الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبي...الميت الحي

علي أحماد

2020 / 5 / 22
الادب والفن


سمعت طرقا شديدا على باب منزلي الحديدي في وقت متأخر من الليل . فتحت الباب وفي نيتي أن أنهال على الطارق سبا وشتما ، ولكن ما ان وقع بصري عليه حتى كظمت الغيظ وسكنت فورة الغضب التي اجتاحتني واختلطت المشاعر التي انتابتني اللحظة . اهتزت أحشائي وقفز فلبي الى الحلقوم . لم اكن أتوقع حضوره وإن كان لا يبخل علي أبدا بزيارة رغم كبر سنه . فرحت لرؤيته لأن الشوق إليه ظل جذوة في القلب لا يخمد لهيبها سوى السلوان. لا يخيفني تواجده أمامي حيا لأنه سيبقى رغم الغياب الأبدي الأب الرؤوم ولن يصيبني منه أذى أو مكروه . أبقيت على مسافة بيني وبينه تمنحني فرصة سانحة للهروب. يرتدي جلبابا أبيض ناصعا ويضع على راسه عمامة صفراء فاقع لونها . تساءلت لماذا يظهر لنا شبح الموتى دائما في لون أبيض يميز الكفن واللباس حداد الأرملة والطائفين بالكعبة ؟
لا تظهر عليه البتة علامات من يخرج من القبر كما في أفلام المشاة الموتى الزومبي ولا تميزه تشوهات منفرة ومخيفة . أثار انتباهي أنه لا يضع نظارات طبية على عينيه وهو الذي اعتاد أن يستعمل نظارة سوداء فوق الطبية وهو ما يثير استغراب من يصادفهم على طريقه. نسيت أننا ندفن موتانا بدون نظارات ولا أطقم الأسنان وأن الكفن لا جيوب له . بدا لي جميل الطلعة يشع منه نور أخفى تجاعيد الوجه والشيب الذي يخالط شعر الراس والشارب . انتبهت أن احدى عينيه مغلقة الجفون وضامرة . الشارع خال من المارة تجوبه كلاب ضالة تبحث عن الطعام في القمامة مما فضل عن السكان . يلف المكان هدوء وصمت القبور وتهب عليه نسائم باردة تميز ساعات صباحات الصيف الأولى قبل الفجر في المناطق الجبلية . رجوته أن يدخل ليرتاح من مشوار متعب ، لكنه رفض ، وهذا ما كنت ارجوه في قرارة النفس . قال لي بلسان امازيغي تفضحه لكنة أيت حديدو وقد لزم مكان وقوفه لم يتزحزح عنه قيد أنملة :
جئت لأمر وجب أن أقضيه .
تسمرت في مكاني وجسمي ينز عرقا باردا من قشعريرة أصابته ولم أنبس ببنت شفة كمن ابتلع لسانه . تابع كلامه :
أريدك أن تصحبني ، فهيا تهيأ
أجبته متوسلا بكلام خافت كالهمس
أنت تعلم أن أبنائي لازالوا في أمس الحاجة إلي ، ولو كان بيدي لرافقتك مطمئن البال، امهلني قليلا فلازلت متشبثا بالحياة .
سألته عن الدراجة الهوائي التي لا يفارقها . أجابني متسائلا :
ألم تسمع أمك عندما سألتها عنها وأنا أحتضر أنها معلقة على حائط بحوش الدار.
تركني متكئا على عتبة الباب المشرع على مصراعيه وتحرك موليا ظهره الي واختفى في لمح البصر كفص ملح أذابه الماء الساخن ولم يعد له أثر . حمدت الله أن أحدا من أهل الدار لم يسمع حوارنا ولم يلتفت لغيابي .
صفقت الباب، ولم أعد أتذكر كيف صعدت الأدراج الإسمنتية واندسست تحت الفراش أرتجف من هول الموقف كطير وقع في الشرك . غطيت رأسي بالملاءة كطفل يخشى الظلام . أفقت من النوم مذعورا وارتحت من كابوس جثم على صدري ودعوت له بالمغفرة والرحمة ومسحت عن خدودي دموعا حارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د


.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل




.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام