الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المارد والحورية

دلور ميقري

2020 / 5 / 29
الادب والفن


في كوخ بائس، ولد لامرأة أرملة صبيٌّ لم يوحِ بالمارد، الذي سيكونه بعد نحو عقدين من السنين. لما وصل الغلامُ اليتيم إلى هذه السن، كان الكوخ يزداد رثاثة والوجبة الرئيسة على الغداء، المشكّلة من سمكة عجفاء، لم تتغير. طوله، المناهز المترين ونصف المتر، كان يجعله كما لو أنه في زنزانة وليسَ في مسكن. لكنه كان يساعده في الصيد، حينَ ينزل إلى عمق البحيرة ويصطاد الأسماك بيده ثم يقذفها إلى البر الواحدة بأثر الأخرى.
ذات يوم، كان يهم بالنزول إلى البحيرة عندما أوقفه مشهد قارب على شيء وافر من الفخامة يشق الماء بوساطة عدة مجاديف. هنيهة، وإذا بالقارب ينقلب رأساً على عقب والصراخ يبدأ بثقب هدوء الطبيعة. أدرك الصيادُ الشاب أن القاربَ اصطدم بصخرة غارقة في المياه، وما لبثَ أن قذف بنفسه لمحاولة إنقاذ الركاب. كان هؤلاء يصرخون، وعلى ألسنتهم اسم واحد، " الأميرة ". ما أن وصل الصياد إلى مكان الحادث حتى غطس إلى الأعماق، ليظهر بعد ثوان وفتاة في مقتبل العُمر في يده. باليد الأخرى، أعاد القارب إلى وضعه الطبيعيّ وكان الرجال الأربعة، المتولين مهمة التجديف قد تمكنوا بدَورهم من انتشال ما بدا أنها وصيفة الأميرة.
" مَن أنتَ، وماذا جرى؟ "، كذلك تكلمت صاحبةُ السمو ما أن قذفت الماء من باطنها واستعادت وعيها. بقيَ الصياد يحدق في الفتاة، مبهوراً بحُسنها النادر. قبلاً، كان قد حظيَ برؤية العديد من بنات جنسها وهن يتنزهن في قوارب تمخر مياه البحيرة؛ لكن أبداً لم يكن لأيّ منهن هذا الجمال المبهر. أخرجه رجال القارب من استغراقه في التأمل، وما أبطأ كل منهم بتوجيه عبارات الشكر لله على نجاة أميرتهم. إذ تناسى هؤلاء شكر المنقذ، فإن الأميرة تولت ذلك بصوتها العذب. ساعة على الأثر، ثم وجد الصياد نفسه وحيداً على شط البحيرة ولم يكن قد اصطاد أي سمكة فيما موعد الغداء يقترب,
في اليوم التالي، وفيما كان الصياد الشاب يستعد لمغادرة الكوخ، حضرَ عددٌ من الفرسان وأمروه بالسير معهم. صرخت الأم في أثرهم: " إلى أينَ أنتم تأخذونه؟ ". لكن صرختها ضاعت في الهواء. اخترق الموكبُ بعد مسير ساعة دروبَ المدينة، وكان الصياد يراها لأول مرة في حياته. لما بانَ القصر الملكيّ عن بُعد، وكان يعتلي رابية خضراء، خاطبه مقدّم الفرسان: " جلالة الملك طلبك بنفسه، فعليك التأدب في حضوره ولا تتكلم إلا عندما يسألك. مفهوم؟ ".
بيد أن الملك، وكان يتوسّط حاشية كبيرة، طرحَ سؤالاً واحداً: " ماذا تطلب مني، أيها الصياد، مكافأةً على إنقاذك أميرتنا؟ ". فكّر الشابُ قليلاً، وما عتمَ أن أجابَ دونَ أن يرفع رأسه: " دوماً حلمتُ بمسكنٍ ذي سقف عال، فيه حجرة نوم واسعة، وذلك لأتمكن من الحركة والاستلقاء في حرية ويُسر ". التفت الملك إلى أقرب رجاله، فهمس شيئاً في أذنه. بعد قليل، سارَ حاجبٌ مع الصياد إلى الجهة الخلفية من القصر، أين تتمدد بحيرة صغيرة بين الحدائق. قال له الرجل: " ستمارس هنا مهنتك كصياد، لأننا نربي أفضل أنواع السمك في هذه البحيرة ". ثم أشارَ إلى كوخ فخم، يُشرف على المياه من علو هيّن: " ستقيم مع والدتك هناك ".
كأغلب المفرطين في الطول، كانت حياة الصياد قصيرة. لكنه عاشَ ليشهد وفاة أمه ومن ثم اقتران الأميرة بابن الوزير ووفاتها المفجعة بعد أشهر بسبب سقوطها عن الحصان. بقيت صورةُ الفتاة متمثلة في ذهنه، لما حضرَ ملاك الموت كي يقبض روحه. أحسّ بجسده خفيفاً للغاية وأنه ينطلق أسرع من العقاب، مخترقاً سماء المدينة والسحب المتناثرة فيها. ثم إذا به في قبضة مارد مرعب، هائل الحجم، يكاد جسده يغطي السماء السابعة بأسرها. ما لبثَ هذا أن وضعه في مقلاة وقلّبه على نار هادئة، ليقذف به من بعد نحوَ بحيرة مترامية الأطراف. ثمة، تلقفته حوريات البحر وما لبثن أن سلمنه للشط. وجد نفسه هذه المرة في روضةٍ وارفة الأفياء، تشدو فيها الطيور بشتى الأصوات العذبة. قال في نفسه: " كنتُ في جهنم، وها أنا ذا في الفردوس ". صوتٌ أكثر عذوبة، طرقَ سمعه على الأثر: " لأن حسناتك غلبت سيئاتك ". لما التفتَ إلى مصدر الصوت، شاهدَ حوريةً رائعة الحُسن تنتصب فوق رأسه وقد غطت عُريها بشعرها الطويل. بقيَ يحدّق فيها مبهوراً، ثم ما عتمَ أن تذكّرَ أنه رأى من قبل هذه السحنة، الفاتنة القسمات.
" آه، أنتِ الأميرة! "، هتفَ ماردُ الأيام الخوالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل