الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم من دون حدود في رواية مخيم المواركة

ميرنا ريمون الشويري

2020 / 6 / 3
الادب والفن


شوهت الحدود الإنسانية لأنها أدًت إلى تصادم بين الحضارات وصراعات بين جماعات لديها معتقدات مختلفة. ربما لهذا السبب أطلقت الدول الإمبريالية الأدب الإستعماري الذي يعزز سلطتها من خلال فرض الكثير من الحواجز. ولكن صوت آخر حاول أن يتصدى لمقولات الأدب الأمبريالي وهو الأدب الما بعد الكولونيالي الذي حاول رواده تفكيك الحواجز لتخليص العالم من نتائجها. لذلك، هؤلاء الكتّاب يعتبرون بناة جسور ومنهم الروائي العراقي جابر خليفة جابر الذي حاول في روايته مخيم المواركة أن يفكك الكثير من الحواجز بين الأقطاب الثنائية: الشرق – الغرب ، المستعمَر - المستعمِر، الواقع – الخيال، االذكر – الأنثى، المسيحي – المسلم، المغرب – المشرق.
لقد خلق جابر في روايته عالماً من دون حدود وأطلق قيما جديدة ربما تكون حلولاً للتصادمات المذكورة. الحدود الأول الذي يفككه جابر هو بين الشرق والغرب. فهو يروي قصصاً حدثت في مملكة القشتاليين حيث عاش الموريسكييون وهم اسبانيون ولكن مسلمون تحت حكم القشاتلة المستبدين و لقد كانوا يمارسون معتقداتهم الدينية بالسر حتى لا يقتلوا ويرمون في البحر.
لقد اختار جابر في عمله هذا فترةً عندما لم يكن هنالك حدوداً بين المسلمين والمسيحيين واليهود. من الممكن أن الروائي اختار هذه المرحلة لينقذ الإسلام من صورته المشوّهة في الغرب التي أدّت إلى ظاهرة إسلاموفوبيا لأن الإسلام كما يشرح المفكر الراحل إدوار سعيد في كتابه تغطية الإسلام يعتبر غير متحضر: "كمعظم العالم البوستكوليتالي، الإسلام يعتبر لا ينتمي إلى أوروبا ولا إلى اليابان ولا إلى أي دولة صناعية متطورة. أي أن الإسلام يحتاج إلى التمدن." ((Said,Iii
ولكن جابر في روايته يروي بأن إحدى أوامر المسلمين لجنودهم أن لا يقطعوا شجرة أو يقتلوا إمرأة بعكس القشتاليين الذين أمروا بإغلاق الكثير من الحمّامات العامة وختموها برمز الصليب حتى يمنعوا المورسكيين من الصلاة وهذا يدل على أن الإرهاب غير متصل بالإسلام أو بأي دين آخر. ويلجأ الروائي إلى تقنية أخرى ليؤكد رسالة السلام في الإسلام وهي ظاهرة تربية الحمام بين المسلمين في تلك الفترة. ومقولته هذه تفكك الصور المشوهة في الإسلام. فيقول Merdith Jones إن المستشرقين في العصور الوسطى وصفوا المسلمين بأنهم: "الأشرار، الذين يمضوا وقتهم بالشتم والسخرية من المسيح وهدم الكنائس، بأنهم أولاد الشر ويشبهون المسخ)"(Oueijan, 204
ويشرح سعيد بأن الإسلام حول إلى آخر بسبب خوف أوروبا من سلطة الإسلام العسكرية ولكن جابر يؤكد بأن المسيحية ولدت من رحم الإسلام، والإسلام ولد من رحم المسيحية:
ولدت الكاتدرائية الأكبر في العالم الكاثوليكي كاتدرائية إشبيلية أو كاتدرائية سيفيا ولدت من رحم مسجد عناق وأمومة، هكذا نقرؤها نحن في خيمة مدريد، ولنا أن نهمس بها في أذن المدينة العاصمة مدريد.. ثمة مسجد في اسطنبول،المسجد الاعظم، انجبته كنيسة أيضا، كنيسة أيا صوفيا، بعضنا انجب بعضا"، كلنا للسماء."( 92Jaber,)
يحاول جابر ان يفكك حاجز آخر في روايته وهو ذلك الذي يفصل الماضي عن الحاضر عندما يقول ان عمار اشبيليو، مورسكي، أرسل له على ايميله قصصا" رويت في مخيم المواركة . هذه القصص تعطي صوتا" لمجموعة لاصوت لها في التاريخ.
مع أنّ الروائي يصف الكثير من الاحداث التاريخية التي حدثت في ذلك الوقت إلّا أنّ مخيم المواركة ليس حقيقيا" بل عالم وهمي بحيث أنّ كل خيمة ترمز إلى منطقة في اسبانيا . لربما مزج الروائي الخيال بالواقع ليخلق تاريخا" لمجموعة مظلومة ولكن من عدّة اصوات بعكس التاريخ المكتوب بصوت واحد : السلطات الامبريالة.
ولربما لجأ الكاتب الى الخيال ليشير الى الاكاذيب التي لفقت بواسطة الباحثين الكولونيالين.
وبهذه الطريقة، يفكك الروائي إحدى تقنيات الكولوناليين وهي كما يشرح بول غيلروي بأن المستعمرين يخبرون الأحداث التاريخية بطريقة تعزز بأن المستعمَرين عبيد.
يفكك الروائي من خلال القصص التي يخبرها "الّاخر" الذي تشكل في الغرب من خلال المنطق الغربي الواحد. للأسف، الغرب حوّل أي ثقافة مختلفة عنه إلى آخر لأن "كل ما يعرفه الغربيين في عصر التنوير عن آسيا هو من خلال الإرساليات والجنود" (17، سارتر)، ولكن جابر يخبر قصص مسلمين ولكن إسبان، وهكذا يفكك من خلال الهجانة مقولة السلالة الصافية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الروائي يفكك "الآخر" في الأدب الإستعماري لأن المستعمر في الادب الكولونيالي يُصنّف كمجهول لا صوت له، ولكن عمل جابر لا يعتبر المسلم ولا المسيحي كآخر:
كان منظر الصغار مفزعاً يفطر القلب، وقد أكّد أهل القرية أنّ العديد من المسيحيين الحاضرين بكوا، وكانوا يمسحون دموعهم لئلا يراهم أحد، صرخت أم الصبيين أحمد وجعفر حين باشروا كيّ ولدها جعفر، صرخت من أعماق قلبها وسقطت، فهب الجنود إليها وسحلوها، لكن القس منع إلقاءها بالنار، قائلاً يجب عرضها على الديوان المقدس. (Jaber, 71)
الكثير من الباحثين حاولوا تحويل الشرق إلى آخر من خلال جنسانيته. بالنسبة لسعيد، ان جنسانية الشرق ايديولوجية عواميدها قصص عن الحريم بالشرق واهمها هي قصص شهرزاد و التي جذبت الغرب بقصصها التي تزخم بالاثارة. ربما لذلك إختار جابر أن يكتب روايته بطريقة قصص قصيرة، لأنّه بهذه الطريقة يفكك القصص الإيروتيكية عن الشرق.
إنّ جنسانية الشرق حوّلت الشرق الى أنثى و الغرب الى ذكر. يشرح Eric Mayer أن قصص بايرون ترتكز على الحريم و صورة المرأة المسلمة المحجّبة والتي تركع امام الغرب الذكر والإستعماري. ويعتمد ماير على نظرية فوكو للسلطة و الجنسانية ليؤكد بأنّ الغرب حوّل نفسه إلى ذكر والشرق إلى أنثى. ولكن رواية جابر تصور الشرق والغرب من دون جنس. وهكذا يحول العالم إلى أندراجنس (Androgenous) والتي تعرّف على الشكل التالي: "إنها الحالة الفردية التي لا يختار فيها الفرد أن يكون ذكراً أو أنثى. وهذه الفئة من الناس يهشمون لأنهم يهددون الأقطاب الثنائية في المجتمح حيث يجب أن يختار المرء أن يكون ذكراً أو أنثى (Krishnorj, 11).
يحاول الكاتب أيضاً أن يفكك الحدود الذي يرسمه المستشرقين بين الشرق والغرب. فسعيد يشرح بأن الإستشراق أيدولوجية تعتمد على مقولات كاذبة تهدف إلى خلق حدود بين الشرق والغرب. وهذه الأقطاب الثنائية تفرض على كل مجالات المعرفة لذلك "فإن عدداً كبيراً من الكتاب، والشعراء، والروائيين، والفلاسفة، والمنظرين السياسيين والإقتصاديين، والمديرين الإمبرياليين تقبّلوا تقسيم العالم إلى شرق وغرب. وهم يعتمدون على هذا التقسيم كنقطة انطلاق لشرحهم النظريات، والملحمات والنصوص السياسية والإجتماعية للمشرق" ( Said, II).
بعكس سعيد الذي لم يُشر إلى مستشرق واحد صادق فإن جابر يستعمل إحدى شخصياته في الرواية وهو بيتر باستن ليوضح بأن بعض المستشرقين صادقين وهو بهذه الطريقة أيضاً يفكك الحواجز بين الشرق والغرب. فبيتر باستن، مستشرق هولندي، ولكنه على علاقة وثيقة بالمسلمين وهو يشبه المستشرقة ليدي ماري مونتكيو وهي كانت زوجة قنصل بريطاني في تركيا. وهذا ما سمح لها أن تدخل إلى الحرم، وكتبت تقارير صادقة عن استقلالية المرأة المسلمة في ذلك الوقت.
إن رواية مخيم المواركة جسر بين الكثير من الأقطاب الثنائية. وبالفعل، الروائي جابر من البنّائين للجسور الثقافية الذي يؤكد على أن التسامح وتقبل الآخر هما الوسيلتان لحل كل الخلافات بين الشرق والغرب وروايته تبرهن بأن كل أنواع الراديكلية تشوه الشرق والغرب. لذلك فإن روايته تمهد الطريق إلى إنسانية أكثر عدالة في المستقبل.

















References

Alloula, M. (1986). The colonial harem. (M. Godzich & W. Godzich, trans.). Minneapolis: U of Minnesota.
Behdad, A. (1989). The eroticized Orient: Images of the harem in Montesquieu and his precursors. Stanford French Review, 13, 109-126.
Celik, Z. (1996). Colonialism, Orientalism and the canon. The Art Bulletin 78:2, 202-205.
Cross, J.D. (2001). Byron: The erotic liberal. New York: Rowman & Littlefield Publishers.
Fanon, F. (1963). The wretched of the Earth. London: Penguin Books (First published in 1961, this edition was published in 1963).
Jabir, J.K. (2017). The camp of Al-Morca. Pittsburgh: Rose Dog Books.
Jones, M. (1942). The convention Saracen in the Songs of Geste. Speculum, 7:2, 201-225.
Krishnaraj, M. (1996). Androgyny: An alternative to gender polarity. Economic and Political Weekly Stable, 31: 9-14.
Meyer, E. (1991). I know thee not, I loathe thy race: Romantic Orientalism in the eye of the other. ELH, 58:3, 657-699.
Montagu, L. M. W. (1994). The Turkish embassy letters. (A. Desai, trans.). London: Virago Press.
Oueijan, N.B. (2006). Sexualizing the Orient. Prism(s): Essays in Romanticism, 7-25.
Said, E. (1979). Orientalism. New York: Vintage–Random.
_____ . (1997). Uncovering Islam. New York: Vintage Books.
Sartre, J.P. (1999). Reflections on the Jewish question: A lecture. Cambridge: MIT Press (First published in 1946, this edition was published in 1999).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تتحدثين باعجاب عن رواية طائفية
حسين مرّان ( 2020 / 6 / 3 - 19:36 )
هذه رواية عرفناها منحازة طائفيا فاي تفكيك للتناقضات الكولنيالية تتحدثين عنه وهي ايضاً معززة بالاكاذيب لماذا هذا التلفيق والغش؟

اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??