الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلمون في إسبانيا، بين عامي 1500-1614

رحيم العراقي

2006 / 6 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قام بتأليف كتاب المسلمون في إسبانيا، بين عامي 1500-1614البروفيسور ل.ب. هارفي أستاذ علم التاريخ في جامعة شيكاغو وأحد كبار المختصين بالحضارة الإسلامية في إسبانيا. وكان قد نشر سابقا كتابا مهما بعنوان: إسبانيا الإسلامية بين عامي 1250 ـ 1500.
وها هو يكمل بكتاب جديد يتحدث عما آلت إليه الأمور بعد انهيار الحضارة العربية الإسلامية هناك. وكان قد درس قبل ذلك الفترة الخاصة بازدهار الحضارة الأندلسية بين عامي 800 ـ 1250. والكتاب مؤلف من مقدمة عامة واحد عشر فصلا. الفصل الأول يتحدث عن بدايات الإسلام السري في إسبانيا بعد سقوط الإندلس وانهيار الحكم العربي هناك. وأما الفصل الثاني فيتحدث بالتفصيل عن أوضاع المسلمين الأسبان في ظل النظام الجديد:
أي في ظل النظام المسيحي بعد استرجاع إسبانيا والأندلس على أيدي الملوك الكاثوليكيين. ومعلوم أن المسلمين اضطروا عندئذ إلى إعلان اعتناقهم للمسيحية ظاهريا وممارسة طقوسهم الإسلامية سريا.
ثم تتحدث الفصول التالية بالتفصيل عن أوضاع المسلمين في مختلف الأقاليم من غرناطة، إلى فالنسيا، إلى مملكة أراغون، الخ.
ومنذ البداية يقول المؤلف ما معناه: في 18 ديسمبر من عام 1499 تمرد المسلمون في غرناطة ضد قوانين الحكومة المسيحية التي تقمعهم وتحرمهم من حقوقهم الدينية وتمنعهم من ممارسة طقوسهم وشعائرهم.وعلى الرغم من أن هذه الانتفاضة كانت عبارة عن ظاهرة محلية سرعان ما تمت السيطرة عليها إلا أن الحكومة الإسبانية اتخذتها حجة أو ذريعة لتصفية الوجود الإسلامي ليس فقط في غرناطة وإنما أيضا في كل أنحاء إسبانيا.
ولكن لكي نفهم الأمور على وجهها الصحيح ينبغي أن ندخل في التفاصيل. ينبغي العلم بأن سقوط غرناطة عام 1492 كان يعني استرجاع إسبانيا من قبل الأسبان، أي السكان الأصليين للبلاد. وكان يعني أيضا إسقاط آخر معقل للحكم العربي الإسلامي في تلك البلاد.
ولكن هذا لا يعني أن الوجود الإسلامي انتهى في أسبانيا دفعة واحدة بين عشية وضحاها. فالواقع أنه بقي مئات الآلاف من المسلمين على الأرض الإسبانية حتى بعد سقوط الأندلس. وقد اعتنق هؤلاء ظاهريا الديانة المسيحية في مذهبها الكاثوليكي لكي يرضوا الحكام الجدد وينجوا بجلودهم.
في الواقع أن المسلمين انقسموا إلى قسمين بعد سقوط الأندلس. فالبعض منهم اعتبر أن التعايش مع المسيحيين في ظل الحكم الجديد أصبح مستحيلا. ولذلك فضلوا حياة المنفى والهجرة من البلاد، وعادوا بالتالي إلى بلاد المغرب.
ولكن البعض الآخر فضل البقاء مقابل تقديم الطاعة والخضوع للحكام الجدد. وقد قبلوا خضوعهم ولم يتعرضوا لأذى يذكر ما دام المطران المتسامح هرناندو دوتالافيرا هو الذي يحكم غرناطة. فقد كان متفهما لأوضاع المسلمين ويشعر بالتعاطف مع آلامهم.
ولكن بعد موته حل محله كاهن متعصب لا يثق بالمسلمين حتى بعد أن أعلنوا التخلي عن إسلامهم واعتناق الديانة المسيحية فقد اعتبر أن ذلك عملية ظاهرية هدفها خداع الأسبان لكيلا يبطشوا بهم.
وقال لجماعته: هؤلاء لم يغيروا دينهم حقيقة، ولا يزالون يمارسون طقوسهم الإسلامية سرا وبالتالي فلا يمكن أن نثق بهم. وعندئذ اتخذت الحكومة إجراءات قمعية ضدهم، وهي التي أدت إلى انتفاضة غرناطة المذكورة آنفا.وفي مملكة أراغون كانوا يشكلون ثمن السكان، أي واحد على ثمانية. أما في مملكة فالنسيا فكانوا يشكلون ربع السكان.
نلاحظ هنا أن إسبانيا كانت مقسمة آنذاك إلى عدة ممالك وذلك قبل أن يتم توحيدها.والواقع أن التعايش أصبح صعبا بعد سقوط الأندلس. فالسكان ما كانوا يتكلمون نفس اللغة لأن المسلمين ظلوا يتحدثون العربية كما كان عليه الحال سابقا.
هذا في حين أن الأسبان يتحدثون الإسبانية ويريدون فرضها على كل البلاد بعد أن استرجعوها وأسقطوا الحكم العربي. يضاف إلى ذلك الاختلاف في العادات والتقاليد بين الطرفينولذلك فإن سياسة دمج المسلمين في الشعب الإسباني فشلت ما عدا بعض الاستثناءات.
يضاف إلى ذلك أن إسبانيا كانت منخرطة في معارك خارجية ضد أكبر قوة إسلامية في ذلك الزمان: أي الإمبراطورية العثمانية. وكانت عواطف المسلمين الأسبان مع أبناء دينهم في الخارج لا مع حكام إسبانيا. وهذا ما أدى إلى خلق حساسيات وحزازات.
وبالتالي فالثقة كانت معدومة بين الطرفين. ضمن هذه الظروف تمت مصادرة أراضي المسلمين أو قسم كبير منهم. وقد أعطتها السلطات للمسيحيين. وبلغت مساحة الأراضي المصادرة مائة ألف هكتار.
ومعلوم أنه كانت توجد عندئذ أقلية إسلامية غنية جدا. وكانت تديّن الفلوس للأمراء والأرستقراطيين الأسبان. وكانوا يسكتون عنها مقابل ذلك. ولكن أغلبية المسلمين كانوا فلاحين وفقراء. وهؤلاء هم الذين تعرضوا لمصادرة أراضيهم بالدرجة الأولى.
يضاف إلى ذلك أن البابا بولس الثالث أصدر فتوى تقول بما معناه: كل شخص يريد أن يصل إلى منصب مسؤول في إسبانيا ينبغي أن يثبت أنه لايوجد في أسلافه أي شخص مسلم أو يهودي منذ أربعة أجيال على الأقل.
وهذا يعني أن الاضطهاد شمل اليهود أيضا وليس فقط المسلمين. ولذلك هاجر قسم كبير من اليهود إلى بلدان المغرب أو إلى تركيا أو إلى بعض دول أوروبا المتسامحة كهولندا مثلا.وقد تحولت فتوى البابا إلى قانون رسمي في إسبانيا وظلت سارية المفعول أكثر من ثلاثة قرون: أي حتى عام 1865 بالضبط.
ثم يردف المؤلف قائلا: وعندما وصل الملك الشهير فيليب الثاني إلى عرش إسبانيا كانت هناك مدرستان أو أطروحتان تتصارعان حول وضع المسلمين. المدرسة الأولى كانت تقول بأن دمج المسلمين في الأمة الإسبانية أو استيعابهم وصهرهم شيء ممكن ولكنه سوف يستغرق وقتا طويلا.
وأما المدرسة الثانية فكانت تقول بأن ذلك مستحيل لأن المسلم سوف يظل مسلما حتى ولو تظاهر باعتناق المسيحية. وقد انتصرت الأطروحة الثانية للأسف الشديد. ولذلك وضعت الحكومة خطة سرية منظمة من أجل مصادرة أراضي المسلمين تمهيدا لطردهم بشكل جماعي من إسبانيا.
وحصل عندئذ ما ندعوه اليوم بظاهرة التطهير العرقي أو الطائفي. ومعلوم أن ذلك تم بشكل مبرمج في البوسنة وبقية مناطق يوغسلافيا السابقة. كما أنه حصل في جزيرة قبرص من قبل وكذلك في لبنان أثناء الحرب الأهلية المدمّرة. وبالتالي فالظاهرة قديمة العهد وربما كانت قد ابتدأت في إسبانيا. وعلى هذا النحو يربط المؤلف بين الماضي والحاضر بشكل ذكي ومضيء جدا للأمور.
ولكن إذ كان التطهير الديني أو الطائفي مفهوما في العصور السابقة بسبب سيطرة الجهل والتعصب على عقلية الناس آنذاك، فإنه غير مفهوم في العصر الحالي بعد أن تقدمت البشرية وتعلمت وتطورت. ولكن هل حقا أنها تقدمت وتحررت من العصبيات العمياء في كل مكان؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكتاب بشكل مباشر أو غير مباشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة