الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات ملازم -4-

علي دريوسي

2020 / 5 / 25
الادب والفن


بعد ذلك اليوم تولَّدت الرغبة في داخلي أخيراً لزيارة مدينة دمشق والتعرُّف إلى بعض معالمها، جبلها، حدائقها، جامعتها، جسورها، أحياءها، شوارعها ومقاهيها، رغم أني أعيش فيها منذ أكثر من نصف سنة. لكن لم تكن بحوذتي النقود الكافية لتمويل هذه المشاريع الصغيرة، ولا أقصد بذلك أكثر مما يلزم لأجرة التنقُّل بالسرفيس وشراء سندويشة فلافل وعلبة سجائر.
كان الراتب الشهري للملازم المجنَّد المقيم بالكاد يكفي لسفرتين من اللاذقية إلى الشام، أو لشراء ثلاثين علبة من السجائر الوطنية على الأكثر.
دخلت إلى مكتبي ذات ظهيرة مشمسة مضجرة وأنا أنتوي الإقدام على فعل شيء لم تتَّضح معالمه بعد، حدث ما يكسر الروتين الذي أعيشه، وجدت أنه مع الأيام قد تراكمت تحت سرير نومي وطاولتي مواد تموينية زائدة عن الحد الذي أحتاج إليه، رغم أني لم أطلبها منذ خمسة أسابيع.
كان لدي بعض المعلبات الغذائية وحوالي خمسة كيلوات من الأرز ومثلهم من السُكَّر والبرغل، مواد تكفي لغداء عشرين عسكرياً لثلاثة أيام على الأقل. أنبني ضميري وحزنت في سري فأنا أعرف أن المجنَّد بالكاد يشبع الطعام في هذا الحقل. في الوقت الذي يسرق فيه المساعد أو الضابط فَرُّوجاً كاملاً يوم الخميس وعلى مدار السنة، يحصل عشرة عساكر مجنَّدين على فَرُّوج مسلوق يأكلونه مع القليل من الأرز.
تتاولت حقيبتي السوداء وأخرجت منها ملابسي الداخلية وبعض الأشياء التي لم أستعملها بعد، ملأتها بالتموين الفائض لدي، أوقدت سيجارة وجلست على حافة السرير أفكّر بما ينبغي أن أفعله بهذه الحمولة الزائدة: أأوزعها على العساكر؟ أأعيدها إلى المطبخ؟ أأهديها لبعض المعارف؟ أم أسأل عمّن يشتريها؟

**

لم يكن قد مضى أكثر من أشهر قليلة على محاولة التفجير المُتعمَّد في مقبرة نجها أثناء زيارة الرئيس، حين جاءنا أحد رجال البدو مساءً وزعم أن هناك شخص إسرائيلي هارب من مكان ما ويخطّط لتنفيذ عمل تفجيريّ.
اعترانا الخوف والقلق والفشل في تحمُّل المسؤولية المناطة بنا تجاه قضايا وطننا وجيشنا.
جمع مساعد الانضباط حوله بعض العساكر الأشداء الموثوقين وأمرهم بالبحث عن الإرهابي، بعد عدة ساعات وجدوه مختبئاً في حفرة قريبة من الحقل. كان رجلاً غريب الأطوار في منتصف عقده السادس، يرتدي جلباباً وقد علّق في رقبته حبلاً ربط به دفتراً مهترئاً، بدا في الحقيقة عبيطاً درويشاً لا علاقة له بالإرهاب ولا بإسرائيل.
قال المساعد كيصوم إن الدفتر مكتوب بلغة لم يفهمها ومملوء بالرموز والإشارات الغريبة، وأضاف أنه قد وجد في محفظته عملة إسرائيلية.
فهمت يومها أنه من الخطأ وضعه في السجن ريثما يأتي العقيد صباح اليوم التالي ليتصرف بشأنه، لأن الرجل خطير وقد ينتحر في أي لحظة دون الاعتراف بجرائمه.
في منتصف الليل طلب المساعد كيصوم حضور دورية من المخابرات الجوية، سطَّر تقريراً وسلَّم الإسرائيلي للأيادي الأمينة.
مع مرور الأيام تناسينا الموضوع، بالأحرى لم نجرؤ على ذكره.

**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج