الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الإنسانية بديل الشيوعيين عن الهويات القومية والطائفية اللا إنسانية الزائفة

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 6 / 19
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


من بدع الحداثة و عصر العولمة تأتي القومية والطائفية بعد أفول الهوية الدينية . هذه المقولة الزائفة تستخدمها البرجوازية أفيونا لتعمية البشر الذين تستغلهم وتضطهدهم عن تبين السبل الواقعية والثورية التي تؤدي إلى تحررهم.
إن القومية و الطائفية هوية رجعية ولا إنسانية مفروضة على اناس لا ناقة لهم فيها ولا جمل . وإن ما يسمى بالمميزات أو الخصائص القومية واللغوية ليس له أي أساس علمي، ولا يستجيب لأبسط حاجات الإنسان ، و ليس ثمة في جينات الإنسان ما يدل على وجود اختلاف بين إنسان وإنسان، لكي يزعم جماعة ما تفوقهم على الآخرين ، وبالتالي إيجاد مبررات لاستغلال الغير واستثمارهم.
إن من يدعون بأنهم خير الناس ، وأن لغتهم أجمل من اللغات الأخرى ، وأن مائدتهم أطيب وألذ ّ من مائدة غيرهم ، فليحجزوا لأنفسهم مكانا في مزبلة التاريخ لأنهم عنصريون أبشع من النازيين الذين يتباهون بلون بشرتهم الأبيض ، والذين أعطوا لأنفسهم الحق في إبادة من يختلف عنهم في اللون والدين .
فالإنسان أحوج ما يكون إلى أن يعيش مع البشر جماعات تربطه معهم وشائج الإخاء والتضامن ، والنضال المشترك في سبيل غد أفضل لهم والأجيال القادمة.
فالأوضاع المأساوية في العراق ليست نتاج الاحتلال الأمريكي فحسب، بل هي أيضا نتيجة لسيطرة الحركات القومية والطائفية ، وسيادة الفكر القومي و الطائفي والمذهبي . فالمواطن يمكنه تجنب المحتلين والتخلص من شرهم ، لكن لا يمكنه التخلص ممن يريد قتله بعد السؤال عن اسمه ، أو طائفته المزعومة ، أو هويته الزائفة التي فرضتها عليه العولمة و ما بعد الحداثة.
التاريخ البعيد والقريب يؤكد أن بغداد و أكثر الحواضر في العراق كانت أهاليها من مختلف الملل والنحل يعيشون في وئام و سلام و إخاء ، يتقاسمون الخير والشر بدون أن تلعب اللغة التي يحكونها ، أو مذاهبهم ، أو أشكالهم أي دور في حياتهم.

إن القومية سلاح فتاك بيد البرجوازية في مواجهة الهوية الإنسانية للبشر، وبث الفرقة والشقاق بينهم، وتضليلهم عن سبل الكفاح الشريف والعادل في سبيل تحقيق أهدافهم النبيلة. فالمساواة في الحقوق والواجبات للمواطن وحرياته هي الأسس التي تستند عليها هويتهم الإنسانية ، لا الانتساب إلى هذه القومية أو تلك الطائفة أو المذهب، أو التكلم بهذه اللغة أو اللهجة ، أو اشتهاء هذه الأكلة أو غيرها.
الشيوعيون لهم بديلهم ، ألا هو الهوية الإنسانية التي تصون المجتمع من التمزق والفرقة والشقاق. لا يمكن للطبقة العاملة والكادحين والفلاحين و العقلاء الشرفاء في مجتمعنا العراقي أن تغرر بهم القومية والطائفية أو أن يتباهوا بالانتساب إلى هذا العنصر أو الجنس ، فهؤلاء تكمن مصلحتهم في التضامن الأممي والإخاء والعمل على ما يؤدي إلى التقدم والرفاه وخير الجميع.
ومن البديهي أن المجتمعات الطبقية تسود فيها علاقات أنواع من الاستغلال والاضطهاد ، منها اضطهاد المرأة ، واستغلال الأطفال ، وانتهاك حقوق الإنسان ، وكذلك الاضطهاد القومي والطائفي. ولا يزول الاضطهاد القومي بإقامة أو إبراز قوميات وإحياء طوائف وأقوام إضافية، بل يتم ذلك بقلع جذور الاستغلال ، وبترسيخ أسس العدل والمساواة في المجتمع.

فالإنسان المستغَل والمضطهَد لا يخفف من معاناته أن يكون من يستغله من طائفته أو قومه ، أو يتكلم بلغته ، أو له نفس لون بشرته. وقد بينت السنوات الأخيرة مدى بشاعة القومية والطائفية في العراق وقوتها التخريبية في العقل والنفس والجسد.
ولن تنطلي على الشيوعيين و الاشتراكيين والعمال والكادحين حبائل القوميين و شعاراتهم المقززة، ومزاعمهم الدنيئة من قبيل " السيادة الوطنية" والفدرالية" ، وصيانة "القيم القومية الأصيلة " من هجمات "الغرب والغرباء" . فسياسة البرجوازية تحت كل المسميات لا تحوز على أية قيم إنسانية شريفة في عصرنا، و لا تأخذ في الاعتبار حقوق المواطن وحرياته، بل هي ليست إلا أرضا خصبة للتناحرات القومية والطائفية ، و إقامة المزيد من المقابر الجماعية ، و إطالة آماد المآسي والمصائب التي نزلت على أهل العراق.
فالبرجوازية بمختلف ألوانها، ومن يسارها و يمينها حين يتشدقون " بوحدة الشعب والوطن" ، و " قدسية الأرض" يهيؤون في الحقيقة أسباب الحروب الداخلية ، يخلقون عوامل أساسية لتمزيق الجماهير ، و أرضية لعدم إمكانية التعايش الأخوي بين أبناء الشعب الواحد.
إن محاولات البعض خلق أقوام وطوائف إضافية لا تعني وجود اضطهاد قومي أو طائفي، بل أن هذه المساعي هي لتبرير انعزال جماعة ما عن البقية ، و خلق أوهام بوجود مميزات تميزهم عن الآخرين ، وبالتالي تبؤ حفنة منهم حق تمثيلهم في المحافل الرسمية أو غيرها، فالهويات القومية ليست مسألة موضوعية خارج إرادة البشر، بل هي إرادة سياسيين في خلق مصائب و القفز على رؤوس الجماهير ، وهي من نتاجات أعمال القوميين و حركاتهم. و حركات القوميين والطائفيين خالية من أية أهداف تخص حقوق المواطنين وحقوقهم. فالحركات المطالبة بحقوق المرأة، والعمال والكادحين ، و تحسين الوضع الصحي و التعليم لا تروق للإمبريالية الأمريكية لأنها تتناقض مع مصالحها وأهدافها في الهيمنة على العالم.
إن من مهام الشيوعيين الوقوف بحزم بوجه محاولات اختلاق مسائل قومية إضافية . ومن مهامهم أيضا فضح انحراف اليسار الذي يرى في الاعتراف بالوجود الموضوعي للطوائف والأقوام المختلفة في العراق سبيلا لحل المسألة القومية. فهذا اليسار ، وبالتحديد الحزب الشيوعي العراقي، شريك في خلق هذه الهويات الزائفة التي يتذابح في التباهي بها بعض الناس ، وتؤدي إلى شق صف الطبقة العاملة العراقية والكادحين، وبالتالي تظهر الإمبريالية الأمريكية عراب العولمة والنظام العالمي الجديد نفسها تلعب دور ملاك الرحمة زاعمة أنها تسعى في سبيل استتباب الأمن والسلام في المجتمعات المتناحرة.
فالشيوعيون ليس أمامهم إلا أن يرسموا أكبر " لا" للخرافات القومية والطائفية.
17-06-2006
مالمو -السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس