الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبتعث السعودي والشرنقة

لطيفة الشعلان

2006 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



الجانب الثقافي هو الذي لانعرفه حتى الآن من قصة البعثات التعليمية السعودية لأميركا وأوربا أو هو الجانب الذي لم يرو بعد. فمن أراد مثلا معلومات احصائية تتعلق بأعداد المبتعثين طوال الحقب الماضية وتخصصاتهم وجهات ابتعاثهم والجامعات المبتعثين لها والدرجات العلمية التي حصلوا عليها .. الخ فسيجد مراده بقليل من البحث والتقصي. فعدد كبير من المتخصصين السعوديين في الطب والعلوم واللغة والآداب والمناهج التربوية قد حازوا شهاداتهم من جامعات أجنبية من خلال سياسة الابتعاث وعادوا ليساهموا من مواقعهم في دفع عجلة التنمية بوجه عام. لكن ما لانعرفه حتى الآن على نحو دقيق هو التاثير الرديف للتعلم المباشر، واقصد به التأثير الثقافي الذي أحدثته في نفوس وعقليات المبتعثين السعوديين تجربة الاحتكاك بمجتمعات حداثية بما فيها من أنظمة تربوية واجتماعية وسياسية، وكيفية استيعابهم لهذا التأثير، والتعامل معه، ونقله فيما بعد معهم، والإضافة له من خلفياتهم ومرجعياتهم الثقافية بحيث يكون تأثيرا موجبا وتفاعليا لا فاعلا وحسب.
من المهم في هذا السياق التأكيد على أن الابتعاث ليس تاريخا واحدا والمبتعثين ليسوا كتلة متجانسة. فرغم الفروقات الشخصية فبيت القصيد ان الأفواج الحديثة من المبتعثين يختلفون كليا من ناحية طرائق العيش والاندماج والتفاعل الحضاري عن أوائل البعثات في الستينيات والسبعينات من القرن المنصرم، ففكر الصحوة بلا شك قد فعل فعله.
نسمع الكثير ممن أبتعثوا أو عاصروا البعثات الأولى، كيف عاشوا وكيف تفاعلوا وماذا تعلموا وكيف عادوا، وبالمصادفة المحضة فبين يدي الآن (الغربة الثانية) لعبدالله المعجل (دار الساقي،2005 ) الذي توفي قبل أن يتمها فقامت عليها أبنة أخته سعاد المعجل، الرواية بسيطة وأقل من مستوى روايته الأولى (الغربة الأولى)، وإن كان فيها من حسنة فهي تصوير حياة فئة من المبتعثين السعوديين إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال الستينيات مع أنه كان تصويرا سحطيا عجولا لازم القشور أكثر من ملازمته للبواطن. لكن الوضع على أي حال سيكون كاريكاتيريا ومثقلا بالترميزات الثقافية لو وضعنا في مقابل صورة هؤلاء المبتعثين الذين صورهم عبدالله وسعاد منخرطين في الحياة الأميركية ومهتمين بمناضلي منظمة الفهود السود ! صورة مبتعثين آخرين لبريطانيا عرفتهم في أواخر التسعينيات لايعرفون شيئا عن الشأن البريطاني ولا يصادقون البريطانيين لأسباب متشابكة، الولاء والبراء على رأسها، ويتكدسون وعائلاتهم في مدن وجامعات بعينها ناقلين معهم كامل الطابع السعودي، ومشكلين صداقات مغلقة لايدخلها غيرهم، حتى الخليجيون الآخرون الأكثر تفتحا لايمكنهم في كل الأحوال كسر هذا الطوق من العزلة الذي يفرضه السعودي على نفسه وعائلته. أما العرب الآخرون فانس أمرهم ! ذلك أن المحافظة بازاء الانفتاح، والمغالاة في اظهار خصوصية متصلبة خاصة فيما يتعلق بموضوع المرأة والأسرة، تبدو قضية مصيرية للمبتعثين المتأخرين. فأحدهم يمضي اليوم مع أسرته وأولاده ما بين ثلاث إلى ست سنوات أو أكثر في لندن على سبيل المثال وهو من بيته إلى الجامعة، ومن بيته إلى بيت زميله السعودي ليستمتع الرجال بالشواء في الحديقة والنساء بالحديث في الصالون الصغير، ومن بيته إلى ساوث هول (حي تجاري هندي) ليشتري حاجياته من اللحم الحلال والبهارات والتمر والفول، وانتهى الأمر. عملية انكباب على البحث والدرس بممارسة طريقة من العيش الشرنقي (من شرنقة) أو الهامشي أو اللامنخرط أو اللامتفاعل مع الحياة خارج أسوار الجامعة، فكثيرون من الطلبة السعوديين أقاموا لسنوات في بريطانيا ثم تركوها من دون أن يحضروا مسرحية أو معرضا فنيا أو يشاركوا في نشاط محلي أو يعرفوا شيئا من نظامها السياسي أوقوانينها وتشريعاتها ولا حتى تلك الكفيلة باستفادتهم أو حمايتهم.
أعرف زوجات مبتعثين أمضين السنوات لايفعلن شيئا سوى التجمع مع بعضهن وتناول شاي الضحى كما لوكن في الرياض من دون أن تعرف الواحدة منهن كيف تذهب للسوبرماركت من دون رفقة زوجها، أو كيف ترد على مندوبة المبيعات التي تدق جرس الباب. لذلك فمن الشائع أن يتعرض السعودي وعائلته ممن لايمثلون هذا النمط ولا ينخرطون فيه وهم قلة قليلة لإبعاد متواطأ عليه، وهم غير الراغبين أصلا في الاندماج في نموذج مبالغ في الإنكفاء على نفسه، بل كانت الطرفة حين أسرت لي واحدة بأن زوجها كان في الرياض أكثر مرونة وليونة مما أصبح عليه في مانشستر !
لقد أصبح من الضروري تقييم تجربة الملحقيات الثقافية وأندية الطلاب السعوديين وكافة النشاطات الطلابية في الخارج التي يطغى عليها الطابع المحلي الخالص.فإلى جانب شيء من الهوية الخصوصية يجب تهيئة المبتعث ودفعه إلى أن يكون جزءا طبيعيا من مجتمعه الجديد ، عارفا به، ومتفاعلا معه. إن فلسفة الابتعاث لاتقوم أو لايجب أن تقوم على التحصيل المجرد من دون التفاعل الانساني مع الثقافة الحديدة، فمع الثورة الكونية في قنوات الاتصال أصبح اكتساب العلم من مصادره ممكنا من دون سفر، لكن التغيرات الحقيقية في البنية المعرفية لا تحدث إلا بالدخول في تجربة التعايش المباشر مع الحضارة الأخرى.
ترى أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات يمثلون من الناحية العلمية المحضة نخبة ممتازة، ولكن الأمر مع كثير منهم لايتجاوز ذلك. يحدث أن تصطدم بشخص من أكثر الناس بعدا عن التسامح وتمثيلا للفكر البائد وتشبثا بالعادات المتخلفة فيأتيك من يقول لك متهكما متعجبا: هذا صاحبك خريج جامعات أميركا! في عملك تزامل أناسا لايعرفون شيئا من قيم العمل كاحترام الوقت والمثابرة والانتاجية والموضوعية مع أنهم قد تعلموا في أكثر البيئات انضباطا وحرصا على العمل وأخلاقياته. وقد تعمل تحت إمرة رؤساء يحكّمون العصبيات الطائفية والمناطقية في ترقياتهم لموظفيهم أو في إسناد المهمات لهم إعمالا بالمبدأ القبلي الخالد: تقريب أهل الثقة لا الكفاءة، مع أن هؤلاء المديرين المبجلين من خريجي الجامعات الأميركية أو الأوروبية. صفوة القول انهم اكتسبوا من بعثاتهم الشرنقية معلومات ومعارف حديثة لكنهم عادوا لوطنهم بلا حداثة.
تذكر ان السير الذاتية لنفر من أشهر الأطباء النفسيين السعوديين ممن حولتهم الفضائيات إلى نجوم بالمقاييس التسويقية تشير إلى أعلى الدرجات العلمية من أرقى الجامعات الغربية، إضافة إلى العضوية في عدة جمعيات علمية أميركية وكندية وبريطانية، لكن أنظر في خزعبلاتهم وتدليسهم على الناس في برامجهم وندواتهم وكتبهم وخلطهم العلم بالخرافات الشعبية واعتقادات الجهلة ثم اشكر الله أنه لم يخلقك طبيبا نفسيا سعوديا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات