الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التواصل وأزمة المعلومة الوبائية

تفروت لحسن

2020 / 6 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يحيل مفهوم التواصل في معناه الأولي على التبادل والتفاعل بين شخصين أو أكثر. فسواء كان التواصل أحادي الجانب، كالإيصال والتوصيل، أو كان عبارة عن تبالغ، فإنه يجمع بين ما يتم باللفظ، أي التواصل اللساني، وما يتم بالعلامة، مادية أو رمزية، وهو التواصل غير اللفظي. والمشهور أن طبيعة العلاقة بين أطراف التبادل هي التي تتيح التمييز بين الوصل التقليدي الذي يرسل فيه القائل رسالته إلى المقول له بقصد إعلامه وإخباره، وبين التخاطب الذي يرتقي فيه المخاطب لمرتبة المتكلم، حيث تتحول العلاقة إلى محاورة يتجاذب فيها العرض والاعتراض.
وإذا كانت محاور التواصل تختلف حسب نوعية المجال التداولي التي تجرى فيه، بحيث نجد التواصل العامي بما فيه الإشهار، والتواصل العلمي، والتواصل البيداغوجي، والتواصل الخاص بالمجالس، كالسياسة...فإننا أصبحنا نصادف أعمال تقعد لتقنيات التواصل وأخلاقياته. ورغم أهمية تقنيات التعبير والتواصل في حياة الأفراد والجماعات، ورغم كون موضوع التواصل قد حظي بنصيب وافر من الدرس اللساني والسيميولوجي، فإن التواصل في زمن الأوبئة، والتبالغ في مقام الجائحة، يفتح مجالات جديدة، ويثير أسئلة غير مسبوقة. يتضح ذلك من خلال التعامل مع المعلومات الوبائية، من حيث الأخدها بها أو تركها، ومن حيث الوثوق لها أو الشك فيها، دون نسيان طرق إيصالها ودون تأثيراتها السلبية على المتلقي مهما كان مستواه الإدراكي.
ظهور جائحة " كوفيد19"، إذن، لازمته إشكالية المعلومة، وطرق تناولها إعلاميا. هذه الظاهرة هي التي شغلت المشتغلين بالصحة، كما أهتم بها السياسيون والسوسيولوجيون وعلماء النفس...بل أن هذا الموضوع شغل أهل الحل والعقد على أعلى مستوى؛ فمدير " منظمة الصحة العالمية " صرح بوضوح أن محاربة الشائعات هي جزء من محاربة كورونا، ولذلك ينبغي التصدي لها بجد ومحاربة كل الأخبار المضللة. كما ذهبت اليونيسكو إلى أنه ينبغي، للتواصل الأخلاقي في جائحة كورونا، للمعلومات الصادرة عن السياسيين والعلماء والسلطات ووسائل الإعلام " أن تصدر في الوقت المناسب وأن تكون دقيقة وشفافة ووافية وواضحة، علما أن ثمة ضرورة لنشر أصناف متنوعة من المعلومات حتى يتسنى لكل الأشخاص بصرف النظر عن سنهم أو ظروفهم المعيشية أو مستواهم التعليمي الإطلاع عليها. و ينبغي توجيه المشاركة المجتمعية، للأفراد في عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل أرضا خصبة لنشر المعلومات المغلوطة والأخبار الزائفة، بالاسترشاد بصورة رئيسية بالمعلومات الدقيقة الصادرة عن الجهات العامة، والأهم من ذلك بالمعلومات العلمية.
وهذا التصريح يفيد بأنه يجب، أن تكون الرسالة صريحة ودقيقة وشفافة ومتوازنة، منعا لإشاعة الهلع أو الاستخفاف بخطورة الأوضاع، ولجعل المواطنين يدركون بصورة نقدية المخاطر الوشيكة أو المقبلة.
وفي هذا الإطار أطلقت الحكومة البريطانية حملة "تحقق قبل أن تصدق" بعدة لغات منها العربية على مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة حول جائحة كورونا، وتركز الحملة على أهمية تقصي الحقائق مع تقديم النصائح والوسائل التي تساعد القارئ على اكتشاف حقيقة المعلومات والتحقق من مصادر المعلومة، بالإضافة إلى أهمية مراجعة المحتوى قبل القيام بإعادة نشره، والإرشاد إلى بعض المصادر الموثوقة للحصول على المعلومات الصحيحة والمعتمدة.
ولمعالجة صحية للمعلومات المتعلقة بالوباء، أنشت الدول منصات رسمية لكل ما يرتبط بكورونا، بحيث أن هذه المواقع هي المؤهلة الوحيدة للمعلومات التي ينبغي الثقة بها. وما يجعل موضوع التواصل ذا أهمية في زمن الجائحة، هو كونه يرتبط بما يعرف ب " تواصل المخاطر " أي أشكال الإخبار المصاحبة للأزمات، كالحروب والمجاعات والأوبئة. والتواصل في زمن كوفيد هو من هذا الصنف، فهو يرتبط بالإعلام الصحي. هذا الإعلام الذي هو نهج متعدد الأوجه ومتعدد التخصصات للوصول إلى مختلف الجماهير وتبادل المعلومات المتعلقة بالصحة بهدف التأثير على الأفراد والمجتمعات والمهنيين الصحيين والمجموعات الخاصة وصانعي السياسات والجمهور من أجل دعم أو تقديم أو اعتماد أو الحفاظ على سلوك أو ممارسة. أي إنه لا يقتصر على جمهور بعينه، " بل يعمد إلى التأثير في كافة المتلقين بمن فيهم العاملون في المجال الصحي، ويشمل تأثيره السياسات المتعلقة بالصحة والممارسات.
وتتباين مظاهر المعلومة الوبائية، خاصة الزائفة والمضضلة منها، ومنها ما يتعلق بمصادر المرض، وتعريفه، وأعراضه و طرق العلاج أو التلقيح... وهذا نجد على سبيل المثال:
- "إستمتع بموت الفيروس أثناء تعرضك للشمس".
- "خرج الفيروس بسبب شبكة الجيل الخامس".
- "قام الأمريكيون بتصنيع الفيروس، ثم نشروه في الصين".
- الفول والعدس والقرفة والفلفل والزنجبيل والكمون، يقوي المناعة ضد كورونا.
- الشاي والماء الدافئ والحرارة تقتل الفيروس.
- غسل الأنف أو الغرغرة باستعمال محلول ملحي يقتل الفيروس ويمنعه من دخول الرئتين.
ومن الدروس المستفادة من جائحة كورونا تأكيد أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت من أهم وربما أسهل الأدوات المستعملة للحصول على المعلومات بمختلف أنواعها خاصةً الطبية. وهذه لها خصوصيتها وخطورتها خاصةً أثناء انتشار الأوبئة حيث تساهم بشكل كبير في توجيه سلوك العامة للحد من خطورة المرض والمساهمة في التخفيف من أضراره. لهذا فإنه من المهم جداً نشر التوعية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن التحري والتثبت عند استقبال المعلومات وقبل إعادة إرسالها.
ولم يقنصر نقل المعومة الوبائية غير الدقيقة أو الكاذبة على العامة، فحتى بعض السياسين الكبار بما فيهم الوزراء، وحتى الأطباء روجوا لأخبار عير ذات مصداقية، وذلك ما ظهر مثلا في السجال حول الكمامة، ضرورية أو ثانوية؟
يبدو، إذن، أن المعلومة الوبائة لها انعكاسات على المتلقي، فإذا كانت صائبة ودقيقة، فإنها تخلق الطمأنينة والسكينة لدى المواطن، المصاب أوالمتمتع بصحته. وبالعكس، إذا كانت مزيفة أو غير مسندة وليست حقيقية، فإنها تستتبع الهلع والخوف مما يشكل خطورة على حياة الناس.
وللتخفيف من مخاطر المعلومة الوبائية، ينبغي التحقق من مصادر الخبر وطبيعته، فالخبر هو الآخر عدوى تنتشر بوثيرة سريعة. لهذا وجب الاحتكام الى معايير محددة في التعامل مع المعلومة الوبائية، من ذلك مثلا:
- الإقرار بأن الخبر الوبائي كغيره من الأخبار مهدد بالكذب، إذ لما كان أصل الخبر إنساني، وكان تداوله يكون باللسان الطبيعي، فمن الطبيعي أن يتصف بالكذب. هذا ما أشار له ابن خلدون في " المقدمة " بالقول: " ولما كان الخبر متعرض للكذب بطبيعته، فله أسباب تقتضيه، منها: التشيع للأراء والمذاهب..القرب لأصحاب التجلة بالثناء والمدح.. الذهول عن المقاصد..."
- يقتضي تواصل المخاطر اعتماد مبدأ " التعاون " على الكشف عن المعلومة والتضامن في تحصيلها ونشرها. هذا التعاون هو النية التي عبر عنها غرايس، في ما يعرف ب " قواعد الاستلزام التخاطبي ".
- يجب أن تكون المعلومة الوبائية أن تكون واضحة بذاتها، غير مبهمة ولا مجازية ولا استعارية، أي أن بمنطوق اللفظ وصيغة الدلالة. أي بينة بذاتها كما يقول المناطقة.
- أن يكون مصدر المعلومة الوبائية مستندا الى حجج صحية وعلمية أو عقلانية، وأن يكون المصدر مشهود بحجيته. غبر مجادل في هويته.
حاصل ما سبق، أنه يجب أن يكون المتواصل، أو المرسل للمعلومة حاصل على تكوين فعال في مجال " الاعلام الصحي الفعال، إعلام المخاطر". وهذا تخصص ظهرت الحاجة إليه. ف " الإعلام الصحي الفعال ليس مجرد أخبار عن اكتشافات دوائية أو نجاحات في اختراع أجهزة طبية أو نقلات نوعية في مجال الجراحة، بل هو اشتغال يومي مستدام في التوعية والتثقيف الصحيين والتربية الصحية القائمة على حسن الطعام فضلا عن التخلي عن العادات الضارة، وحسن الحفاظ على البيئة وحسن تأهيل الجسد واستخدامه في الأنشطة ويجب على الحكومات وشركات التكنولوجيا أن تضطلع بدورها في محاربة الحالة الأولى، ولكن من واجب كل واحد منا، سواء كنّا محررين في إحدى الصحف أو مستخدمي حسابات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، أن نتحلى باليقظة حيال المعلومات التي نتبادلها ونروج لها.
ضرورة ملحة للتصدي للادعاءات الخاطئة بشأن فيروس كورونا، فإن مكافحة التضليل في مجال الصحة العمومية لا تتوقف عند هذه الفاشية الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال


.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع




.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في


.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة




.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا