الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفح الكيل وبلغ السيل الزُبى!

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2020 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرا خرجت حكومة مصطفى الكاظمي من عنق الزجاجة كبطة عرجاء وعبرت برلمان المنطقة الخضراء، وهذه المرة دون لمسة قاسم سليماني التي تعودوا عليها. فقد صوت أعضاء هذا البرلمان بأغلبية الحاضرين (255 نائبا من أصل 329) على منح الثقة للكاظمي و15 وزيرا في حكومته، في الوقت الذي لم يحظ خمسة مرشحين بثقة البرلمان، بينما لم يقدم الكاظمي أي مرشح لشغل حقيبتي النفط والخارجية.
بعد مسرحية التصويت هذه ، تعهد الكاظمي بالعمل على (( حفظ سيادة العراق وأمنه واستقراره وازدهاره، ومحاربة الفساد وإجراء انتخابات مبكرة نزيهة، وحصر السلاح بيد الدولة. وإعادة النازحين إلى ديارهم ومكافحة فيروس كورونا وتشريع قانون للموازنة العامة الذي وصفه بـ "الاستثنائي"، كما وتعهد بأن تكون حكومته "حكومة حلول لا حكومة أزمات". )). نقطة رأس السطر!
سهولة اطلاق هذه الوعود تكمن فقط عندما تُكتب لانها لا تتعدى كونها حبرا على ورق. ربما يوجد من يتوهم بان هذه الحكومة، تحمل العصا السحرية وتخرج سالمة وسط أمواج ما لبثت أن تتفاقم لانها جاءت "بمباركة" غالبية القوى "الفاعلة "على الساحة السياسية في العراق، محلية ، إقليمية وعالمية، وربما هناك من يتوهم بأن هذا التأييد للكاظمي هو بسبب عدم انتمائه لهذه المنظومة الفاسدة ! الا ان الجماهير في العراق باتت تدرك تمام الادراك بان هذه المسرحية وهذه الوعود ليست سوى أسطوانة مشروخة لطالما رددها من هم جاءوا قبل الكاظمي.

هناك في العراق معركة تدور رحاها منذ حوالي سبعة عشر عاما ألا وهي معركة نهب الثروة وتقاسم النفوذ، وهناك حزب عابر للطوائف والمذاهب والقوميات اسمه حزب الفساد ذلك الحزب الذي يضم كل الحيتان، بدأ من رأس السلطة وحتى ذيلها، كل من له سلطة داخل هذه المنظومة المحاصصاتية من شمال البلاد حتى اقصى جنوبها ومن شرقها حتى غربها، يعتبر عضوا في هذا الحزب الموجود بقوة وهو المتحكم بأمور البلد دون أن يكون له أي تواجد رسمي. نظرة بسيطة للوضع المالي للعراق طبقا لما أوردته الوكالات الرسمية توضح بأن الناتج المحلي الإجمالي للعراق سينخفض بنسبة 9,7 ٪ العام الحالي مما سيؤدي الى تتضاعف مخيف لمعدلات الفقر، بحسب توقعات البنك الدولي، وهو ما سيجعل ذلك أسوأ أداء سنوي للبلاد منذ الغزو الأمريكي عام 2003. بموجب احصائيات البنك المركزي العراقي فقط، هناك قروض تقدر بـ 23 مليار دولار بالإضافة الى القروض الداخلية التي تقدر بـ 40 ترليون دينار عراقي أضف الى ذلك 40 مليون دولار أخرى تعود لحقبة ما قبل عام 2003 ، ما عدى شروط صندوق النقد والبنك الدوليين لاقراض العراق والتي زادت و تزداد وطأتها على رقاب العمال والكادحين والمفقرين، هذا بالإضافة الى جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط وافلاس الخزينة والتي زادت من الطين بله!
أما الوضع السياسي فحدث ولا حرج ، فالصراع الأمريكي الإيراني على الساحة العراقية بات يشكل ازمة يصعب التعامل معها حتى وان مسك الكاظمي العصا من الوسط ، فقد أسست ايران لنفوذها في العراق عبر الميليشيات الموالية لها وهي تتلقى منها الأوامر، لذى فهي لا تخشى ما يدور على الساحة السياسية العراقية من تطورات وتغييرات كونها تدرك بانها قادرة على قلب الطاولة حين تستوجب الضرورة ، أما أمريكا فلها سلطة وسطوة تمارسها عبر عملاءها من أحزاب وجماعات وعبر تواجدها العسكري والسياسي في العراق ، وسط هذه الأجواء جاءت عودة الأنشطة العسكرية و الخلايا النائمة لتنظيم "الدولة الإسلامية" التي ما زالت تضرب عسكريا وتريد ان تثبت بانها باقية ضمن نطاق المعادلة. أما الميليشيات وسلاحها المنفلت الذي لا سلطان عليه، اصبحت تتحكم لا فقط بالأوضاع الداخلية للعراق فحسب، بل وحتى بالدولة ومؤسساتها الأمنية التي باتت رهينة بيد تلك الميليشيات، وها هي تصرخ وتنادي بملء فمها : مسدسي هو الحكم !
أما الطرف الأهم والاقدر والاقوى على الساحة السياسية في العراق، أي جماهير العمال والكادحين والمفقرين والعاطلين عن العمل من شابات وشباب ومعهم كل أحرار العراق والعالم، الذين انطلقوا في الأول من أكتوبر عام 2019 في انتفاضة ثورية هزت عروش السلطة الطائفية القومية وزعزعت كيانها ودفعت بحكومة عادل عبدالمهدي الى الاستقالة وجعلت هذه السلطة تتخبط في كيفية مواجهة أزماتها الخانقة وفي مقدمتها هذه الانتفاضة الباسلة التي حاولت افشالها بكل الوسائل القمعية ولم تتمكن، كل ذلك دفع بها الى القبول برجل المخابرات رئيسا لحكومتها على أمل أن تتمكن قوى الثورة المضادة بقيادة هذا الأخير وبمساعدة بعض القوى الاصلاحية الانتهازية المتمثله بمجموعات هنا وهناك تحاول اقناع البعض بالاصلاحات الشكلية والدخول في العملية السياسية الحالية من خلال المشاركة في الانتخابات المقبلة المزعومة، وكذلك حضور الصدريين الذي يحاولون تشتيت وتفريق الانتفاضة من خلال دعوتهم لاعطاء مهلة لحكومة الكاظمي.
ان هدف هذه الحكومة الأول وقبل كل شيء هواحتواء الانتفاضة والقضاء عليها عبر طريق الالتفاف على كل المطالب التي نادت بها الجماهير وقدمت لاجلها مئات الضحايا وآلاف الجرحى والمفقودين والمعتقلين وفي مقدمة تلك الاهداف اسقاط كل هذه المنظومة السياسية.
ان فجوة الثقة بين هذه الجماهير وبين السلطة تزداد عمقا واتساعا يوما بعد يوم، تلك الجماهير التي عبرت عن موقفها منذ اليوم الأول من ترشيح الكاظمي وقالت كلمتها بالرفض لهذه السلطة الإسلامية والقومية و لكل من يأتي من داخلها ، واذا كانت قبضة الجماهير المنتفضة على رقاب هذه السلطة قد خفت شدتها، شيئا ما، نظرا للظروف الصحية التي جاءت بها جائحة كورونا ، فانه وحالما يتم احتواء هذا الوباء ، ستعود الثورة وبزخم أكبر وأقوى منتظرةً اللحظة المناسبة لإعادة إطلاق شرارتها، وان المنتفضين ومعهم جماهير العراق الذين طفح بهم الكيل، سوف لن يهدأ لهم بال الا بعد اسقاط كل هذه المنظومة وبكل أطرافها وتوابعها ليبنوا على اثرها دولة توفر الحرية والمساواة والأمان والعيش الرغيد للجميع على حد سواء عبر مجالس جماهيرية ثورة منتخبة تدير دفة الحكم وصولا الى الهدف المنشود ألا وهو بناء المجتمع الاشتراكي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي