامية المحرِّمة لكل مظاهر الحضارة الغربية ما عدا السلاح الفتاك. ومع لبنان الواقع تحت سيطرة المليشيات الوطنية نكون بالضبط وتجميعاً لما سبق قد عدنا إلى مرحلة ما قبل فكرة الدولة والتي ظلت شعاراً معلق على صفحات دساتير الحاكم بآمره. وعليه يكون ما بعد الحالة الراهنة هو العودة إلى منطقة الصفر التي سبقت الاستعمار العثماني التركي وفترات الفراغ التي أدخلت الاستعمار الغربي وها هو وعن طريق الجامعة العربية وبزاعمة أمراء الخليج يقوم السادة بتنفيذ ما تطلبه مؤسسات الاستعمار الغربي.... وبالطبع لن يرضى الشرق بهذا الزحف ولهذا كان "الفيتو" حجر عثرة أمام أي تقدم شرقاً. وبالمقابل يتساقط الشهداء. وربما تكون حالة هذا الفناء خطة مدروسة لتفريغ الساحة العربية من أي احتجاج قادم؛ مما سيسمح للقادة الجدد تنفيذ الأوامر الكفيلة بتأمين قنوات النهب.
إن خروج الجماهير غير المنتمية لأي من الأحزاب المصنوعة محلياً أو أجنبياً, قديمة كانت أم حديثه هو خروج للثقافة الخالصة لمواجهة رموز الثقافة القبلية القادمة من مرحلة ما قبل البعثة والمصهورة مع فترات الانحطاط وتداخل الاستعمار النابع من رواسب قرون الظلام الأوروبي وبالتقائها مع أحفاد " كولومبس " وأبطال إبادة الهنود الحمر وتجارة الرق, تصبح مواجهة الجماهير هي مواجهة لكلية العالم سواء كان مسيحياً أم إسلامياً بدليل أن الديانتين وبروح سماحة الأنبياء وخارج أيديولوجيات المذاهب أقاما صلاتهما جنباً إلى جنب في ساحات التحرير. إذن هي ليست ثقافة مدنية فقط وإنما وأيضاً ثقافة دينية تزود الجماهير بالأمل والطموح في إزاحة هذا النمط العروبي النازي الفاشيسيتي.
لم تكن الجماهير وفي خروجها مسلحة بغير إيمانها بالحقوق الإنسانية ولهذا كانت وفي غاية البراءة تنادي من أجل الإصلاح ومحاسبة المفسدين دون أي تحديد, ذلك أنه, وللنمط المتبع لا يسلم أحد من الفساد.... فالوصول للسلطة نفسه كان بليل ولهذا لا يضمن الحاكم غير بطانته وبالذات ابنه ولهذا كان شعار رفض التوريث هو الأساس بل ومن أقوي الشعارات المرفوعة جماهيرياً. فقد تعلمت الجماهير أن الخلود للمعبود فقط وليس للبشر الذين هم في طبيعتهم فانون. ولكن الحكام العرب ولضعفهم في مادة التاريخ وانغماسهم في ملذات السلطة لا ينتبهون إلى هذه الحقيقة الكونية. عليه, يمكن القول أن الخروج كان من أجل التذكير بحقيقة الفناء من ناحية, ومن ناحية أخرى, لفت نظر السلطة الحاكمة إلى أن هناك جماهير هي أساس الوطن قد شبت عن الطوق وبدأت تناضل ضد السلطة البشرية المقدسة. ولهذه العقوق لم يكن أمام السلطان غير أسلحة الدمار الشامل لسحق المحتجين من على وجه الوطن .... فالنظام القبلي لا يحتمل مظاهر الديمقراطية المستجلبة من مؤسسات الاستعمار التي ينتمي لها هو نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا


.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية




.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام




.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف