الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس العالم ومظاهرات أمريكا

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 6 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


كما لا يمكن أن نفهم مباريات كأس العالم، إلا بعد أن نعرف أوائل وأهم اللاعبين، ومهنية المدربين، وجودة الملاعب، ومنافسات الأندية، وتفرغ الفنيين، وحتى فهم الجمهور الداعم والمشجع. كذلك لا يمكن اليوم أن نفهم ما يحدث في الولايات المتحدة الامريكية من مظاهرات عارمة، على خلفية مقتل الرجل الأسمر جورج فلويد، في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، مختنقا وهو قيد الاعتقال بعد أن جثا شرطي على رقبته عدة دقائق، الا بعد أن نفهم مواقف الجمهوريين والديمقراطيين من العنصرية، وتأثير جائحة كورونا نفسيا واقتصاديا واجتماعيا على الشعب الامريكي، وتدني الاقتصاد العالمي بسبب النفط، وأخيرا أن نفهم المسار التاريخي للعبودية كما نشأت في امريكا، حين تم إحضار أول مجموعة من العبيد الأفريقيين إلى المستوطنة الأمريكية الشمالية (جيمستاون) في ولاية (فيرجينيا) عام 1619، للمساعدة في إنتاج المحاصيل المربحة كالتبغ، وأيضا لخدمة السيد الأبيض. وكما انتهت أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بإعلان تحرير العبيد الذي اصدره الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن في 1 يناير 1863.
وكانت المظاهرات التي اندلعت في عدة ولايات ومدن أمريكية، منذ حوالي اسبوع، قد انتهج بعضها العنف والتدمير وتخريب الممتلكات وسرقة بعض المتاجر. مما حدا بالرئيس الامريكي ترامب الي اطلاق عدة تغريدات اتهم فيها المتشددين اليساريين، ومنافسه في الانتخابات الرئاسية القادمة جو بايدن، بتكثيف الفوضي وبث الذعر وتشويه خطاباته الي الشعب الامريكي لمواجهة تداعيات حادثة مقتل فلويد، وضرورة السيطرة على المظاهرات التخريبية.
في الحقيقة، لم تكن حادثة مقتل فلويد الاولى، ولكن نتمنى أن تكون الأخيرة. فمثل هذه الحوادث العرقية، يجب النظر اليها من زاوية مختلفة عن كونها حالة دائمة ضد السود، فهناك العديد من الحوادث التي راح ضحيتها ذوي البشرة البيضاء على يد السود، كما حدث في مدينة دالاس بولاية تكساس حين تم قتل خمس عناصر شرطة من ذوي البشرة البيضاء برصاص قناصة من ذوي البشرة السمراء على خلفية مشاكل عرقية. فهذه الحوادث، رغم تباينها وتفاوتها في الحدية والبشاعة، الا انها نتاج عالق من مخلفات العبودية، ونتاج الإفراط القومي والعرقي الذي تحمله بعض التيارات والتوجهات اليمينية المتطرفة التي لا تشكل أي ثقل سياسي وشعبي كبيرين. فمن يفهم المجتمع الامريكي وحروبه الداخلية، ومشوار العنصرية والتفرقة الطبقية التي لازمت نشوء الولايات المتحدة الامريكية، لا يمكن أن يغفل عن الجهود العظيمة والتاريخية والحضارية والاخلاقية التي وصل اليها الشعب الامريكي اليوم، بعد صراعات ونضالات مدنية وحقوقية للتخلص من العنصرية والطبقية منذ ستينيات القرن العشرين، تلك المرحلة التي حققت أعظم المكاسب السياسية والإجتماعية للسود، وكان مارتن لوثر كينغ الإبن من أبرز الناشطين السياسيين المطالبين بإلغاء التمييز العنصري. وقد تلقى العبيد السابقون حقوقهم الجنسية والحماية المتساوية في الدستور الامريكي في التعديل الرابع عشر عام 1868، وحق التصويت في التعديل الخامس عشر عام 1870.
فمن يراهن اليوم على سقوط الولايات المتحدة الامريكية، أو اشتعالها وخرابها، هو لا يفقه شيئا عن الشعوب الحية. الشعوب التي تخرج بالآلاف بل والملايين في الشوارع والمدن، لتعترض وتتظاهر بشكل سلمي تعبيرا عن حالة غير اخلاقية ومرفوضة بكل المقاييس، ثم ترجع الي أعمالها وهدوءها. من يراهن اليوم على استمرار العنصرية وفشل ترامب، هو لا يفقه في الاقتصاد الأول في العالم، ولا في الدولة التي تخلق سياسات الحرب والسلام، ولا في الدولة التي تحرك اساطيلها لحماية مواطنيها والدفاع عن حلفاؤها. من يراهن اليوم على تراجع الليبرالية والديمقراطية والعلمانية الامريكية، هو لا يعلم ابدا عن الحقائق التاريخية للمجتمع الامريكي، لا يعلم عن تراكم الجهود في مجال الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان ودعم المجتمع المدني، لا يعلم شيئا عن الفردية والاستقلالية الامريكية التي صنعت الابداع والمستحيل وغزو الفضاء. لا يعلم بأن حادثة مقتل فلويد تمثل في أحد جوانبها عمق التحرك المجتمعي الرافض لكل تمييز وتفرقة، والمحارب بشراسة لكل تعدي على الإنسان مهما كان مختلفا. لا يعلم بأن بلد الحريات الأول، وبلد الديمقراطية الأولى، يخرج فيها الانسان للتعبير عن رأيه وهو بحماية الدستور مهما كان معارضا لسياسات حكومته ورئيس بلده.
كما أن هناك أيضا جانب مهم في وصول المظاهرات الي ما هي عليه من عنف وتخريب وسرقات، وهو أولا، التحريض الذي تمارسه الجهات والمنظمات اليمينية المتطرفة لإفشال ترشيح ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية لفترة اربع سنوات قادمة. وثانيا، حالة الشلل السياسي والاجتماعي للشعب الأمريكي بعدما أصابته جائحة كورونا وما أفرزته من تداعيات نفسية واحترازية لا مثيل لها. ونظرا لكون الولايات المتحدة الامريكية، من أكثر المجتمعات التي تأثرت بفايروس كورونا على المستوى الصحي والاقتصادي، خصوصا مع فقدان الامريكيين لمئات الآلاف من الوظائف، وإغلاق الكثير من المصانع والشركات. بالاضافة الي تأثر المجتمع الامريكي بأزمة النفط العالمية، وانكشاف الصراع السياسي والاقتصادي والإعلامي مع الصين. كل هذا زاد من تعقيد الحالة الامريكية التي افرزت تلك المظاهرات العبثية.
إن آلية المجتمع الامريكي تختلف تماما عن بقية المجتمعات الغربية والعربية والاسلامية، نظرا لما تتكون منه من اثنيات وعرقيات وأديان ومهاجرين، اصبح لديهم دولة ودستور ومواطنة كاملة تحميهم وتدافع عن وجودهم وحرياتهم، من خلال وجود مؤسسي وإعلام موجه ولوبيات ضغط ونفوذ لها علاقات مختلفة، تمارس كلها استثمار الاحداث الداخلية والخارجية للضغط على الحكومة الامريكية للإستفادة من البرامج والمشاريع والقوانين لصالحهم، وهو ما يجعل من أكبر حزبين في أمريكا، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، مناطق سياسية واجتماعية واقتصادية لفرض القوة والتأثير وتحريك الرأي العام بحسب الأحداث.
ولعل الدرس الوحيد الذي يمكن أن نستخلصه من حادثة مقتل فلويد، والذي نتمنى أن تستفيد منه مجتمعاتنا العربية والاسلامية، الغارقة في العنصرية السوداء والكراهية العرقية والصراعات المذهبية، هو أن الشعب الامريكي استطاع خلال تاريخه، تجاوز عثراته والالتفات الي المستقبل واعادة بناء الوحدة المدنية بعد كل أزمة. فلا يستمر أي حراك، سواء سلمي أو عنفي، إلا بعد أن يوصل الرسالة المطلوبة، وبعد أن يعاقب المخطئ، وبعد أن يطالب بالتحسينات السياسية والاقتصادية، وبعد أن يحافظ ويحمي التنوع والتعددية وحقوق الانسان من أي ظلم قادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الي عقيل جبار
عبدالعزيز القناعي ( 2020 / 6 / 2 - 14:09 )
تحياتي صديقي وشكرا على قراءة المقال..
نعم لا تزال ثقافة العنصرية أمرا متواجدا لدى الكثير من الشعوب والثقافات والأجناس، ولكن الفرق الجميل، هو أن الشعوب المدنية اكثر قدرة على تجاوز هذه المشكلة من خلال تعزيز القوانين والدفاع عن حقوق الانسان مهما كان مختلفا.


2 - مجرد لمحه
على سالم ( 2020 / 6 / 3 - 02:06 )
الاستاذ عبد العزيز القناعى , تحيه عميقه لك , انا اعلم انك من الكويت الشقيق الذى اكن له احترام كبير , لقد راعنى الاسبوع الماضى خروج امرأه كويتيه على اليوتوب بسلسله فيديوهات جارحه كلها سب واهانه ولعن وشتائم للشعب المصرى واصفه اياه انه من الخدم وهو رخيص وعديم التربيه ويتميز بالعبوديه والذل فى سلوكه , انا لاادرى ماسبب هذه الحمله الشعواء والتى تنضح بالكراهيه والمراره والعداء , الشعوب اكيد غير متساويه فى الارزاق وبحبوحه العيش والموارد الماليه , هى اكيد مستاءه من الجاليه المصريه فى الكويت لانهم كما تقول شعب رخيص فقير عديم الكرامه يتحايل بالرشوه لكى يحصل على فيزا للكويت ويجئ عاله على الكويت ويزاحمهم فى ارزاقهم , حقيقه راعنى كميه الكراهيه والسخط من هذه المرأه الغير سويه , هل المصرى الذى يذهب الى الكويت يذهب بغيه العمل ام للتسكع والنصب والاحتيال ومضايقه اهل الكويت فى ارزاقهم , اذا كان الامر كذلك فيجب على الكويت ان تغلق باب العماله الاجنبيه لكى لاتتضرر من استضافتهم


3 - إلى العزيز علي سالم
عبدالعزيز القناعي ( 2020 / 6 / 3 - 18:38 )
تحياتي لك
اعتذر في البداية عن البعض الذي يسلك سلوكا عدوانيا من منطلقات وطنية. فهو يسيئ أكثر مما ينتقد. للأسف الساحة الكويتية وحتى المصرية اشتعلت بمقاطع مسيئة للطرفين وقودها الكراهية. الشعب المصري شعب كبير له إنجازات لا يمكن اغفالها ابدا وله الكرامة والمحبة. إن كان هناك من يصنع الفتنة فهو لا يمثل إلا نفسه. ففي النهاية نحن مع الإنسانية واحترام الإنسان في كل بلد للعمل أو للحياة.
تحياتي لك

اخر الافلام

.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس


.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع




.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |