الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات ملازم -2-

علي دريوسي

2020 / 5 / 20
الادب والفن


من باب القيام بالواجب وجسّ النبض دعاني المساعد، مسؤول قسم الانضباط، للعشاء ومشاهدة أحد البرامج التلفزيونية في غرفته الكئيبة رغم اهتمامه بتجهيزها لتصير أقرب إلى غرفة مدنية.

عاملني الرجل كما يعامل الكرام ضيوفهم، قدّسني قليلاً، مدح بأهل الساحل، وسيادة الرئيس وقائد الحقل.

كانوا يقولون إن العقيد، بسبب معاناتهما المشتركة من مرض السُّكَّري وبسبب تواجد المساعد الدائم وغيابه الطويل عن أسرته وحرصه الشديد على أمن الحقل وسيرورة العمل والنظام والانضباط فيه وتقديم التقارير اليومية عمّا يحدث في أوقات غياب العقيد، قد أعطاه الاستثناء بالحصول الدوري على إجازة طويلة لمدة أسبوعين لزيارة عائلته في الجزيرة كلما انقضى شهران على دوامه في الحقل، كما سمح له أيضاً باصطحاب عسكري معه ممن يقطنون في مدينته ليعمل على خدمته ورعايته، ناهيك عن إعطائه الحق بأخذ عدة حقائب معه معبَّأة حتى التخمة بالمواد التموينية من سكَّر وأرز وشاي وسمن وجبن وزيت نباتي ومعلبات المواد الغذائية بمختلف أنواعها إضافة للحوم المُجمَّدة.

كان الآخرون من زملائه لا يحبونه حقيقة ومع هذا راحوا يتسامحون معه، ولم يكن ذلك مُستغرَباً فلكل منهم حصته التي يجنيها من البستان، كانوا يقولون إن المساعد يستحق ما يحصل عليه فقد ضحّى الفقير بحياته العائلية كرمى للحقل والوطن.

كان المساء الذي أمضيته برفقته ذاك اليوم مملاً فاتراً بارداً، ودّعته ومشيت إلى غرفتي وأنا أدمدم: يا لخسارة الوقت، ألم يكن أفضل لي ألف مرة لو أني أمضيت المساء برفقة مدرب الرياضة والاستماع معه إلى المواويل العراقية ونحن نحتسي الشاي وندخِّن السجائر!؟

**

في موعد مناوبة المساعد جابر يفلت الحقل عن بكرة أبيه، كل أحد يسرح ويمرح كما يحلو له، شريطة أن يُنتفع منه.

كان جابر من أهالي الساحل ويعيش في ضواحي دمشق، جسده يشبه كرة قدم، قصير القدّ، رأسه ضخم، شاربه عريض، كرشه كبير، كان يضع نظارته الطبية على عينيه وسيجارة حمراء طويلة بين شفتيه ويشبك يديه خلف ظهره ويتمشَّى الهُوينى في دروب الحقل متشمشماً الهواء كالطاووس في نزهة، يتنحنح عالياً يتنقَّل من مكان إلى آخر ومن خيمة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر لالتقاط رزقه.

استطاع جابر أن يرتّب أموره المالية والعائلية باكراً، اشترى بيتاً وافتتح بقربه مطعم فلافل وتوابعه، الشيء الذي أعطاه مزيداً من الثقة بنفسه.

كان وهو يتكلم مع الآخرين يحسب نفسه ضابطاً برتبة لواء، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وكان - بحكم منبته الجغرافي - يتكلم مُوحياً لمحدثيه بمعرفته العميقة بأسرار الحقل والسلطة والعقيدة، فحين يذكر شيئاً عن قائد الرحبَّة العسكرية التي يتبع لها الحقل يقول مثلاً: "كنت البارحة بمكتب المعلم الكبير"، وحين يُخبر أحداً شيئاً عن قائد الحقل يقول مثلاً: "كنت وسيادة العقيد في مشوار مهم"، وإذا كان منتشياً بعد نجاحه بعقد صفقة ما، فتراه يقول: "كنت وأبو المجد في مشوار مهم".

وكان على الآخرين على الأقل في حضرته تصديقه، فتراهم يومئون له برؤوسهم إيجاباً.

**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج