الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خط النجمة البيضاء في رواية الشوك يزهر للروائي هاري مارتينسون.

ضحى عبدالرؤوف المل

2020 / 6 / 1
الادب والفن


خط النجمة البيضاء في رواية الشوك يزهر للروائي هاري مارتينسون.
نتجول في عوالم انفسنا بحثا عن الطفولة الغارقة في احضان نفتقد فيها طعم الحنان الاسري. هذا ما يحاول اختصاره الروائي " هاري مارتينسون" في روايته " الشوك يزهر"، التي ترجمها الى العربية دكتور" أنطوان حمصي" ساعيا لمنح الرواية لغة ، هي بمثابة جسر معنوي ينقل الينا بنية النص الروائي المملوء بالصور التخيلية القادرة على توضيح ابعاد المضمون الروائي ، او ما يرمي اليه " هاري مارتينسون" من أن للطفولة حقها في تكوين شخصية الانسان، فهي التي ترسم له خطوط النهاية التي بدأ بها الحياة منذ صرخته الاولى ، كما هي الحال مع " تزايد ارتفاع صراخ سفن الصغير" وفي المقابل الاخر صياغة للاضداد، حبكها بفن روائي يميل الى الانطباعات التي يكتشف من خلالها القارىء عالمه الطفولي بالتزامن مع مارتان الذي اصبح " أكثر هدوءا وتيقظاً" حاملا مع مارتان القلق الجديد الذي استسلم لمخاوف " تسكن نبضه وأفكاره وروحه وكل وجوده.
ينبش مارتان من ثنايا ذاكرته تفاصيل طفولة لم تكن سوى متاهة دكة يتكرر النوم عليها في أزمنة وامكنة تركت أثرها في نفسه، ولم تترك اثراً في نفوس الاخرين لأنه " عندما كان وحده كان يحمل معه شيئا من الاخرين" فهل حاول " هاري مارتينسون" كتابة مذكراته الطفولية كربيب بلدية بأسلوب روائي؟ حيث أن الطفل الواعي في داخله تأثر بقوة فقدانه تيرا، وفي لحظة سمع فيها كلاما بصيغة الماضي؟..
أبعاد اجتماعية تناول فيها " هاري مارتينسون" جوانب حياة طفل تنقل من رعاية الى رعاية ، بعد أن ولد في أسرة تعاني من الفقر ، فالصدمات المتتالية في حياته لم تترك له حرية الاختيارات، لبيئة اجتماعية احب العيش فيها، فالواقع المعيشي يتأزم تبعا للتسلسل الروائي المحبوك اجتماعيا بقدرات روائي اظهر اسلوبا واقعيا لم يخل من بعض الصور السريالية ، حيث مخيلة الطفل التي تخاف من الاوهام او من التصورات التي تسبب خلق كائنات شبحية قد تزداد او تنقص. لانها تتعلق بطريقة معالجتها ، حيث تفهم الاخت هذه الحالة. ليكشف في الرواية هذا الجانب النفسي، او بالاحرى ما يدور داخل نفس الطفل من مخاوف وهواجس تزول بزوال غياب الحنان، والاحساس بالامن حيث ان الاخت الكبرى كانت ترافق الرؤية الشبحية . لتقول له دائما هذه ستائر او هذا صوتي، وفي هذا تحليلات منطقية مقنعة للقارىء، حيث لكل منا في مراحل طفولته هواجسه التي يحتفظ بها، والبعض ما زال يحمل فوبيا معينة من شىء ما، فالصورة السريالية تنقلت في فصول الرواية باسلوب تفاعلي مرهف الاحساس، وكلمات تصويريه حبكها بفن جمع الواقع بالخيال والروائي بالطفل المتغلغل فيه حيث" سجادات تعيش ، أقمشة تتحول إلى أفاع. لم يكونا يعلمان انه كان على انيز ان تدافع عنه ضد التخيلات التي كانت تزحف قرب ساقيه لدى أدنى بقعة نور ترقص على الارض ."
تتجسد المفارقات منذ البداية حيث وفاة الاب المؤثرة، ومرض الاخت بالسل ، وهروب الام الى كاليفورنا، ومن ثم رعاية البلدية له، وكل هذا حدث بعد سقوطه على غطاء تابوت ابيه ، وكأن ما توقعه اهل البلدة بشان هذه الحادثة كان بمثابة نذير شؤم قد حدث بالفعل، ليحيل الخرافات الى حقائق قد تحدث في ذاكرة الطفل التي تلتقط اي حدث زمني وقع له في مكان ما بمثابة ومضة لا ينساها، بل وكأن الذاكرة تعج بتفاصيل تحاصره في امكنة متعددة انتقل منها واليها في رواية رسم فيها " هاري مارتينسون" مشاهد فنية مؤثرة تخيليا "فبقي هذا المشهد والتصنع الاخرق الذي ميزه احدى اشق الذكريات في حياته."
تحولات اجتماعية ومفاهيم موضوعية تعلمها في مدرسة الحياة القاسية ، وفي بيت طفولة احس فيه بالبرد بل حتى التشبيه للسرير البارد الذي يصعب بث الحرارة فيه ، وهو يرمز الى فقدان حضن الام الدافء في مرحلة يحتاجها كل طفل، لينمو نموا سليما ، وهنا وصف في كلمات تشتعل بحزن الام ، وهي تتوجه لبيت الخياطة بعد وفاة الوالد لخياطة ثياب الحداد، فالام كانت " تحميهم تحت السقوف السوداء الخمسة كما لو كانوا تحت جناحي غراب" وفي الوصف دلالات ايهامية توحي بالمعنى المتعلق بالأم حيث المظلة تشبه السقوف ، والام تضم كل هذا في رؤيته الغرائبية المقيدة بمشهد حزين في رواية تحليلية اجتماعية .
برصد " هاري مارتينسون" في سياقات بنية نصه الروائي، صدمات تكررت في اكثر من مشهد ارتبط بالصغير مارتان . المولود بين شقيقات اختلفت طبائعهن من حيث الحنان والرعاية له ، وبين ام واب لكل منهما سلبيات بدأت منذ معرفتهما الاولى ببعضهما حيث المواقف العصبية التي كان يشعر بها ابوه، وهجرانه لزوجته، فهو لم يكتشف الحياة الا عند اقتراب الموت منه ، وهنا تكلم بلسان والده الذي لم يستسلم للموت الا جالسا على كرسيه "فاكتشافه الاخير: الانسان وحيد وحتى لو عاش المرء في صحبة او في اسرة، فإن قدره وحيد متجمد."
لغة سردية وصفية تتخللها شاعرية مزجها بمستويات تصويرية مختلفة ، سعى من خلالها الى تبسيط افكاره من خلال التشبيه والمجاز، وحتى الرسم بالكلمات التي تمنح الذهن عصفا مثيرا للوجدان، حيث تتشبع حواس القارىء جماليا في تعابير هي بمثابة فضاءات تخيلية. تتوهج فيها المعاني المتحررة من قيود لغة ترجمها دكتور حمصي ، وربما فقد فيها المعنى بعض الاجزاء من توهجاته. الا ان كل ذلك لم يؤثر على الصياغة الروائية ، بل منحها مميزات مهمة من حيث التنوع في تركيب بنية النص الروائي، والحوارات الداخلية الغنية بتفاصيل اجتماعية واسرية اعتمد فيها على تبسيط الحبكة. لتؤدي ليونة تخيلية قادرة على الامساك بالقارىء المتوسط والقارىء الجيد على السواء " كانت دائرة النور تتحول الى هالة واقعة على الارض كعين سطحية وعذبة تتأمل السقف " ليثير تصويرات تطغى على روتين المفارقات التي سارت ضمن وضع اجتماعي نمطي لاسرة عكر صفوها الفقر والقدر المشاكس حتى لطفل لم يتجاوز سنته الثالثة .
اسلوب خاص يجذبك الى عمق المضمون الروائي حيث العنصر الاساسي هو مارتان ، وكأنه يمارس لعبة الحياة على " طفل ظل طفلا اكثر مما ينبغي " مستمدا من النص الروائي تماسكه في تخيلات لم تمح تفاصيل واقع برز كمؤدب او مهذب حتى لحواس طفولية، عاشت في امكنة تسببت له بتلوث سمعي اعاد الزمن بعدها تهذيب أذنه تدريجيا ، وشحذ انتباهه واصبح اكثر عناداً، فهل يتأثر الطفل في مراحله الاولى بكل ما يسمعه او يراه ، وحتى ما يلمسه ويتذوقه؟.فهو هنا سرعان ما اكتشف وهو يمشي بصورة غريبة " ان في الطفولة شيئا مرنا ، انها تستطيع ان تمتد الى ما وراء حدودها الخاصة، وتشمل ايضا اعمار الناس الاكبر سنا. وهنا ايحاءات بأن مارتان ستشمل مراحله الروائية كل تفاصيل عمرة. ليمتد الزمن الروائي الى ما بعد الروائية. لأننا هنا نستكمل نمو مارتان حتى يتكون كما في مراحل تنقلاته من مزرعة الى مزرعة .
رواية اجتماعية سردية حكائية تفتش في دهاليزها عن اجتماعيات تكتمل فيها كل عناصر الحياة، وعن كل ما هو مخبوء في خلايا الحياة التي عايشها طفل لم تكتمل فيه ملامح الرجولة، فنسيج الرواية هو بمثابة مساحة زمنية افترشها " هاري مارتينسون" وترك ابطاله يعيشون عليها الواقع الروائي المتخيل، والمستمد من تفاصيل طفولية " كان هو نفسه بين الحياة والحياة، وبين الولادة والنضج في نصف حياة الطفولة الممنوع " قبل ان ينتزع في اخر الرواية ما لم يرغب في سماعه كي لا يستبقيه في سمع تلوث اكثر من مرة، فهل عاشت هذه الرواية خارج الزمن ام انها " تمثل الدراما الخاصة بها في مجرى الزمن."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف