الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأساس القانون لإنتفاء المسئولية الجنائية -حالة الضرورة انموذجاً- - نظرة فقهية

محمد سرحان الحمداني

2020 / 5 / 25
دراسات وابحاث قانونية


مقدمة :
إن من مقومات المسئولية الجنائية أن يكون الفعل مما ينطبق عليه النموذج القانوني للجريمة ، أي أن يشكل الركن المادي لهذه الظاهرة الإجرامية ، فضلًا عن كون ذلك الفعل صادرًا عن إرادة مدركة مميزة ، كما تستلزم تلك المسئولية الجنائية أن يكون ذلك الفعل وليد إرادة حرة ، وإلا كنا بصدد مسئولية جنائية لكل ما يأتيه الإنسان من نتائج مادية ، لذلك قيل إن أساس تلك المسئولية الجنائية إنما يكمن بين قطبين اثنين أولهما حرية ذلك الإنسان " حرية الإرادة " ، والجبرية أو الحتمية أو القدرية " ، التي لا دخل لتصرفات الإنسان في إتيانها ، فالإنسان ليس مخير بإطلاق، وليس مسير بإطلاق ، وهذا ما يطلق عليه في الفقه الجنائي بنظرية " التوفيقية " وهذا ما تؤكده التشريعات الجنائية ، فالأخيرة وأن كانت تقر القطب الأول " حرية الإرادة " وما يترتب عليه من مسئولية جنائية وإنزال العقوبات الجنائية بمن توافرت لديه تلك الحرية ، إلا أنها بذات الوقت تقر نصوصًا خاصة لحالات تمتنع فيها تلك المسئولية على أثر فقدان حرية الإرادة ، أو تخفف على أثر نقصانها ، ومن تلك الحالات الإكراه المادي والقوة القاهرة ، وحالة الضرورة ، وسوف نكتفي في هذا المقال بإبراز بعض وجهات النظر في الحالة الإخيرة وهي حالة الضرورة من خلال المحاور الآتية :



المحور الأول : المقصود بحالة الضرورة:
يراد بحالة الضرورة في التشريع الجنائي أن يوجد مرتكب الفعل المكون للجريمة " جريمة الضرورة" في موقفًا ذو مفترقين يستلزم منه موازنة سريعة بينهما ، الأول ذو صورة إيجابية : ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون لتفادي شر أعظم يهدده أو يهدد غيره في النفس أو المال ، أما الثاني ذو صورة سلبية ؛ يتمثل في الانصياع لما يفرضه القانون في عدم ارتكاب الفعل المكون للجريمة والمعاقب عليه قانونًا ، إلا أن الأثر المترتب على ذلك وهو الشر الأعظم أو التهديد للنفس أو المال يحدث تأثيره ، ولعل الفرضيات على هذه الحالة كثيرة ، منها على سبيل المثال أن يلجأ طبيب إلى إجهاض حامل لإنقاذ حياتها ، أو قيادة سيارة بطريقة مسرعة لإنقاذ مصاب ، ففي مثل هذه الحالات وغيرها مما يماثلها نجد أمور ثلاثة ، أولها وجود خطرين ، وثانهيما إقدام الجاني على إجراء الموازنة السريعة بينهما ، والثالث تخير الشر الأقل جسامة وهو إرتكاب الجريمة " الأجهاض في مثالنا ، القيادة المخالفة لتعليمات المرور ، " تفاديًا لتحقق الخطر " إزهاق روح في المثالثين السابقين "
المحور الثاني : الأساس القانوني لعدم العقاب على حالة الضرورة وشروطها :
في البحث عن هذا الأساس ، تجاذبه إراء فقهية كثيرة - سردها جميعها ليس مكان هذه المقالة - منها على سبيل المثال أن الأساس القانوني لعدم العقاب على حالة الضرورة ، إنما يكمن في أحكام القانون الطبيعي والذي ينص على أن لكل صاحب حق أن يحيمه ولو ترتب على ذلك مساسًا بحقوق الأخرين ،بينما رأى أخرون أن الأساس القانوني يكمن في الإكراه المعنوي الذ يكون جاثمًا على على الشخص مركتب الجريمة في حالة الضرورة ؛ فيضغط على إرادته وينفي حرية الأختيار لديه " ، بينما ذهب رأي ثالث إلى أن ذلك الأساس يقبع في التضحية بمصلحة أقل أهمية في سبيل إنقاذ مصلحة أكثر أهمية ، وذهب رأي رابع إلى القول بأن عدم العقاب هنا لإجل إنتفاء إحد إركان الجريمة وهو الركن المعنوي ، فبحسب هذا الرأي أن مرتكب جريمة الضرورة إنما إرتكبها في ظروف تحول دون وصف إرادته بأنها آثمة أو مذنبة أو جديرة باللوم ؛ فالقصد الجنائي والخطأ غير العمدي منتفيان حقيقة لدى المضطر ، فيفلت من العقاب لإنهيار الركن المعنوي للجريمة .وذهب رأي خامس أن تحديد ذلك الأساس أنما يختلف من تشريع جنائي لآخر، فالأمر ببساطة -بحسب هذا الرأي - أن تحديد عدم المسئولية الجنائية في هذه الحالة إنما يكون في سطور النصوص القانونية ، والتطبيق القضائي لتلك النصوص ، لذلك فما يقال من تبرير في ظل نظام معين قد لا يصلح البته في نظام آخر ، لمجرد وجود عقبة قانونية تعترضه ، وهذا ما ينطبق تماما على مسألة الشروط الواجب توافرها لهذه الحالة " حالة الضرورة لإنتفاء المسئولية الجنائية ، فأنها تختلف من تشريع لآخر ، وأن كان يجمعها شروط عامة ، لابد من توافرها منها ما يتعلق بالخطر ؛ وهي أن يكون هناك بالفعل خطرًا جسيمًا يهدد النفس في الحال ، وإلا يكون للجاني يد في حلول ذلك الخطر ، ومنها ما يتعلق بفعل الضرورة ذاتها ؛ وهي لزوم فعل الضرورة لدرء الخطر ، وأن يكون هذا الفعل الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر .
المحور الثالث : الأثر القانوني لتوافر حالة الضرورة :
لم يسلم هذا الأثر أيضًا من التجاذبات الفقية ، ولعل تلك الخلافات إنما تنطلق من النظرة لحالة الضرورة ذاتها كإحدى حالات إنتفاء المسئولية الجنائية ، فمن يخلع عليها ثوب المانع من المسئولية ، يرتب لها أثرًا قانونيًا في امتناع المسئولية الجنائية لمرتكب جريمة الضرورة ، ومن ثم إذا تعدد المساهمون في تلك الجريمة ، فالأصل أن الخطر يداهمهم جميعًا ؛ فيستفيد الكل من هذا الامتناع للمسئولية ، أما من يصبغها بطابع المانع من العقاب ، فأثرها بحسب هذا الرأي الأخير إنما يكون في إفلات مرتكب الجريمة من العقاب ، وأيًا يكن الأمر فأن إثبات حالة الضرورة يكون على عاتق من يدفع بتوافرها ، فهو دفع جوهري يجب على المحكمة أن ترد عليه، ويمكن للأخيرة أن تستخلصها من تلقاء نفسها ، ولو لم يدفع به .
الخلاصة في الموضوع :
مما لا شك فيه إن حالة الضرورة كإحدى حالات امتناع المسئولية الجنائية ، والتي تأخذ بها غالبية التشريعات الجنائية ، وتجد لها صدى قضائي في العديد من الأحكام القضائية ، إنما تشكل أمرًا واقعيًا ، يتعرض لها الإنسان بصورة طبيعية ، حينما يجد نفسه تحت إكراه معنوي يجبره على الخروج عما يفرضه القانون سواء بصورة القيام بفعل غير مشروع قانونيًا ، أو بصورة الامتناع عما يفرضه القانون ، وانطلاقًا من هذه الأهمية نعتقد أن الأساس القانوني لهذه الحالة إنما يوجد في إنتفاء حرية الأختيار التي تشكل أساس المسئولية الجنائية ، وصيرورة ارتكاب الجريمة في هذه الحالة أمرًا حتميًا تمليه ظروف واقعية لا قدر للطبيعة البشرية لمرتكب جريمة الضرورة درئها أو التخلص منها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #