الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوهام المراهقين ، أدب سلطة متجدد أم متوارث

حسن عزيز الياسري

2020 / 5 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قدر هو بأختيار ذلك الذي يكتب ويغرد منفردا ، متمتعا او مُنفِسا عن مكنوناته الدفينة ، فاذا لامسَتْ كتاباته شيئا من التحليل والتشخيص وشيئا من العلاج لاشكاليات واقعنا المرير ، فكان بها وهذا جُلّ ما يبغيه كاتب او مفكر بتوفيق من الله تعالى ، وان لم يكن له ولغيره من ذلك حظا ، فلا باس بالمحاولة ومعرفة نقاط ضعفه ومجالات ابداعاته الاخرى اذا ما ثبت نجاحا او نشاطا له في مجال آخر .
(( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ))
من سمات تردي ثقافتتا التي تعود بحكم النشأة الى عدة عوامل جغرافية وبيئية ، نفسية ومجتمعية ، دينية ودعوية ، جعلتنا ننظر لمن في مواقع المسؤولية بأن لهم كل الحقوق التي كفلها المنصب المناط بهم دون النظر الى المنجز والمهام الموكلة اليهم ، ولا بأس فهنيئا لهم ولعيالهم ذلك ، اذا ما أوفوا بالتزاماتهم التي كفلها واجبات ذلك المنصب واعطوه حقه ، من خلال تقديم الخدمة للافراد  او المجتمع بصورة عامة ، وكذلك تمنياتنا الخالصة لهم بالسم الزعاف والسل المداف بالزحار الأميبي ،  اقل ما نهديه لهم عند دعواتنا الى الله تعالى في حال لم يكونوا على قدر المسؤولية .
والحقيقة التي نشأنا عليها ايضا ، هي انه لا يعنينا اذا ما كنزوا من مال البلاد وحق العباد على وجه حق او باطل ، اذا ما شاهدنا بام اعيننا عملهم شاخصا يدعو اليه البصائر والاذهان ، بعيدا عن مبدأ الحاصل والمحصول وفق التدرج الوظيفي ، الذي يبين ان حاصل ما تم انتاجه ، بسبب الحصول على موقع سلطة معين ، سيوفر ثمن استحقاقاته فقط .

فلا يهمنا اذا ما تحدث احدهم وهو يصل الى كرسي المسؤولية حيث يؤكد لأخيه بعد الاتصال به ، رافضا ومهددا اياه ، لأي محاولة منه لاستغلال منصب أخيه المتصل والذي من خلاله اصبحت ( الصاية والصرماية ) تحت يده التي ندعو الله عزوجل ان يكرمها بالنزاهة والثبات عليها !! ، او ذلك المسؤول الآخر الذي يزعم بأن عليه وعلى ابيه ديونا متراكمة تثقل همه وتقض مضجعه بالاضافة الى انه لا يملك بيتا ، وبيته الحالي الذي يسكن به هو بالايجار !! والتفاتة صغيرة الى ما تم تداوله في مواقع التواصل لاحد ابنائه اليافعين كفيلة جدا بمعرفة حجم معاناة الرهيبة لذلك المسؤول !! الذي هو شخصيا وابيه وجده واعمامه واخواله وباقي افراد عائلته الكريمة ، افرادا وعشيرة لهم من رواتب الموازنة المالية الاتحادية ما يقدر بنسبة مئوية !! ، او ذاك الذي يقسم على انه لا يملك الا مركبة مصفحة (( مجرقعة )) أي  متهالكة وهو الذي شغل كل المناصب المهمة التي تدر المال الوفير في كل حكومة عبر هذه الاعوام الطوال !! ، واخر يتحدث عن راتبا شهريا يبلغ المليار ومائتا مليون دينار !! نعم ومن لسانه شخصيا بحديثه الى مقدم البرنامج الذي كاد هذا الاخير ان يغمى عليه من هول الصدمة ، فأسرع السيد المسؤول مطمئنا مقدم البرنامج بأن ريع هذا الراتب الشهري يذهب الى الفقراء و المعوزين !! ،، يا سَلامْ سَلِم ْ، وهكذا حتى نصل بمستهل هذه اللطمية الحزينة المبتذلة التي سأمتها آذاننا ولفظتها اسماعنا منذ عقود الى ابن ابو الليثين الذي قال في يوم ما ، الحصة لا تكفينا !!! ومن هالمال ، حمْل ْ جْمال ْ وحمير وبغال .

في لمحة استكشافية نفسية مطمئنة تتوطد فيها ملامح النقاء الروحي للأديب الكبير ميخائيل نعيمة حيث يصف ثقافة هؤلاء اللئيمين بقوله :
(( محراثك من حديد ومحراثي من قصب وحقلك من تراب وحقلي من ورق.. فكِلانا مزارع ْ.. والفرق انك تبذر من كفك وابذُرُ من قلبي.. فَتَستغِلّ لتأكُل ْ واُسْتَغلّ لِئُؤكَل ْ )) .

وبهكذا سلوك لأفراد سلطة مشين ، يُنسَجْ من خيالات المسؤولين ضربا ادبيا جديدا ، يستطربه سلاطين الشرق على وجه الخصوص ولعله خاصا بالاساطير والمآثر الخرافية للسلطة الحاكمة في الشرق الاوسط تحديدا والتي تذكرنا بقصص الطفولة واوهام المراهقين التي لا تهدأ الا بلمحة خيال انثوي عابر ، يعقبها اطلاقات نارٍ ، ثم الغطُ في نوم ٍعميقْ !! 
لا ادري ما الذي يوهم المراهقين الكبار من مسؤولينا القدماء والمحدثين بأن يسلكو طريق أدبهم الفارغ والمزدوج هذا ، والغريب بالامر ان هذا النوع الطوباوي من اللغط الرخيص لا يستهوي احدا ، حتى اشد المطبلين للسلطة وابواق دعايتها الرخيصة الشاخصة على موائد فسادها  .

يحدثنا التاريخ بلسان رجاله المنصفين ، حيث ينقل الدكتور طه حسين* في مؤلفه الكبير الفتنة الكبرى : ان الخليفة عثمان ضاق ذرعا من صرخات الصحابي الثائر وداعية مبدأ الاشتراكية الاول في الاسلام ابي ذر الغفاري ( وهو الذي بحقه نصيبا وافرا من احاديث الرسول (ص) ) بعد ان شاهد الخليفة الثالث يغدق حقوق بيت المال لاقربائه الامويين كمروان ابن الحكم واخيه الحارث او زيد ابن ثابت الانصاري وغيرهم فقال لهم محذرا اياهم ومذكرا : بشِر الكانزين بالنار ، ويتلو الاية الكريمة التي طالما كان يرددها بالاسواق وعند كل مجمع (( الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )) فأرسل اليه عثمان من ينهاه عن قول ذلك ، فامتنع ابي ذر وقال : اينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله عزوجل ، والله لأن ارضي الله تعالى بسخط عثمان احب الي من سخط الله برضى عثمان ، الى باقي القصة التي وصلت الى نفيه من مدينة السلطة .
 
وانتم ( اسم الله عليكم ) فلا غفاريا جديداً ، يلف الاسواق ويغري مؤتمرات المجتمع الدولي بالإنعقاد ، صارخا على الذين يكنزون الذهب والفضة امثالكم بأن لهم عذاب اليم ، ولا الثكالى واليتامى ولا همهمات الفقراء والمساكين ولا مأساة المهجرين وقصص العاطلين والمحتاجين جردت مالا سُحتا حراما منكم ، ولا أزاحت نوما مقاما من عيونكم ، ولم تعبأوا بسهام نقد المجتمع اللاذعة من صحفيين ورجال دين واعلام ، شيوعيين واسلاميين وعلمانيين وغيرهم من شرائح الاحرار والوطنيين في المجتمع ، او الذين ضمتهم تظاهرات الشعب العراقي منذ ٢٠١١ حتى  تظاهرات تشرين ٢٠١٩ المباركة  بدماء ابناءنا الاحرار ، ولا ادري اما سأمتم هذه الخزعبلات والتفاهات التي ما انطلت حتى على مدّاحيكم لتعربدوا  متأثرين بحكايا القائد الضرورة واِبنيّهْ الليثين المراهقيّنْ الذّين كانوا كأبيهم الرمز لا يتورعون في توزيع المال العام وكوبونات النفط لكل من وقف على باب نزقهم وحمقهم ، مادحا ً .

والفرق ليس كبيرا جدا بين نظاميكم بهذه الجزئية سوى انكم ما همكم فقيرا سائلا او لسانا قادحا وقفا على ابواب نزقكم وتفاهتكم ، مطالبين بحقهم من (بيت مال) الموازنة الاتحادية التي توزع ريعها بين احزابكم وابنائكم وانسابكم واحسابكم .
كما وثقكم قبل عقود شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري ذلك الصوت الأبي الوطني الهادر الذي خَبَركُمْ ، حيث طالما ألِفَ امثالكم :

تنهى وتأمُرُ ما تشاءُ عصابةٌ ،، ينهى ويأمر فوقها استعمار ُ
خُوِيَت خزائنها لما عصفت بها ،، الشهوات والاسباط والاصهار ٌ
واستنجدت ، ودم الشعوب ضمانها ،، ورفاهها ، فأمدها الدولار ُ

اما آن لكم ان تستيقظوا وكفاكم غرقا باوهام المراهقين وتنظروا العالم من حولكم  ، وتتندروا للعمل فقط ، دون الثرثرة التي لا يجيدها سوى الفاشلين والعاطلين امثالكم والسائرين على اثار الطغاة والعبثيين الذين مروا مرور اللئام على حبال المشانق ، ام ان أدب السلطة الفارغ هذا لا يستقر ولا يهدأ له بال ْ ، الا بخيال محتلٍ عابرٍ للبحار !! ليفعل فعلته بنا !! فنعود من جديد ، نغط في نوم عميق .
      
              حسن عزيز الياسري - بغداد  ٢٠٢٠ 

* صفحة ١٦٣ جزء ١  .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه