الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردا على مزاعم طوباوية الماركسية

حمزة محمد يغان

2020 / 5 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بعد الازمة التي مر بها اليسار العربي عقب نكسة 1967 والازمة التي عصفت بالماركسية واليسار العالمي ككل عقب انهيار الاتحاد السوفييتي , كان من الطبيعي ظهور منعطفات في الفكر اليساري تمثلت مبررة في نقد ذاتي للتجربة , وغير مبررة في القاء اللوم على الاشتراكية العلمية كأيديولوجيا ومذهب اقتصادي ثبت فشله , ومخيبة للآمال في صعود الاسلام السياسي , بل وصادمة في بعض الاحيان تمثلت في التحول الى النيوليبرالية .
من ابرز الاتهامات التي واجهت الفكر الماركسي كانت الطوباوية , وهنا مربط الفرس في هذا المقال , ونحن في ردنا على هذه المزاعم لسنا بصدد الدفاع عن الجمود الفكري والعقائدي لليسارية , ولا تحويل الشيوعية لإيمان ودين ونصوص مقدسة غير قابلة للتعديل وموائمة العصر, بل الهدف من هذا الحديث هو انصاف الفكر الماركسي ونفض غبار التضليل الذي حصل بعد الانتكاسات التي ذكرناها آنفا .
ان الاقتصاد علم وليس دين كما ذكرنا , وهو قابل للتطور بحسب تطور الازمنة والمجتمعات , والماركسية كغيرها من نظريات الاقتصاد القديمة طورت لتواجه مشاكل وتناقضات ظهرت في وقتها , لكن هذا لا يعني انه علينا اليوم ان نرمي كتابات وافكار ماركس عرض الحائط كأنها ما كانت , فماركس حين عمل على نظريته لم يرمي اعمال سميث وريكاردو خلفه بل اعتمد عليها وطورها لمواجهة تحديات عصره والتناقضات التي اصبحت واضحة في برجوازية عصره .
كل ما ذكرناه سابقا لا يعني باي شكل من الاشكال ان الاشتراكية العلمية اصبحت فكر بالي رجعي لا يناسب عصره , على العكس تماما , تكمن عظمة الاشتراكية في راينا انها ما زالت الى اليوم قابلة للتطبيق وهي الحل الامثل لمواجهة وحشية الرأسمالية الحديثة وفظائع العولمة وما نتج عنها , لكن ما نتحدث عنه هو روح الاشتراكية التي نستخلصها من الماركسية , هو كره الاستغلال والجشع وتدمير الاسواق النامية وابتلاعها وتدمير ثقافات دول العالم الثالث ومحو اثارها عن طريق فرض العولمة عليها وفرض "الديمقراطية" الامريكية وجعل كل العالم مدين لصندوق النقد الدولي وللدول الصناعية الكبرى .
كل هذه المبادئ ما زلنا نستخلصها اليوم من الاشتراكية , وفي نفس الوقت علينا مواجهة العوامل والمتغيرات الجديدة التي لم تكن موجودة ايام ماركس وتتمثل في التطور الهائل للتكنولوجيا وعلوم الادارة والثورة الادارية managerial revolution وتغير مفهوم فائض القيمة ورأس المال الثابت الى حد ما , وما يضيفه من قيمة على السلعة والتركيب العضوي لرأس المال ,وانتهاج التايلورية Taylorism وكل هذا لا يضير الاشتراكية في شيء , فهي ما زالت الهدف الأسمى للوصول الى العدالة الاجتماعية وهي البديل المنطقي للرأسمالية بعد أن انجزت مهمتها التاريخية على حد تعبير ماركس , واذا ما تمسكنا بنصوص كتاب رأس المال تمسكا متعنتا تقديسياً نصبح كالسلفي الذي يريد ارجاعنا الى عصور ظلامه .
والان لنعد الى الموضوع الاساسي وهو الرد على مزاعم طوباوية الماركسية , نعم ان الماركسية تراهن على الافضل في الناس وتراهن على سعي الانسان الدائم نحو التطور والتحرر من الاغلال , قد تكون بعض النبوءات الماركسية قد تأخرت في التحقق وبعض المفاهيم قد تحتاج الى تعديل , لكن على الاقل , الماركسية لم تبنى على اساس المنفعة الفردية فقط , وأن المنفعة العامة هي حاصل جمع كل المصالح الفردية كما ورد في الاقتصاد الكلاسيكي وما بني عليه , فالرأسمالية هنا تراهن على حب الذات والمنفعة الشخصية بينما راهنت الماركسية على وعي الناس وخلاصهم الى حقيقة ان المنفعة الشخصية وحدها والسعي خلفها سيؤدي الى هلاك البشرية , وان الفرد والمجتمع في النهاية سوف يخلصون الى ان السبيل الوحيد الى البقاء والنجاة هو تدمير علاقات الانتاج البالية وبنية الاقتصاد الرأسمالي التي لم تعد مناسبة لتطور الفرد وقوى الانتاج والطابع الاجتماعي الذي اصبحت تتخذه من تخصص وتوزيع عمل الخ... وتناقضها مع النزعة الفردية لملكية وسائل الانتاج .
وعلينا ان نأخذ في عين الاعتبار الشروط التي حددها ماركس لنجاح الثورة الشيوعية وهي :
- تحقيق الثورة الشيوعية على مستوى عالمي
- تحقيق مستوى عالي من الوعي في المجتمع الانساني
- تحقيق وفرة الانتاج
ومن ينظر الى التاريخ بنظرة محايدة يستطيع ان يجزم ان هذه العوامل لم تتحقق بعد خصوصا ابان التجربة السوفيتية التي تحسب على الفكر الماركسي كدليل على فشل التجربة .
ولن نخوض في التجارب الناجحة نسبيا كالتجربة الفيتنامية والصينية (مع التحفظ ) واليوغوسلافية لان الحديث في ذلك يطول , وهي لا تعتبر دليل على نجاح الشيوعية الكاملة لكنها اكبر دليل على امكانية الحصول على نتائج مختلفة من خلال احداث تغيرات طفيفة على اساليب التطبيق .
واذا ما كنا سنتحدث عن الطوباوية , فمن الاسهل توجيه هذه التهمة الى الرأسمالية , بمعنى انها تفترض المنافسة الحرة الكاملة ونبذ الاحتكار , وهو ما لا يمكن تصديقه في ايامنا هذه , فمن يراقب وحشية السوق واليات الفساد الممنهج التي تساعد حيتان الاسواق على الهيمنة والاحتكار وابعاد اي نوع من انواع المنافسة عنها ,سيعرف ان ما نعيشه اليوم بعيد كل البعد عن المنافسة الحرة, ويذكر ( سويزي وباران ) ان الرأسمالية الحالية اصبحت رأسمالية احتكارية بعيدة كل البعد عن المنافسة الحرة .
اما على المستوى الخارجي , فالرأسمالية تفترض حرية الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية , وهذا ايضا لم يحدث , فبعد بريتون وودز وما نتج عنها من تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات , اصبحت الدول الصناعية الرئيسية هي المهيمنة على العالم والدول النامية والفقيرة هي تابعة فقط وتزداد مديونيتها يوما عن يوم , ويمكن الرجوع الى كتابات روزا لوكسمبورغ التي تبين فيها كيف استخدمت الرأسمالية العالمية الدول البدائية والنامية كدول "منافذ" تستغل ثرواتها وتنهبها وتستغل اسواقها لتصدير فائض انتاجها وهي في كل هذا تحاول التقليل من فعالية قانون ميل معدل الربح نحو التدهور , وان هذا القانون سوف يسري عاجلا ام اجلا بعد ما تتطور علاقات الانتاج واساليبه في الدول النامية وتصبح هي تقارع الدول العجوز ومن ثم تنشأ النزاعات بينها من جهة , وبين الطبقات العاملة في كل دولة على حدة من جهة اخرى .
فبعد كل ما ذكر نستنتج انه من الطوباوية ايضا او من السذاجة لنكون ادق , ان نصدق ان نظاما بني على اساس المنفعة الشخصية لن يؤول في النهاية الى الامبريالية والاستعمار والتوسع والاستغلال والاحتكار , وكما قال البروفيسور ليونيل روبنز : ان الاقتصاديين الكلاسيك عندما نادوا بحرية التجارة الدولية , كان ذلك لمصلحة بلادهم ولم يكن لمصلحة العالم ككل .

راجع :
الاقتصاد السياسي للبطالة – د. رمزي زكي
Rosa Luxemborug : The Accumulation of capital
Paul M. Sweezy & Paul A. Baran , Monopoly Capital , Monthly Review Press, New York 1966








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش