الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خريف الأخطبوط ... رامي مخلوف

فيصل عباس محمد

2020 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بين بكائية أخطبوط الاقتصاد السوري رامي مخلوف وبراثن لبوة القصر الجمهوري أسماء الأخرس، عقيلة رأس النظام السوري بشار الأسد تتبدى مشاهد دراماتيكية لآخر فصل في المواجهة بين الأخطبوط واللبوة، وهو بالتأكيد ليس صراعا بين شخصين فحسب، بل هو صراع أكثر تعقيدا بين قطبين يشمل كل منهما عدة أطراف تتقاطع مصالحها بدرجة أو بأخرى.
رامي مخلوف
حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الاستبداد السوري عام 2011 كان رامي قد وصل إلى مرتبة الإمبراطور غير المتوج لمنظومة الفساد السوري، وكان يسيطر على 60 إلى 70 % من الاقتصاد السوري ... بما فيه جانبه المظلم: التهريب، وقُدِّرَتْ ثروته آنذاك ب 5 مليارات دولار.
أدرك مخلوف منذ بداية الاحتجاجات أن مصيره ومصير إمبراطوريته مرتبطين باستمرار النظام، فوقف إلى جانبه بقوته المالية، وفي أوج نفوذه كان يمول عشرين ألف مقاتل من القوات "الرديفة" للنظام بما فيها قوات العميد سهيل الحسن "النمر"، وشملتْ أيضا أربع مئة مقاتل كانوا يمثلون الذراع العسكرية لجمعية البستان "الخيرية" التي أسسها رامي في عام 1999 والتي تنامى دورها كثيرا في صراع النظام مع الفصائل المسلحة، وكانتْ تقدّم المساعدات لعائلات الجنود والضباط الذين سقطوا في هذه الحرب التي زجهم بها النظام ليدافع عن وجوده.
وفي شهرأيلول 2019 بدأ الانقضاض على إمبراطورية رامي حين بَسَطَتْ أسماء الأخرس سيطرتها على جمعية البستان، وأصبحتْ الجمعية تُدار من قِبل موظفين يدينون لها بالولاء، ثم تتالتْ فصول هذا الاجتياح لإمبراطوريته في خريف عام 2019، واستمرت إلى أن تم توجيه الضربة القاضية في 19 أيار 2020 بوضع النظام يده على ممتلكات وأصول رامي وزوجته أبنائه.
كانت هذه الحملة ضد رامي تجري عموما بصمت إلى أن قام هو بإخراجها للعلن من خلال ثلاثة مقاطع مصوّرة (فيديو) نشرها على حسابه في الفيسبوك (30 نيسان، 3 أيار و17 أيار 2020)، وتأرجحتْ لهجتُه فيها ما بين محاولات استعطاف ابن عمته بشار الأسد وتحذيره من مغبة الاستمرار في استهدافه واستهداف مصالحه وبين إبداء استعداده للتفاهم والمساومة عله ينقذ بعضا من إمبراطوريته، ولكن هذه المحاولات اليائسة التي لجأ إليها بعد الرفض المتكرر لبشارللاجتماع به والإصغاء "لشكواه" لم تثمر بنتيجة، كما أن مراهنته على استثارة رد فعل في صفوف مؤيديه في مناطق سيطرة النظام و"حاضنته الشعبية" تبدو خاسرة في ضوء التجاوب المحدود حتى الآن.
أسماء الأخرس
حتى شهر شباط 2016 كانت أسماء مهيضة الجناح ومُحَجَّمة من قِبل حماتها أنيسة مخلوف التي كانتْ عمليا تمسك بزمام السلطة مع أخيها محمد مخلوف – والد رامي – منذ وفاة زوجها حافظ الأسد عام 2000 وتوريث الرئاسة لابنه بشار، وكانتْ أنيسة تَحُدُّ كثيرا من نفوذ أسماء ومن نشاطاتها الرسمية، بل وكانت تمنع وسائل الإعلام السورية من وصف اسماء ب"السيدة الأولى" وتتمسك بهذا اللقب كحق حصري لها فقط.
منذ وفاة أنيسة طفقتْ أسماء تبني نفوذها ومكانتها وتفتح أبواب الفرص لأقربائها ومنهم عمها طريف الأخرس وشقيقها فراس وابن خالتها مهند الدباغ، وهذه الحملة كان لابد لها أن تصطدم بمصالح إمبراطور الفساد رامي.
بشار الأسد
في خضم جهودها لحصد نتائج تدخلها لإنقاذ النظام ... وإنقاذ مصالحها الاستراتيجية في سوريا عمدتْ روسيا إلى زيادة الضغوط على بشار الأسد منذ آب 2019، وكانتْ تسعى لإفهامه أن زمن المساعدات شبه المجانية قد ولى إلى غير رجعة باندثار النظام السوفييتي، وأخذتْ تطالبه بدفع ديونه لروسيا وقدرها ثلاثة مليارات دولار، وأشارتْ على الرئيس ذي الخزينة المفلسة (طبعا لا أحد يتناول ثروته الشخصية المقدّرة بالمليارات) بالإيعاز إلى رامي بتسديد الفاتورة نيابة عن النظام، الأمر الذي رفضه رامي، وبرفضه هذا أساء التقدير، ولم يدر أنه بتحدي سلطة بشار كان يمنحه الفرصة للقضاء عليه كمنافس محتمل يمتلك ثروة يسيل لها لعاب بشار و"قطبه"، ويعطيه الذريعة لكي يستبدله بواجهة جديدة لمصالحه المالية والتجارية – ومصالح أخيه ماهر وزوجته أسماء – واجهة تضم وجوها مطيعة وضعيفة سياسيا، منها أقارب أسماء ومنها ايضا شخصيات أخرى مثل طارق خضر وسامر فوز (وهما وجهان جديدان) ومحمد حمشو (المخضرم)، ومن جهة أخرى يهدف بشار- بإزاحة رامي رجل إيران - إلى إرضاء حليفه الروسي الذي بدأ أيضا يضيق ذرعا بتعنت الأسد حيال الحل السياسي للأزمة السورية ووضع العصي في عجلة أعمال "اللجنة الدستورية".
ماهر الأسد
ماهر، الشخص الثاني في النظام السوري وقائد الفرقة الرابعة، لم يكن أيضا مرتاحا لصعود نجم رامي، بل إنه كان مستاءا قبل ذلك من تعاظم نفوذ خاله محمد مخلوف (والد رامي) قبل أن يتغير موازين القوى بوفاة أنيسة، والدة ماهر، وابتعاد أخيها محمد عن الحلبة نتيجة تدهور صحته، ففي نظام الاستبداد تُشكّل الرؤوس الكبيرة حالة تنافسية غير مرغوبة، ومن الناحية العسكرية لم يكن ماهر راضيا عن وجود تشكيل عسكري خارج سلطة الجيش يموله رامي ويدربه الضباط الإيرانيون ويسيطرون عليه، وكان تحجيم رامي وإزاحته من مصلحة ماهر الذي كان يدعم –بصمت عموما - أخاه بشار وزوجة أخيه أسماء في مواجهتهما مع رامي، ولم يخرج عن هذا الصمت إلا مؤخرا في تعليق على تسجيلات رامي نشره على موقعه غير الرسمي على الفيسبوك ليؤكد أن رامي "لن يخيف الرئيس بشار" بهذه التسجيلات.
روسيا
منذ عامين تفاقم الصراع على النفوذ في سوريا بين روسيا وإيران رغم تحالفهما المعلن ، وكان رامي من أبرز حلفاء إيران، ولم يتورع أيمن جابر وأخوه محمد (وهما حليفان محليان لرامي) عن قصف القاعدة الروسية في مطار حميميم على الساحل السوري، هذا القصف الذي نفذته الميليشيات التابعة لهما وهي متمركزة في قرية بستان الباشا معقل آل مخلوف، وهذا أمر لم تغفره روسيا، وهي نفس الطرف الذي حرص على دمج قوات "النمر" في الحيش السوري تحت اسم الفرقة 25 وبإشراف وتدريب الضباط الروس، وتحجيم رامي يعني بالنسبة للروس حرمان إيران من حليف سوري مهم، ومن اللافت أن عناصر من الشرطة العسكرية رافقت دوريات الأمن السورية حين ألقت القبض على 60 من الموظفين الإداريين التابعين لمؤسسات رامي، وذلك في أعقاب نشر تسجيله الثاني (3 أيار).
إيران
قامت إيران بتدريب قوات "صقور الصحراء" "مغاوير البحر" التي كان يمولها الأخوان جابر، وشمل التدريب استعمال الطائرات المُسَيَّرة، وبالفعل تم استخدام هذه المسّيرات في استهداف القوات الروسية في مطار حميميم، كما أشرنا سابقا، ولكن إيران بدأت تفقد أوراقا سورية مهمة ومنها دمج هذه القوات في الفيلق الخامس بدءا من عام 2017، كما تم اعتقال الأخوين جابر من قِبل النظام بتهمة "الفساد".
في ضوء المصاعب الجمة التي تواجهها إيران حاليا – الحظر الدولي، تفشي وباء الكورونا الجديد، اشتداد الهجمات الإسرائيلية على قواتها في سوريا – لن تستطيع أن تفعل شيئا لإنقاذ حليفها رامي أو غيره من حلفائها السوريين.
خاتمة
هذا الاستعراض السريع للمواجهة بين رامي وأسماء يجب ألا يغفل جانبا مأساويا يتعلق بالشعب السوري، حيث أنه لاناقة له ولاجمل في هذا الصراع بين القطبين المافياويين، فهو صراع على المواقع والنفوذ ضمن منظومة الفساد السورية، صراع يسعى فيه كل من الطرفين إلى الاستئثار بوضع اليد على ضروع البقرة الحلوب سوريا (بغض النظر عما تبقى في ضروعها)، ولم يتحدث رامي عن إمكانية انهيار الاقتصاد السوري إلا بعد أن حُشر في الزاوية وأضحت إمبراطوريته بحكم المَسبيّة، والاقتصاد السوري بالنسبة له هو مرادف لمصالحه المالية والتجارية ونشاطاته المشبوهة، وهو طيلة هذه السنوات كان يدعم جرائم النظام بحق شعبه ويغض النظر عن تجويع وإذلال النظام للسوريين حتى في مناطق سيطرته، ويقابل السوريون بابتسامات المرارة حديث رامي عن "الحرام والحلال" واللجوء إلى اقتباسات قرآنية على نحو سريالي، وتشتد مرارتهم حين يتوسل لرأس النظام بمراعاة "القانون" في التعامل معه، بل إنه ذهب إلى حد الاحتجاج على "ظلم" أجهزة الأمن في التعامل مع الشعب السوري، وهو بالتأكيد لايهمه من هذا الشعب سوى موظفيه وحرّاس ثروته التي ماكان له أن يراكمها هو ومن قبله والده إلا من خلال الدوس على شرائع الأرض والسماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا