الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم أمام الإنهيار الكبير أم مجرد كبوة فرس ؟!

محمد بلمزيان

2020 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن الإنسان ينتابه احيانا إحساس بالضياع العام والتيهان في هذا العالم المتسم بسيادة الفوضى والغموض في كل شيء، في ظل استئساد القوى الكبرى بقرارات والعمل على فرضها على الآخرين بمثابة قوانين تلزم بها باقي سكان الأرض وهي لا تكلف نفسها عناء تنفيذها، وهي قرارات تتخذ أثناء منتديات دولية أو محافل أممية ،و كأن تلك القوى بتزعمها باستصدار تلك القرارات تعتبر نفسها حكيمة وعادلة في حق شعوب الأرض كذا ، وهي تعتقد كذلك وتستنفر جل أذنابها وأجهزتها المختلفة والنافدة بأنها هي الوصية عليها في ظل عدم توازن المؤهلات التي تبقى صارخة في العديد من المستويات والمجالات، وفي ظل تبعية أغلب المجتمعات لاقتصادياتها الهشة لاقتصاد القوى الرأسمالية المتوحشة التي تبحث بلا كلل ولا ملل لترويج سلعها المادية والثقافية وأسواق جديدة في أجواء الصراع على الهيمنة من خلال سياسة القروض الممنوحة لها من طرف مؤسساتها المالية التي تأتمر بقرارات الدول المتحكمة والمسيطرة على اقتصاد العالم اليوم من خلا ل العملة أو اللغة وغيرها من أوجه السيطرة الظاهرة والمستترة، والتي تقتصر حاليا على الدولار الأمريكي واللغة الإنجليزية في وقت يتم الحديث فيه عن الصعود المرتقب والوشيك لليوان الصيني واللغة الصاعدة بالموازاة مع الإنتعاش الملفت لاقتصاد الصين. كيف لا يسود ويعم الغموض والصيحات لا تكاد تنتهي وتجلجل الأسماع في كل القنوات ووسائل الميديا المختلفة في كل الأصقاع، بعضها يشي بأن العالم مقبل على ( الإنهيار الكبير ) على شاكلة ما أوحى اليه أحد الوزراء الفرنسيين الأسبق في البيئة ( ايف كوشيه ) توقع نهاية العالم في ثنايا كتابه الصادر مؤخرا تحت عنوان ( devant l effondrement ) ( أمام الإنهيار) سنة 2019، وهو الوزير الذي اعتزل السياسة كليا وأصبح يعيش في البادية بمعية أسرته بمنطقة بروتان بفرنسا منذ 14 عاما وهو ينتظر في كل وقت وحين حدوث الإنهيار الذي تحدث عنه في كتابه المثير للجدل بشكل يستشف المرء من خلال كلامه بأنه واثق من ما يقول ويتكلم انطلاقات من فرضيات واقعية تجعله ينبيء بوقوع هذا الإنهيار المفاجيء للعالم وللحضارة الإنسانية برمتها ،مع العلم بأن هذا المسؤول الفرنسي الأسبق للبيئة أصبحت توقعاته لاتخصه هو فقط بل أن هناك مجموعة من العلماء الذين أصبحوا يؤمنون بنظرية الإنهيار الكبير ويقاسمونه نفس الراي والتصور حول اقتراب نهاية العالم، معتمدين في تصوراتهم بالأساس على جملة من المرتكزات التي تهم مجال اختلال البيئة وتخريب الطبيعة، وما ينتج عنه من اختلال مناخي وخلل في التنوع الطبيعي وتفاوت اجتماعي صارخ، وهي مرتكزات تبقى صلبة ووجيهة في ظل استغلال الإنسان البشع للطبيعة ولخيراتها البحرية والغابوية واستباحة الفضاءات بشكل عشوائي يستهدف تحقيق الربح والمتعة. والسؤال الآن في ظل هذه التوقعات المخيفة والمرعبة التي تتربص بالبشر حسب توقعات هؤلاء بغض الطرف عن مبالغة البعض أو تشاؤم البعض الآخر، فهي تساؤلات تطرح معضلات عويصة فعلا لا أحد هنا والآن في العالم أن يتنكر لها أوقادر على وقف هذا التخريب البيئي الذي تواصل بشكل منهجي ومند عقود مديدة في الزمن والجغرافية بل منذ أن استطاع الإنسان تطويع الطبيعة وخيراتها السطحية والباطنية وإخضاعها لتلبية حاجاته المتزايدة وهو التخريب الذي تفاقم بشكل متنامي مع مر التاريخ، دون أن يعمل المجتمع الدولي بجد على ايقاف هذا النزيف قبل فوات الآوان، خاصة وأن البعض يرى بأن بروز وباء فيروس كورونا Coronavirus ) هو بداية لهذا الإنهيار الكبير وهو يشكل حلقة مفصلية في إطار تفكيك العالم و بداية تساقط قطع الدومينو وبالتالي نهاية الحضارة الإنسانية على شاكلة نهاية التاريخ لفوكوياما ونهاية الإنسان وغيرها ، فهل تصمد هذه ( النظريات ) التوقعات أم أنها مجرد تخمينات وتكهنات وأضغاث أحلام تعتمد بشكل مفرط على بعض التقارير لبناء قناعات قريبة من خطاب الياس والتشاؤم والذي قد يكون نتاج تأثير بسيكولوجي غير سوي نابع عن صدامات اجتماعية نفسية أو مقاربة أحادية الطرح تميل نحو ترجيح كفة بعض النزوعات الى تصديق بعض الإستنتاجات بكيفية سهلة، مقابل هذا تتهاوى هذه التوقعات أمام قراءات مناقضة التي تعتبر الأزمة الحالية هي أزمة عابرة تهم طبيعة النظام الرأسمالي والذي أصبح ينتج أزماته في كل مرحلة بعدما استنفذ قدراته واصبح نظاما منتج للكوارث البشرية والطبيعية، وبالتالي فإن الحضارة الإنسانية ماضية في ترتيب حلقاتها بشكل يجعلها تخرج من أزماتها بصيغة من الصيغ كما وقع خلال الأزمات الإقتصادية كأزمة الكساد العظيم سنة 1929 على سبيل المثال لا الحصر، بدءا من الأزمة التي بدأت تعصف بالنظام الصحي في العالم وما أبان عنه من هشاشته حتى في عقر الدول المتنمرة والتي تدعي امتلاك الأسلحة المتطورة، في حين أن منظوماتها الصحية ضعيفة لا تستجيب للحاجيات المطلوبة والمتزايدة وبرامجها التعليمية هزيلة ، ومرورا بالأزمة الإقتصادية والمالية والركود الكاسح والشامل الذي بدأت تداعياته تظهر بما لايدع مجالا للشك لدى الكثيرين بأن هذا الوباء قد عرى عورة العالم وكشف حقائق صادمة لم تكن في متناول العامة، وكشف بأن العالم يعيش على شفى هاوية وقاب قوسين أو أدنى من هذا الإنهيار الكبير الذي توقعه المهندسون والخبراء والدارسون من مختلف الجنسيات والتيارات. يبقى هذا السؤال محيرا ومجلجلا وصادحا في الآفاق حقا يبتغي الجواب الشافي في هذا الزمن الذي يشهد انحدارا متزايدا في القيم الإنسانية النبيلة مقابل صعود أصوات الشعبوية والعنصرية وتعاظم خطابات الظلامية المتطرفة، خاصة وأن الحضارة الإنسانية التي شيدها الإنسان طوال قرون وقرون لم تكن إلا بفضل جهود الحكماء والعقول الذكية المناصرة لقوى الخير في المجتمعات البشرية في مختلف العصور والأزمنة، والتي التقطت عصارتها الشعوب من أجل بناء الحضارة التي أصبح يستمتع بها الكائن البشري الآن، بعدما طوع الطبيعة لنفسه وانتقل الى تخريبها لاحقا لمر اكمة الثروة دون التفكير في عواقب هذا الإستغلال الفاحش للثروات الطبيعية ودون الإنتباه للسلوكات الضارة بالبيئة والتوازن الطبيعي، فهل هذا التردي العام ناتج عن تجاهل غير معروف للآثار المترتبة والتي أصبح العالم يجني أولى ثمراته المسمومة الآن أم تواطؤ مكشوف من قبل الشركات الكبرى العاملة في مختلف حقول الصناعات المختلفة ومخلفاتها المدمرة للأرض والهواء على حد سواء، وأضحت تلك الإتفاقيات المتعلقة بالبيئة منها اتفاقية كيوطو عام 2009 والتي عرفت توقيع ما مجموعه 183 دولة وقبلها قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992 حول التنمية المستدامة، واتفاقية بارس سنة 2015 والتي توجت بتوقيع 194 دولة حول المناخ. فهل كل هذه المقررات هي قرارات ملزمة للجميع يجب تفعيلها على الأرض باعتبارها خلاصات جماعية توجت مؤتمرات دولية وهي حصيلة استجماع لآراء مختلفة وقد تبدو متباعدة من حيث الإستفادة والتأثير، لكنها تشكل حدا أدنى من قوانين وقرارات إلزامية كان من المفروض على المنتظم الدولي أن يفعل توصياتها على الأرض من خلال امتلاك سلطة المراقبة والمتابعة على مستوى الخروقات المسجلة في مجال المساس بالبيئة في مختلف تجلياتها المتنوعة، أم أنها ( التوصيات ) هي مجرد قرارات إنشائية وكتابات عابرة سرعان ما يتم نسيانها بمجرد انتهاء جلسات المؤتمر، بل ويتم انتهاك قراراتها من قبل تلك الدول التي تكون هي المحتضنة والداعية الى تكريس هذه المنتديات الدولية التي تكتسي طابعا على قدر كبير من الحساسية خاصة في الظرفية الحالية، والتي أصبحت جل الدراسات تؤكد وتشير بأن ثمة اختلال فظيع في مجال الإحتباس الحراري والتغير المناخي ، وهذا ما يتجلى بالأساس في ظواهر طبيعية مدمرة مثل الحرائق المهولة والفيضانات المفاجئة الجارفة وارتفاع حرارة الأرض بشكل متزايد وبنسب مائوية ملحوظة، كلها إشارات قوية على أن الكوكب الأرضي ليس على ما يرام، وهناك اختلال كبير في التوازن البيئي من قبيل اندثار بعض الطيور والنحل والعوالق حسب دراسات علمية متخصصة في المجال، كل هذا يلقي باللائمة على مسلكيات النظام الرأسمالي وآلته المخربة للطبيعة والمجال بلا رحمة ولا شفقة، ودون الإكتراث بأن الثروة الطبيعية الموجودة هي حق أيضا للأجيال القادمة من أن تنعم بخيراتها وسلامتها بكل طمأنينة ، وهذا ما يجب أن ينتبه اليه المجتمع الدولي بكافة مكوناته من خلال تدارك الوقت الضائع لبعث الأمل في الكوكب الأرضي وتوقيف عجلة الجشع للآلة الإستغلالية للنظام الرأسمالي المبني على معادلة جني الأرباح ولو على ظهور بروز الأمراض وسقوط الأرواح، واتخاذ التوصيات الموقعة خلال المنتديات والمحافل الدولية والإقليمية دساتير للعمل يجب احترامها وتطبيقها على الأرض انقاذا للطبيعة والبشر من هذه الآلام المتنامية التي أصبحت المجتمعات البشرية تجني ثمار تلك الإختلالات التي ارتكبت في مجال البيئة في تجلياتها المتنوعة ، مقابل جني الرأسمال لثروات هائلة من خلال تخريب باطن الأرض واستنزافه خيراتها ، وتدمير البحار والمحيطات وتلويث الهواء والغلاف الجوي الخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال