الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الإحتجاج العربي 2

سيف الدولة عطا الشيخ

2020 / 5 / 25
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ِسيف الدولة عطا الشيخ
[email protected]
2--------------4
ما بعد الاحتجاج العربي
في المقال السابق وإلى حدٍ ما تكشفت لنا بعض العناصر التي تعكس سمة النظام العربي. وتتلخص في " القبلية, والطائفية, والوصايا الخارجية بالنسبة للسلطات العليا, وعلى ذات المنهج السلطاني, والموروث الاجتماعي تأتي الوصايا الداخلية التي تتحكم في الرعية أو الجماهير". وهذا يعني أن النظام العربي بكليته يقع داخل حقل الوصايا. فإما أن يكون هذا النظام لا زال صغيراً أو معاقاً أو بطريقة ألطف أنه يدور في حقل الاستعمار. وربما يكون الوضع الأخير هو الأقرب من ناحية تلخيص العناصر وكيفية التوصية, فبمثل ما كان استعمار التنوير العقلاني ينتخب بعض الوكلاء من الطوائف الكبرى ومن داخلها ينتج شيوخ القبائل ويعطيهم كامل الصلاحية في جمع الجبايات والمحاكمات الشعبية, فإن استعمار ما بعد التنوير وبذات الكيفية مع الاختلاف في الدرجة ينتخب أيضاً ومن شيوخ القبائل وشيوخ الوصايا الدينية واستخدامهم كعناصر مانعة للوعي الوطني الكلي أو حتى الفردي. ومن أجل ذلك قام الوصي الخارج بتزويد الداخل بكل ما يحتاج إليه من وسائل الردع والتصفية الجسدية. وبالطبع فإن هذه الأخيرة هي مسئولية جنرالات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية. فالمطلوب ليس وطناً للجماهير وإنما مساحات جغرافية ممتلئة بالكنوز. .... ولكن, وفي غمرة المنافسة المالية لم تنتبه الوصايا القسرية لطبيعة دياليكتيك الوعي البشري المتناسل من داخل إيقاع الحياة المعاشة. فمن داخل هذه الحقل الوطني خرجت الجماهير تنادي بالإصلاح فقط وليس غير. فهي وبحكم خضوعها التام لسلطة هذا النظام الهجين لا تريد أن توصف بالمتمردة والخارجة عن النظام. لكن وعندما رفض الكبار صيحات الرعية كانت النتيجة أن تحولت المطالبة لمحاسبة المفسدين. وبالطبع فإن هذا الشعار يهدد مصالح الكل الفوقي, لذا كان لا بد من المواجهة العنيفة. وهنا تحول الهتاف إلى إسقاط النظام ؛ وكانت المفاجأة للجماهير في اكتشافها أنها ومنذ الاستقلال الصوري, لم تخرج عن الاستعمار أصلاً وكل ما حدث هو مجرد استبدال للوكلاء بما يناسب المرحلة, وعليه فإن الأنظمة العربية الحاكمة سواء التي سقط أم في الانتظار ليست أكثر من موظفين لرعاية مصالح الرأسمالية الأوروبية الكلاسيكية والبراجماتية الأمريكية. فقد أثبتت ساحات التحرير أن ليس هناك دولة عربية بالمعنى المؤسسي لفكرة الدولة, وإنما هي مجرد عصبة أو عصابة بعيدة كل البعد عن المدنية وفوق ذلك أنها مرفوضة من الريف الذي يمثل أصل الوطن. ولهذا التباعد لم يسطع النظام العربي إقامة دولة حقيقية ذات سيدة قانونية بل كانت الدولة مجرد قطاعات استثمارية تخص السلطة وبعض المحترفين في الاختلاس المستندي وممارسة النهب الدائم ومن ثم فتح الحسابات في المصارف الخارجية. ولتأمين هذا التمكين قامت سلطة النظام باستخدام عصابات هامش الربع الخالي؛ وأطلقت لهم حرية التصرف في كبت وضرب وتعذيب وتصفية كل من يتعدى على قدسية النظام..... وهكذا, اختفت الإنسانية والوطنية. من حركة الواقع وأصبحت مجرد شعارات متناثرة في فضاء الوطن الملوث بأحلام نخبة الوصايا الفكرية.
لقد كشفت احتجاجات الجماهير العربية الحديثة, أن معظم ما دبجه دعاة الفكر العربي القومي أو الإسلامي, سواء مع أو ضد النظام, لم يخرج عن مدرجات الأكاديمية التلقينية. ولهذا ينعدم التطابق ما بين المعلومات الدراسية وحركة الواقع المعاش. ومع ذلك, وبحكم الفراغ الثقافي الذي خلفه التلاشي الحضاري ومنتجات ما يسمي بالنهضة العربية, أصبح هؤلاء المفكرون هم أوصايا المعرفة ومن ثم تصلب سد الوعي. وبذات الكيفية التي تمارسها سلطة الخيمة في ضرب من يخترق دار الندوة, أصبح أوصايا المعرفة وبالتعاون مع السلطة العليا قضاة يحاكمون كل من يتجرأ ويفكر بطريقة مختلفة. أما من يزيد في تحديه ومن ثم يهبط إلى تنبيه الجماهير بما يحيط بها من زيف وخداع, فهو لا محالة مُتآمر ومثير للفتنة وحفاظاً على السياج القبلي يتوجب استخدام كافة الأدوات التدميريه المهلكة المرسلة من مؤسسات الوصايا الخارجية. ومن ثم تتمكن مؤسسات الوصايا الداخلية من تنفيذ كافة برامج النهب. على سنن هذا الانغلاق المحكم تشكل وعي النخبة الملازمة للسلطة العليا, ومنهم تم انتداب الخبراء لرسم منهاج ومقررات التعلم والتعليم, ومن هذا الرحم تناسل الفكر والعلم وخبرة السياسة القبلية وفي توازي مع تدين الجماعات والطوائف تشكلت دوائر المصالح المالية كمدخل لـ "سياسة ملء البطون " التي تمارسها مؤسسات المصالح الخارجية؛ وبالمقابل خرجت الجماهير من دفاتر الحسابات ولم يبقى أمامها إلاّ الخضوع والتبعية للحاكم الخالد أبداً.
لقد كشفت الاحتجاجات الجماهيرية, أن ما نسميه بالحضارة العربية الإسلامية ليس أكثر من نصوص محنطة على أرفف المكتبات الأجنبية؛ وعلينا أن نشكر هذه البلدان العلمانية لمحافظتها على تراث الدين الإسلامية. ذلك أن واقعنا غير العلماني لا يحتمل صدق وصراحة علماء الماضي. فعلى سنن الوصايا الداخلية تقوم مؤسسات المحافظة على التراث بإتلاف وحرق ما لا يتناسب مع عقدتهم " الأوُديبية " , وفي تصورهم السلفي أنهم وبهذا العمل يحاصرون الأمة داخل سياج أخلاقي خالي من دسم الانحراف. وهكذا وكما يتخيلون تكون العودة إلى أزمان ما قبل كتابة التراث نفسه. أما في ما يخص الحاضر المعاش, فإن ابتلاءات الفساد المالي والإداري والأخلاق المرفوضة من الإسلام وكامل الديانات, مثل الكذب والدجل والنفاق ...الخ, فهي ليست ذات خطورة, فالمؤمن معرض للامتحان والابتلاء , ومع ذلك يمكن وعلى حسب المكانة السلطوية أن تظهر مبررات الكبيرة إن كان صاحبها من علية القوم, أما إن كان من الرعية الغوغاء,- وحديثاً, عامة الجماهير-, فإن هذا الكائن ليس له غير الضرب والركل وكافة ما ترفضه منظمات حقوق الإنسان. ولأن الفكر العربي التراثي نفسه قد تربع على منصات الوصايا العليا ولم يحاول أبداً الهبوط إلى ساحات التحرير, كانت النتيجة أن الجماهير لم تجد من يقف معها لمواجهة خبراء السلطان. ولهذا كان عليها الاتجاه إلى المنظمات العالمية المنتمية إلى ثقافة الإنسانية المسيحية صاحبة النمط العلماني. وهنا يشتد الصراع ما بين الوصايا الخارجية والداخلية, وبالمقابل تدخل الجماهير دهاليز الحيرة الوطنية.
لقد كشفت احتجاجات الجماهير العربية, ومن ما قدمناه من قوة حصار النظام العربي للوعي الجماهيري , وما تقوم به نخبة الفكر القومي في محاولة إحكام سياج التراث الماضوى, فإنه, وعلى هذا التشكيل المؤسس على مادية القبلية وروحانية الطائفة الغيبية, فإنه ومهما كانت قوة المواجهة في إزالة رموز هذا النظام فإن ما هو آتيٍ لا ولن يختلف كثيراً, ذلك أن الرحم المنتج لتلك الوجوه الساقطة لا زال وبفعل تقنية الاستنساخ الاستعماري قوياً, ويمكن دائم نسخ لا رجل المرحلة فقط, وإنما كامل خبراء التربية والتعليم. كما ويمكن استخدام أوصايا الوعي في الترويج للسلطة وخدعة الجماهير إلى درجة التخدير الديني والنوم الكامل. وبهذا التكتيك تكتمل ركائز التخلف, وهكذا تنحسر أمواج الاحتجاج. وهذا بالضبط ما أدى إلى إحباط الجماهير التي كانت قد نجحت في كنس أصنامها مثل " تونس, ومصر, وليبيا, واليمن الحزين ", فهناك خوف من عودة نمط الرموز القديمة مسنودةً بدول استعمار ما بعد الاقطاع الرأسمالي ووكلاء أمارات النفط الذين لا يهتمون بالجماهير إلاّ في لحظة البيعة السلطانية, وهذا الأمر لا يحتاج إلى عناءِ كبير , فمجرد تتفق الأموال الكافي لاستقطاب التجار الجدد وعلى قوتهم النفاقية, يكون الخضوع ومن خلفهم تركع الجماهير للزعيم الخالد القديم, في ثوبه الجديد..... تبشر هذه العودة باستعادة ما قبل الدولة العثمانية وأثنائها, مما يعني أن هناك مرحلة مظلمة في الانتظار.
لقد كشفت احتجاجات الجماهير العربية أن ما يسمى بـ " الجامعة العربية " ليس أكثر من تجمع خارجي يعكس ضعف الوعي السياسي القبلي في كليته العربية..... إنها جامعة لا تملك أي سلطة , وليس لها الحق في الرفض أو القبول, إنها فقط وسيط لتنفيذ قرارات الدولة صاحبة المصلحة الحقيقية في المنطقة. فمندوب أي دولة عليه وقبل أن يفكر في عروبته أن يضع في حسابه شركات الاستثمار الكبرى وأسهم العائلة الحاكمة إضافةً لحقوقه هو. وبالطبع يحتاج هذا السلوك التلقيني لمندوب يُتقن فنون اللعبة التدجينية. وهكذا يكتمل التسوير الداخلي والخارجي, كما يتطابق الوعي السياسي مع ما تتطلبه مناهج الوصايا, وبذات الكيفية تتشكل قبيلة السلطة الاستثمارية داخل خيمة المشيخة الطائفية, وبالمقابل ترحل الجماهير تجاه من لا زالوا يترنمون بأمجاد العروبة وفترة النهضة. وعند النظر إلى منطقة " الهلال الخصيب "_ العراق وسوريا ولبنان وفلسطين _ لا تجد الجماهير غير الموت والدمار وكثافة المؤامرات وتداخلها ما بين وصايا الطوائف القبلية في الداخل, ووصايا المؤسسات الاستعمارية من الخارج... لقد انتهت سمات النهضة هناك . أما مسرح النهضة الذي كان في أحضان أم الدنيا " مصر " فقد تساقط وذهبت معظم قطعه للبيت الأبيض. وبخروج شباب مصر العظيم ارتجف أوصايا الخارج والداخل وحتى لا يفلت الأمر قذفت المؤسسات بالجيش إلى الساحة ومن ورائهم ظهرت تيارات لم تكن من ضمن الجماهير غير أن لها ثقل مالي وحنكة في رمي الطُعم أمام الجماهير المغلوبة على أمرها المعيشي. ويتشابه هذا التكتيك الاستبدالي مع انتفاضة ابريل السودانية ففي مصر " طنطاوي" وفي السودان كان " سوار الذهب " الذي كان عليه أن يسلم الطبخة إلى الأوصياء من قبل أن تهجم عليها النقابات الجماهيرية ؛ وهكذا تسير مصر في الاتجاه المرسوم خارجياً وداخلياً , فهي في حاجة عاجلة إلى المساعدات الاقتصادية .... والمال عند أمراء الخليج؛ وأموال الخليج تصب في البيت الأبيض.... الإسرائيلي.....فأين تذهبون ؟ إنها الحيرة الوطنية الكبرى والتي بدأت تهدد مكاسب الاحتجاجات التونسية وذلك في انقسامها ما بين النمطين الديني الذي يحلم بعودة السيرة الأولي لواقع مختلف تماماً وبين المدني الذي يخاف على حقوق المرأة. وبالطبع يتوقف الحسم على ما ترغب فيه مؤسسات الرأسمالية الخارجية ومدى خضوع مؤسسات القبيلة الحاكمة لما تطلبه أسواق أُوروبا الأمريكية. ولن تكون ليبيا خارج الوصايا الكبرى. لقد ظهر أن ليس هناك أي مشروع أو برنامج عربي جاهز للتطبيق, بل أن الوعي السياسي الذي تحمله نخبة الفكر لا ينتمي إلى الجماهير وإنما مجرد مواد اعلامية لا تصلح إلاّ على قناة الجزيرة ..... والحالة السورية خير دليل على إخفاق هذا الفكر والذي لم يجد تحليلاً للحالة الجماهيرية إلاّ في صراع الشيعة مع متمردي السنة , ولهذا صار الكل العربي يرى أن رحيل " الأسد " كافي لإحلال السلام , دون أن ينتبه هذا الفكر ويتعظ من ما سبقه من نتائج الاحتجاجات الأخرى, فقد سقطت رموز ومن بعدها قامت رموز أخرى, أما منصة الانطلاق فلا زالت في قوة ثباتها الأبدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام