الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوني كرومي : الجاد في لحظة هازلة

جمال علي الحلاق

2006 / 6 / 20
الادب والفن


- 1 -

اعداد هائلة تولد كي تنسى من ذاكرة الناس ومن ذاكرة التاريخ ، إلا ان قلة نادرة جدا تلك التي تولد كي تترك بصمتها على الآخرين ، وعوني كرومي من هذا النادر جدا .

يدخل يومك ، ثم تراه يتربع على التفاصيل ، يمتلك حضورا راكزا ، يدخل في ثناياك كي يقيم ، بينما يمرّ الآخرون بلا حضور .

إذا كانت الحياة صدفة ، فإن جزءا من هذه الصدفة هو الذي جعلني ألتقي بعوني الجميل ، كنت قادما من القرية مشحونا بأسئلة مدببة ، وقد تحسس بدوره تلك الاسئلة فقال : تعال معنا.

لم أذهب معهم ، لأن حجرة كانت تنتصف طريق الذهاب ، كانوا يسمّونها أسعد عبد الرزاق .


- 2 -


كان الجميل نبيل وادي - الذي انزلق معي من رحم واحد - سبب التقائي بعوني في بغداد ، ومن الساعة الأولى دعاني الى مطعم في ركن من شارع السعدون قريبا من مسرح الستين كرسي ، وكان نبيل معي ، جلسنا نأكل ، وكانت الوجبة ثلاثة أنفار كباب ، بدأ عوني يأكل بيديه دون أن يستخدم الشوكة والسكين ، وكنا أنا ونبيل نأكل في غاية اللياقة ، لم يكتف عوني أن يأكل بيديه ، بل بدأ يأكل بطريقة فوضوية جعلت شيش الكباب يتناثر على المائدة ، لم أجرؤ على الصمت ، قلت له متسائلا : هل كان الانسان البدائي يأكل بهذه الطريقة ؟ ضحك عوني وقال : الانسان البدائي كان يتذوق الأكل لأنه يأكل بيديه وليس بالشوكة والسكين .

خرجنا من المطعم ثم وقفنا قرب بائع الشاي ، وبينما كان عوني يشرب الشاي ، إحمّر وجهه ، واختلف تنفسه ، قال نبيل : ها دكتور ؟ أجابه : ماكو شي ، خفقان ويروح .

حصل هذا وهو يستعد لتحضير صراخ الصمت الأخرس .



- 3 -


قالوا عنه : برشت العراق ، وقد كان أكثرهم استيعابا له على صعيد التطبيق ، كان مخرج حياة ، ودرسا في كيفية الدخول الى الحياة .

يجلس بيننا نحن الأدباء الشباب ، أو هذا ما كان يطلقه هو علينا ، نبيل وادي وأنا ، يجلس بيننا كي يقترب منا أكثر ، يتحرّك رضا ذياب ، يصيح : أنا جائع أنا جائع أنا جائع ، بأعلى صوته فيتقزز عوني لا من إداء رضا ، بل من طريقة إخراجه هو للصيحة ، جلس مثل طفل تائه يبحث عن عاصفة يتعلق بأذيالها ، قال أحدنا وهو شخص لا أذكره الآن : فلنجعلها تلبية .
صرخ عوني : لا تقترح ، قم واصعد خشبة المسرح وأدّها ، فلما صعد وأدّى ما أراده ، قفز عوني الى السماء ، وأظنه أمسك بالسابعة صارخا : هذا هو المسرح .



- 4 –


بعد العرض الأوّل لصراخ الصمت الأخرس ، فتحت نافذة للحوار حول العرض ، كان الجميع يتحاور حول سينوغرافيا المسرح والمستوى الدلالي لها ، أما هو فابتدأ حديثه عن ضحكة طفلة كانت ضمن الجمهور - وكانت الضحكة انفعالا مباشرا تجاه حركة قام بها " رائد " ثنائي رضا ذياب – أضحكت الجمهور كله ، لحظتها اعتبر الضحكة جزءا من العمل المسرحي خصوصا وانها جاءت عفوية بشكل مطلق ، وأظنه تمنّى أن تتكرّر الضحكة مع كل عرض .





- 5 -


كان الجاد في لحظة هازلة ، يعمل على مسارح أشبه ما تكون بمقاه شعبية ، ومع هذا فقد كان روادها محدودين جدا ، مسرح الستين كرسي ( صراخ الصمت الأخرس ) ، أو منتدى المسرح ( ترنيمة الكرسي الهزاز ) حيث تألقت انعام البطاط وإقبال نعيم .

قلنا له مرة في ملتقى الصليخ الأدبي وقد استضفناه : لماذا لا تغادر مسرح الستين كرسي ؟ لماذا لا تعرض على المسرح الوطني ، أجاب يومها ، أنا أعرف جمهوري فلماذا أعرض على خشبة مسرح فارغ ؟

ومع هذا فقد أخرج " بير وشانشيل " للكاتب المسرحي عباس الحربي على خشبة مسرح في الوزيرية - لا أذكر اسمه ربما كان مسرح الوزيرية – وكانت القاعة مكتظة بالحضور ، واعتقد انه أخرج " الانسان الطيب " على المسرح الوطني ولاقى نجاحا هائلا .


- 6 -


في أمسيته في ملتقى الصليخ الأدبي ، سأله أحدنا ، وأظنه كان حسن قاسم مطشر : لماذا لا نمتلك أعمالا مسرحية كبيرة ؟
أجاب عوني ، والانفعال باد على وجهه ، حتى خفنا أن تعتريه حالة الخفقان مرّة أخرى : عندما تذهبون أنتم الى بوابة السينما والمسرح وتمزقون قائمة الممنوعات المعلقة عليها سنتمكن من خلق مسرح كبير .

كان هذا عام 1990 في بغداد .


- 7 -


عندما انتهت حرب الخليج عام 1991 ، سألنا عنه ، فقيل لنا : خرج مع الناس الى الاردن أثناء الحرب .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عوني كان عوني
نبيل وداي الجبوري ( 2008 / 12 / 9 - 23:05 )
بعد سنوات من كتابة جمال لهذا الموضوع اراني اليوم اشعر بالرغبة بالبكاء كما لم (تحصرني الدمعة من قبل)هل حقا مات حقا عوني كرومي هل ماتت الطيبة وعشق الحياة ذلك الانسان الذي مسكني من يدني الى الكلية وقال ها نبيل جرب ذاتك في هذا المكان،كان ياخذني معه فالتقي بالادباء والكتاب والفنانين والناس العاديين علمني التواضع الكبير الذي يصنع الانسان الاكبر
لماذا ياربي اتذكره الان اشعر ان قطعة من روحي كم احبك ياعونيكم احبك ايها الكبير كم احبك
وكم احبك ياجمال الحلاق وانت تذكر هذا العملاق الكبير والانسان العظيم الذي رحل بلا وداع حقيقي.

اخر الافلام

.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي