الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتأمرون على عروبة العراق وهويته الاسلامية

علي بداي

2006 / 6 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لو تفحصنا ملخص التاريخ العربي الرسمي بخصوص العراق في العصر الحديث، مثلا مناهج التاريخ المدرسية في البلدان العربية، الاعلام العربي الرسمي الحالي، مواقف الحكومات، برامج بعض الاحزاب العراقية لوجدنا الكثير يشترك بتعريف العراق على انه "بلد عربي اسلامي"، وان هناك من "يتأمر" على "عروبة" هذا البلد و"هويته الاسلامية". " المتأمرون" التقليديون في فترة الستينات وما تلاها حسب هذه النظرية هم "الاكراد واليساريون" والمدافعون عن هذه الهوية العربية والاسلامية هم "القومانيون والاسلامويون".
ولو تفحصنا الاسانيد التي تتعكز عليها الحركات المسلحة في العراق الان، بعد ان بات واضحا ان عملياتها تستهدف العراقيين اولا واخيرا، لاجابنا المروجون لهذه العمليات بان هدفهم هو الدفاع عن هذه الهوية العربية والاسلامية المهددة هذه المرة من الاكراد والشيعة ، وذات المسوغ يسوقه الطائفيون الحاكمون سنة وشيعة في هجومهم الضاري على كل ما تبقى من اسس الحياة المدنية في العراق.
ولو حاولنا مقاربة الموضوع ببعده الاجتماعي فللجميع الان حق التساؤل ان كان قد وجد في العراق ، عبر تأريخه من أساء للقران وللدين الاسلامي ؟ هل بدرت من أخواننا الكلدانيين او الاشوريين او المندائيين او الارمن او السريان في وقت ما ، في زمن ما طوال عيشنا المشترك بوادي الرافدين نزعة العداء للقرأن وللدين الاسلامي؟
اما سياسيا، فحتى في فورة الصراع بين التيارات الاسلامية والاقطاع والقومانيين من جهة واليسار العراقي وعبد الكريم قاسم من جهة اخرى، لم تكن الاشاعات عن عداء اليسار للدين، وتمزيق نسخ القرأن من قبل انصار عبد الكريم قاسم سوى مستوى منحط من مستويات الحرب غير النظيفة التي خاضها الرجعيون ضد التقدم بكل اشكاله كشفها بعد فوات الاوان حسن العلوي احد اقطاب البعث في الستينات ، مثلما اقر اخيرا بان موقف اليسارالعراقي من الوحدة العربية الفورية والكونفدرالية العربية كان هو الاصح والاكثر واقعية.
ربما كانت هذه المقدمة لازمة جدا للتعرف على مبعث القلق لدى سياسيي العراق الجديد الحاكمين منهم وغير الحاكمين على العروبة والاسلام او بصريح العبارة التنبيه للمتاهة التي يحاول طائفيو الشيعة والسنة ادخال العراق لجتها من جديد ، وربما كانت ايضا ضرورية لدق ناقوس الخطر بهدوء، للتنبيه وليس لأثارة الفزع ، بغرض تجنب تكرار ماحصل وليس للتهيئة لتكرار ماحصل ، فالعراق لايتحمل مراحل قادمة يتحول خلالها حليف المرحلة الراهنة الى عدو مستقبلي، وتأريخ العراق المكتوب بالدم ، "الذي سرعان ماستكتشف احزابنا السياسية في مراجعاتها لاحقا انه لم يكن ضروريا"، آن له ان يجفف ليكتب من جديد بمداد واضح للجميع، ومقروء من قبل الجميع ولايثير حساسية احد.
ولكي نثق بان تاريخنا سيكتب بشئ اخر غير الدم، يتوجب اولا ان نعرف ما نتداوله من مصطلحات، لان جل كوارثنا بدأت أول مابدأت بهذه المصطلحات- الشعارات، التي طورت لاحقا الى قذائف وفتاوى ابادة واسلحة كيمياوية.

رأى جميعنا كيف ظهرالسيد المشهداني والسيد المطلك والسيد الجعفري مرات ومرات يتغنون بتعددية المجتمع العراقي القومية والدينية، وشبهوها بباقة الورد ثم رأينا كل منهم يقاتل فيما بعد من اجل عروبة العراق!وعروبته فقط وهويته الاسلامية والاسلامية فقط! فاين ذهبت بقية الورود في هذه الباقة؟ لماذا لايفوح منها سوى عطرها العربي والاسلامي ؟ ام ترانا عدنا الى تعريف فلاح عسكر شاعر الحربيات البعثية : الشعب شدة ورد والريحة بعثية!
فهل هو عطر عربي واسلامي ام رائحة "شعواط" لطبخة شوفينية استبدادية؟
كيف اذن تعبر "عروبة العراق " عن عراق يضم العربي وغير العربي؟ هل سنصهر المختلف قوميا؟ ام ندخله قوميتنا باعتباره عربيا حتى وان لم ينتم كما كانت فلسفة البعث مع غير البعثيين؟ كيف تتطابق " اسلمة المجتمع" والتشبث بالدين الاسلامي واقحامه في كل الامور الصغيرة مع مقولة التعددية الدينية؟
ان تكرار مقولة "عروبة العراق" وتجاهل من يسكن هذا العراق من غير العرب، وكانهم عرب بالنتيجة، يعني عمليا وضعهم خارج القوس ، والتكرار المزيف لشعارات احترام حقوق الاديان وبلد المواطنة والتعامل بذات الوقت مع القران الكريم وكانه كتاب الشعب كله الملزم، والشعائر الحسينية وكأنها الناظم الوحيد والقاسم المشترك لحياة المجتمع يعني عمليا وضع غير المسلمين خارج قوس بل وقتل الانتماء العراقي في نفوسهم وفي نفوس ملايين المسلمين الاخرين الى الابد.

يبدو اننا بحاجةدائمة الى للتذكير بانجازات الجيل السابق من سياسيي الدفاع عن الهوية العربية والاسلامية ، حيث يتحفنا التاريخ من جانبه بعرض تراجيكوميدي جدير بالتمعن للحصيلة التأريخية لصراع القطبين العروبوي الاسلاموي من جهة ونقيضه اليساري / الكردي العراقي.
فلو قارنا بين ماالحقه القومانيون من المدافعين عن " عروبة العراق" ووحدته من اضرار بالعراق وبفكرة العروبة اصلامن جهة وبين الحركة الكردية في العراق "المتهم الاول بتمزيق وحدة العراق" من جهة اخرى لكانت النتيجة مفزعة بحق، ففي وقت تخلى فيه الجميع عن الحركة الكردية في عام 1975 واعلن الجميع حرب ابادة شاملة ضد هذه الحركة والشعب الذي يقف خلفها لم تستخدم الحركة الكردية اي قدر من رصيدها الجماهيري الضخم والمسيس في المدن العراقية لالحاق الاذى بالمدنيين العراقيين او بالاقتصاد العراقي ولا حتى بحادثة واحدة رغم كون الحركة في موقع المعارضة الملاحقة والمهددة بالابادة.
بينما دمر العروبويون الحاكمون، من موقعهم في السلطة، وفي ظل شعاراتهم الوحدوية منذ عام 1963 العراق تدميرا منظما ، بل واجهزوا على فكرة العروبة ذاتها بحروبهم وغزواتهم وصولاتهم الدون كيشوتية التي كرست التنافر العربي- العربي الى درجة قياسية، ودخلوا بعد سقوط صدام في حرب ابادة شاملة ضد كل العراقيين دون تمييز وضد كل من يقف مع العراقيين وبأساليب مبتكرة لاتمت بأي حال لهذا العصر بصلة، شملت الناس والأقتصاد وأماكن العبادة .

ولو عدنا لايام" المد الاحمر" واكتساح الافكار اليسارية للشارع العراقي نهاية الخمسينات لوجدنا ان القيم الاسلامية الأنسانية ، كالتعاضد والتكافل الاجتماعي والأمن الأجتماعي والمساعدة وانصاف الفقراء والمحرومين وقوة الروابط الأسرية والأجتماعية والأحساس بالمواطنة العراقية كانت كلها مفردات يومية معاشة من قبل كل العراقيين، في حين لايجرؤ المواطن العراقي حاليا في وقت المد الديني ان يحلم مجرد حلم بتلك الايام السعيدة الغابرة!!

لقد تغيرت التحالفات عبر خمسين سنة، واختلفت الحجج والمبررات وتبدل موقع اميركا " المعلن على الاقل" في خضم هذه الصراعات فهل تغير جوهر فكرة "الهوية العربية والاسلامية" للعراق ؟
لقد كانت "الهوية العربية والأسلامية" في مرحلة نهاية الخمسينات وبداية الستينات قناعا شعاراتيا فقط، جوهره اعادة الأصطفاف الطبقي المنهار بفعل ثورة تموز 1958والتصدي للقيم الأجتماعية الجديدة التي نشأت كنتيجة للاصطفاف الجديد مثل حقوق القوميات المشروعة ومانسميه الان بحقوق الانسان الاساسية كموقع المراة في المجتمع والحريات الشخصية.
وفي الوقت الحالي بقي جوهر موضوعة "الهوية العربية والاسلامية" للعراق هو ذاته اي : اعادة الأصطفاف الطبقيٍ/ السلطوي المنهار بفعل انهيار صدام ورفض الأقرار بالمستحقات المترتبة على هذا التغيير وهي ذات المستحقات من حقوق القوميات المشروعة وحقوق الأنسان الاساسية ، المرأة والحريات الشخصية.

موضوع الدين الأسلامي المهدد والمتأمر عليه هو اذن محض خيال، وموضوع معاداة العروبة واستبدالها ب"الشعوبية" مجرد شعار اختبأ خلفه كل المضادين للتقدم الأجتماعي والعدالة الاجتماعية، ولو كانت لدينا مرجعية سياسية وتوثيقية عادلة، تحاكم الاحزاب والاتجاهات لجرمت هذه التيارات المتخلفة التي سببت كل هذا الركام من تأريخ العراق الدموي بعد ان اعلنت الحرب في البلاد بأشاعات اطلقتها وصدقتها وارغمت الناس على تصديقها.

ربما كانت امنية البعض منا ان يكون هذا العراق عربيا خالصا، او كرديا خالصا، مسلما خالصا، مسيحيا او مندائيا خالصا، لكن مادمنا قد خلقنا مختلفين بدون ارادتنا، لاننا لم نختر قومياتنا ولا ادياننا ، يتوجب علينا عندئذ، ان نقر بتنوعنا ضمن اطار واحد، اي ان نتجنب كل ما يثير احساس الأخر المختلف بغربته داخل وطنه، اما اذا اردنا عراقا عربيا خالصا او اسلاميا خالصا ، فيتوجب علينا التوقف قليلا لتوديع شركاءنا الحاليين في الوطن وتركهم يفررون مصيرهم في بلاد يرون فيها قاماتهم كاملة الطول. جميعنا مطالب اذن بوعي المشهد العراقي على حقيقته، كمشهد متنوع لايمكن اختصارة بصورة من جانب واحد او من زاوية واحدة اذ ان تصويره من جانب واحد يعني لاحقا ان الجوانب التي لاتظهر في الصورة ، لا ترى نفسها في صورة العراق الجديد، وذلك يعني اننا ندفعها دفعا ...لاختيار مصور اخر...وصورة اخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا