الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد السوري بين الانكماش والعافية

عبد اللطيف المنيّر

2006 / 6 / 20
الادارة و الاقتصاد


مازال الصراع الاقتصادي قائما على أشده بين السلطة السورية القابضة عليه من جهة، وحاجات الشعب الأساسية والملحة من جهة أخرى. وربما يفوق هذا الصراع شراسة نظيره الصراع السياسي المستطير. ومن مبدأ سياسة الحزب الواحد، والرئيس الواحد، هناك أيضا سياسة "الاقتصاد الواحد" ضاربة بأحلام وآمال الشعب السوري عرض الحائط، غير آبهة بمعاناته اليومية وعملية إفقاره وقهره على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في آن. فمعدلات البطالة ما زالت في ارتفاع، وفرص العمل في شح مستمر، وهجرة الأيدي العاملة إلى خارج الوطن ما زالت مستمرة ومتصاعدة ابتداء بالهجرة إلى الدول المجاورة من لبنان والأردن، لتتسع الدائرة وتمتد حلقاتها إلى دول الخليج العربي، فأوروبا، والمحظوظين من هؤلاء الأقل حظا يصلون إلى أميركا أو كندا في أحسن الحالات.


ولكي نجد حلا إسعافيا لهذه المعضلة كان لا بد لنا أن نحاول تحديد المرض والذي يكمن في احتكار المشاريع لجهة فئة من أصحاب النفوذ في سوريا ليتم تنفيذها في شركات الدولة مجانا بغية جني الأرباح الخيالية وقطع الطريق على المنافسة الاقتصادية الشريفة. ومع انعدام الرقيب العام والذي يجب أن يكون من أحزاب وهيئات المعارضة المشاركة في منظومة الحكم من خلال البرلمان بما يشكل صماما للمحاسبة والأداء على الحزب الحاكم في أدائه! وفي ظل غياب هذه الآلية الديمقراطية ينعدم الرقيب وتكون البلاد بلا حسيب وبلا قانون ضابط! وبالتالي يكون البرلمان أداة "موافقة" لنهج الفساد والتسيّب الإداري.

وليس من المستهجن الترادف بين السياسة والاقتصاد في السياق العلمي الأكاديمي. إذ من الصعوبة بمكان الفصل بين السياسة والاقتصاد كمنهج موحَّد للرقي المعاشي للشعب أولا، و نهضة الدولة ثانيا. فالسياسة الناجحة في ظل الديمقراطية تؤدي قطعا إلى جاهزية اقتصادية فاعلة ومتفاعلة. وفي غياب هذه المعادلة يبدأ المرض الذي يستشري في جسم الدولة نتيجة لسياساتها القمعية و أدائها الاقتصادي المتهاوي. وهذا ما انعكس سلبا على الأفراد عامة وسبب خللا في نسب الدخول، و أدى تحصيلا إلى هجرة الكفاءات إلى خارج البلد، ودفع بالمستوى المعيشي للمواطن إلى مادون خط الفقر.

لا بد لنا هنا من الإشارة إلى سياسات الانكماش الاقتصادي، وإغلاق الأبواب أمام المنافسات التجارية الحرة وحركة الاستيراد، وإفراغ الجيوب من السيولة المادية من خلال بدعة شركات القطاع المشترك، وتشجيع السوق السوداء وتهريب البضائع من قبل المتنفذين في الحزب وأفراد الأسرة الحاكمة، مما قطع الطريق على مداخيل وعائدات للخزينة السورية من رسوم جمركية وضرائب الاستيراد.

ولن ننسى سياسة البزخ الإداري الملفتة للنظر، من السيارات الفاخرة لموظفي الدولة - دولة المواجهة والصمود- و كذلك لأجهزة الأمن والمرافقة والحراسة ، هذه الرفاهية المعدومة حتى في الدول الغنية! ناهيك عن سياسة التسلح لخدمة الجبهة الأكثر هدوءا مع اسرائيل! وصفقات الأسلحة وعقود بيع النفط والتي هي حكرا وحصرا في أيدي الاسرة الحاكمة، وتسخير الجيش العربي السوري لبناء القصور والمزارع وإنشاء الطرقات الخاصة لهم, والاستفادة من مواد البناء المخصصة للجيش واستغلالها في منافع خاصة. كل هذا قد أثقل ميزانية الدولة وحمّلها عبئا كانت بغنى عنه. ونعود ونقول كل هذا تم من خلال غياب الرقابة في منظومة مفترضة لآليات الديمقراطية المبتغاة!

إن ظاهرة هجرة الأيدي العاملة إلى خارج البلد هربا من استغلالها في العمل بأرخص الأجور تحت ضغط الحاجة والفقر وفي ظل شروط مجحفة وظروف معيشية سيئة، أفقدت السوق دخولا عادلة للعمال، كما أسلفت سابقا. وفي انعدام التوازن والتطوير في النظام التعليمي وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية والبحوث، ومع انعدام تقدير العلم والعلماء كانت هناك هجرة أخطر وأشد وطأة على الاقتصاد الوطني وهي هجرة العقول وأدمغة إلى الخارج بحثا عن فرص عادلة وبيئات متقدمة وعصرية يوظفون فيها خبراتهم ويضمنون بالمقابل حياة كريمة مستقرة لهم ولأسرهم ، ليضٌيع البلد مرة أخرى فرصة استغلال هذه الطاقة العظيمة من خبرات شبابه وطاقات أبنائه.

والسؤال الملح الآن: كيف يمكن معالجة تهاوي الاقتصاد وانخفاض المداخيل للمواطن والانكماش الاقتصادي العام؟ بل كيف يمكن وقف نزيف العقول والخبرات والأيدي العاملة وتوظيفها في استثمارات تعيد للوطن والاقتصاد السوري عافيته وتستقطب الاستثمارات بعائداتها إلى الخزينة السورية؟

لا ندعي هنا القدرة السحرية على إيجاد الحلول بل نستطيع أن نشير إلى بعض من رؤى من أجل تسوية هذا الوضع الرجراج بتحرير الاقتصاد، وخلق الفرص والمنافسة التجارية الشريفة، والاهتمام بمشاريع التحديث في البنية التحية والمرافق العامة والسياحية منها من خلال إنشاء شبكة طرق تضع سوريا على خارطة طرق المواصلات الدولية، ما يخلق مداخيل وعائدات مرور لقوافل الشحن العابرة عبر الأراضي السورية، وإنشاء المشاريع التنموية في كافة المدن والقرى السورية ما يخفف العبء على المدن الكبرى ويخلق فرص عمل للمواطن في مدينتة ويحمي البيئة من خطر التلوث من عادمات وسائل النقل في حركة المواطن من وإلى المدن الرئيسية ، كذلك التوزيع العادل للثروة الوطنية حيث الدخل القومي في دول الغرب يوظف لرفاهية المواطن، وبالتالي ينعكس مجدا وقوة لهذه البلاد، بينما في بلادنا تتركز الثروات الوطنية بأيدي رجال الفئة الحاكمة و تستخدم أداة للقمع وتمكين بقاء فئة بعينها في سدة الحكم، وبالتالي ينعكس ضعفا وتأخرا وفقرا لسوريا، ولن ننسى ضرورة رفع معدلات الرواتب لوقف نزيف الهجرة الى خارج الوطن، واعتماد آلية اقتصاد السوق المفتوح، والإفادة من الطاقات البشرية للشخصية السورية الفاعلة والمنتجة ، وكل هذا يأتي في ظل تمكين الديمقراطية في ظل سياسة انفتاح سياسي واقتصادي عادلة ومقوننة .. فهل يدرك المواطن السوري هذه المعادلة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده


.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال




.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.


.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي




.. هل تستثمر في حقيبة -هيرميس- الفاخرة أفضل من الذهب؟