الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2

دلور ميقري

2020 / 5 / 22
الادب والفن


منزل السيدة عايدة، كان على شيء من الفخامة وبغض الطرف عن قدمه وعدم ترميمه. الدور الثاني من المنزل، أجّرته لطلبة أغراب يدرسون في ثانوية التجهيز. وكان الدور الأرضيّ يكفيها وابنتها الوحيدة، بغرفه الثلاث مع صالون فسيح ذاخر بالتحف والأثاث الدمشقي الجميل. كونها عاشت مذ صغرها مع زوج يكبرها عمراً، دأبت على الشعور بالحذر تجاه الشبان؛ ومنهم بالطبع أولئك الطلبة، الذين استأجروا لديها. لكن قلبها انفتحَ لسائق السيارة، بمجرد أن عرفت أنه ابن صديق زوجها القديم. آنذاك، كانت في منتصف الحلقة الثالثة من عُمرها بينما هوَ لما يبلغ بعدُ أعوامه العشرين. أما ابنتها، ( مليحة )، فإنها كانت تصغر الشاب بخمس سنين على الأقل. أي أن أنوثتها، بحَسَب معايير ذلك الزمن، تجعلها في سن الزواج.
" لن أدعكِ تكررين مأساة أمك، فتقعين وأنت صبية بين براثن رجل في سن والدك "، كذلك قالت لها الأم أكثر من مرة وهيَ تتأمل بإعجاب جمالها المتفتح كما وردة جوري في حديقة المنزل. مليحة، كانت إذاك تضحك من التعريض الصريح بسيرة الأب الراحل، لكنها لا تعلق بشيء. كون هذا الأخير توفي وهي صغيرة، عاشت متعلقة بشدة بوالدتها، ودأبت على النظر إليها كأجمل امرأة في العالم. من ناحية أخرى، كانت على عكس الأم، الخوّافة من الشبان؛ مثلما كانت تظهره من ردة فعل، تجاه الطلبة المستأجرين. فما أن تلمح أحدهم يتلصص على صحن الدار خِلَل نافذة حجرته، إلا وترمقه بصرامة بحيث يضطر للتواري. لعبة القط والفأر هذه، كانت تثير ضحك الأم. بيد أن هذه، في المقابل، كان يملأها سعادةً أن تجد فتيان يصغرنها كثيراً وهم مفتونون بها.

***
في يوم جمعة من مبتدأ الصيف، كانت الفتاة مستلقية في سريرها وهيَ بملابس الخروج. كان يوماً كبقية الأيام، طالما أنها ليست طالبة ولا تعمل شيئاً آخر. زهدت مليحة بالدراسة منذ المرحلة الابتدائية، ولم تنفع أيضاً في مجال تعلم الخياطة. اقتنعت برأي الوالدة، أن الجميلات حظهن كبير في زواج مناسب دونَ الحاجة لإتقان شيء غير شؤون المطبخ وتدبير المنزل. لا غرو إذاً أن يحط تفكيرها عندئذٍ على صاحب السيارة الأنيقة، وكان من المفترض أن يأخذهما إلى الربوة لقضاء النهار هناك. لم تقف تقريباً عند تبرير الأم، بأن الشاب صالح هوَ ابن أعز أصدقاء الوالد الراحل، وفي التالي، كانت تتعامل معه كما لو كان قريبها: في حقيقة الحال، أنها في أعماقها كانت تميل إليه، بل وتعتقد أنه لا يقدم خدماته لوالدتها في كل مرة إلا من أجلها هيَ.
كذلك كان حالها، لما ميّزت خِلَل النافذة صوتَ سيارة الشاب في خضم الضجة، المنبعثة من الخارج. كان المنزل يطل على أحد تفرعات سوق الجمعة، الذاخر بالمحلات التجارية من كل نوع. وعادةً ما كان البائعون الشبان يُسمعونها غزلاً موارباً، فلا يفعل ذلك إلا إثارة أعصابها: " لا يوجد حولي سوى باعة تافهون أو طلبة أغرار! "، كانت تخاطب داخلها وهيَ تحدج المعنيَّ في ازدراء. لكن صوت محرك السيارة أخرجها من غمامة أفكارها، فهبت واقفة لتندفع باتجاه الصالون كي تبلغ أمها بوصول " القريب " العتيد.

***
عامان على الأثر، عندما تورطت الدولة العثمانية في الحرب العظمى، تغيّرَ الحالُ بشكل جذريّ لدى معظم سكان الشام إن كانوا فقراء أو أغنياء. في العام الأول، كانت سيرة الغلاء تطغى على كل ما عداها، لكن لم يصل الأمرُ بعد إلى حالة المجاعة العامة. آنذاك، اعتاد صالح على مد عايدة بما تحتاجه من المؤن الضرورية بعدما كاد سوق الجمعة أن يكون خاوياً منها. مع مرور الأيام، أضحى الخبز نادر الوجود بسبب احتكار الدولة للطحين من أجل جيوشها وجيوش حلفائها على جبهات الحرب. مستفيداً من سيارته، كان الشابُ يأتي في كل مرة مع كيس صغير من الطحين مع علمه بان انكشاف أمره سيعرضه للمحكمة العسكرية العرفية. الثقة فيه من جانب قريبه زعيم الحي، الحاج حسن، كان يستغلها لأجل تأمين بعض الضروريات من مخزن المؤن، التابع لمجلس الحي والموجود في منزل الحاج: " إنها لامرأة مسكينة، لديها ابنة يتيمة، سبقَ أن أوصاني المرحوم والدي بهما! "، كذلك كان يقول في كل مرة.
مع حلول الشتاء الأول للحرب، نفدت أيضاً كل أنواع مواد التدفئة وصار من النادر أن ترى مدخنة ينبعث منها الدخان في الدور الدمشقية. هنا أيضاً، كان صالح يثبت مهارته في الوصول إلى مَن يبيع الحطب وجلّه مقتطع سراً من أشجار الغوطة بشكل مخالف للقانون. لولا أن دوريات الجندرمة على رأسها غالباً ضباط من بني جلدته، لكان قد وقع حتماً في مأزق خطير لا منجاة منه في ظل الحكم العُرفيّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل