الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تداعيات الحجر المنزلي

محمد عبد حسن

2020 / 6 / 3
الادب والفن


الحجر المنزلي، في قراءات المكان، هو مكان بين المغلق والمفتوح.. يأخذ من كل منها بعضًا من خصائصه. ربما تستطيع، وأنت فيه، التعرف على كل موجودات مكانك المغلق، وهو هنا البيت، رؤيتها كما لم ترها من قبل.. أنت الذي تبدو ضيفًا أو نزيلًا فيه أكثر منك صاحبًا.. تأخذ الوظيفة، التي تعيش من دخلها، نهارك تاركة لك حيّزً ضيّقًا للمناورة بين تفقّد المكان ورصد تغييراته.. وبين التزامات أخرى كثيرة كنت، على الدوام، تؤجل الكثير منها.
وإذ يتيح لك البقاء، مكرهًا، في المنزل إنجاز كل مشاريعك المؤجلة.. بل واستحداث أخرى لم تكن ترى لها ضرورة؛ يسرق منك في الوقت ذاته استمتاعك بالتواجد في المكان ورصد كل ما له علاقة به، خصوصًا أولئك الذين بغيابهم يفقد المكان بعضًا من ملامحه.
(أم صافي).. ممّنْ أفقدنيهم الحجر المنزلي: بتداعيها الحر.. وانتقالاتها غير المتوقعة وهي تسرد، كل مرة بشكل، أحداث الكوميديا السوداء لعالمها.. وعالمنا.
لم تتخلف يومًا عن موعدها اليومي في الحضور إلى مديرية شهداء البصرة قاطعة طريقها الطويل من "المكان الذي يصرخون فيه"(*)، كما تقول، إلى العشار. لا أعرف كيف تصل.. ولا كيف تذهب. إلا أنّ الكثيرين ممّن رأوها يقولون أنها تمشي يوميًا كل هذا الطريق.. وغيره، لها خرائطها.. وطرقها التي تحب.
ترى.. كيف ألفَتْ (أم صافي) مكانها المعروف في مديرية شهداء البصرة؟ بل كيف وجدته واتخذته مقرًا لسرد حكاياتها المتداخلة رافضة التخلي عنه لأي أحد آخر؟!
هي لا تعرف، ما يسميه صديقي الناقد والشاعر مقداد مسعود، تدوير السرد.. ولكنها تجيده! كنت أتابعها معلّقًا أذني على الشباك المقابل لها حيث تجلس، فيما جسدي هناك: في الغرفة القريبة، أحتضن وجهي بكفيّ.. وأغمض عينيّ لأتابع انتقالاتها بين (التجاوز) على بيتها المزدحم، في كل وقت، بصراخ المفجوعين.. خوفها من أنْ يقطع عنها راتب الرعاية الذي لا تملكه.. حذرها من النساء المتجمهرات حولها وهنّ يبيّتن، كما ترى، نية اختطاف زوجها الذي اختفى، في ظرف ما، ولم تره.
(أم صافي) تريد (سامعًا منتجًا) يعيد بعثرة حكاياتها ومن ثم فرزها وتجميعها.. سامعًا متسلّحًا بتاريخ طويل من عذابات أفرزتها، وتفرزها الآن، سلطات القمع المتعاقبة.
ترى هل تستطيع (أم صافي) البقاء في الحجر الاختياري والتنازل عن مشوارها اليومي الطويل إلى مديرية شهداء البصرة إضافة إلى طرق أخرى لا يعرفها غيرها! هل ستبقى كل هذا الوقت قريبًا من المكان "الذي يصرخون فيه" وهي التي كانت تهرب منه منذ الصباح؟
(أم صافي)، بتواجدها الدائم معنا، أصبحت تعرفنا.. تتفقد الغائبين، تسأل عنهم.. وتبادرنا بالحديث كلما رأتنا في شوارع المدينة.
أتذكّر مرة وقوفها عند الشباك. في الخارج: كان المطر يسيل على الطرقات والأبنية.. وعلى زجاج النافذة التي تطلّ منها. كنتُ قريبًا بما يكفي لأسمعها تقول: "هاي البناية شگبرها.. وما خرّتْ، وأنا حاطّه چينكوات على راسي وكل ساع يخرّن".
-------------------------------------------------------------------
(1): مستشفى الطب العدلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا