الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جان درومسون...مترجما إلى العربية .......كهانة ثقافية من نوع ما

متعب أنزو

2006 / 6 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عندما أرسل عزرا باوند بمخطوطة " بروفروك " إلى هارييت مونرو , لتعرف طريقها سريعا إلى مجلة شعر الأمريكية ..لم يكن يعلم انه بذلك كان يرمي إلى حدث شعري استثنائي ,لم يجاريه فيما بعد سوى ظهور الرمزيين الفرنسيين ,ممثلين ببول إلوار ورامبو وبودلير ولافورغ وغيرهم .
يومها ذيل باوند إشارته إلى المجلة المذكورة بأن ت.س. إليوت سيصبح شاعرا عظيما .
بعد ذلك بسنوات ليست بالقليلة وربما اليوم .... يقود الأنصاف إلى تعريف صاحب " الأرض اليباب والبشر الجوف وأربعاء الرماد " إلى جانب المجددين العظام في التيارات الأدبية التي عرفتها باريس إبان نزف الكمونة ومابعدها , كأكثر الظواهر التي أسست لكيمياء التطور في حركة الشعر ككل . في مكان لم يكن يقدر له أن يعرف كل هذه الانشطار السيميائي في ارتياد النص الشعري , ابتداءا بإلياذة هوميروس وأنتهاءا بهوس التجديد لدى مريدي الدادائية بداية القرن العشرين .
كذلك يمكن شدّ الانتباه للأثر التصويري والموسيقى الذي مررته حداثة الشكل في المدارس الأدبية الغربية إلى حياكة التجارب الشعرية في مختلف أرجاء العالم, بفعل ضرورات التواصل الحضاري التي فتحت الجهات الأربع على بعضها البعض.
المعنى الذي يقود بشكل أدق إلى تحديد روح وشفافية هذا التفاعل اللغوي , ومن ثم فهم سلوك مايمكن تسميته بمعادل الترجمة " الأكسير السام " إن جاز التعبير, الذي وثق بين عدة ثقافات , شاء قدرها الإنساني والتاريخي أن تتوزع في عالمين , شرقي وغربي .
الأمر الذي يعني أيضا فيما يعنيه الكثير في تفاوت حركة النقل اللغوي " أخذا ورد _ إدراكا ومعرفة "
ودور هذا التفاوت بشأن الحساسية الفنية الذي عادة مايتعمد بها النص الأدبي , مستمدا قيمها الجمالية من " زمكانية " خروجه للحياة من جهة , ولون ورائحة المنظومة الانفعالية لصانعه من جهة أخرى.
رغم ذلك ورغم الكثير من الاجتهادات في متن النص ومن ثم استهدافه بقيت الترجمة , معادلا موضوعيا في بعض جوانبها الجوهرية , تحديدا إذا وشيت بشيء من المسؤولية إزاء المنجز الأدبي وصاحبه وبالتالي مناخه الإنساني والتحريضي الذي فرض تشكله بالأساس .
لمناسبة هذا الفهم يحضر عضو الأكاديمية الفرنسية " جان دورمسون " في الذائقة العربية في ترجمة انتقائية - أو مزاجية كما يفضل المترجم توصيفها - لبعض نصوص كتابه " وأنت يا قلبي ما بالك تخفق " وصلت إلينا بتوقيع القاص مصطفى حرويل تحت عنوان " قصائد حب .... مختارات من الشعر الفرنسي– عن دار نينوى "
درومسون الذي يورد على غلاف كتابه, حسب ماتشير مقدمة المترجم قولا للشاعر فرناندو بيسوا مفاده أن " وجود الأدب هو البرهان الأكيد على أن الحياة وحدها لاتكفي " مايعنينا أيضا هو عبور روح هذا الأدب إلى الآخر, من خلال ذائقة مقتدرة وارتياد معرفي محصن من الكثير من البهلوانيان التي عادة ما تنال من هوية النص الأدبي الحسية ومنظومة مفرداته الخاصة .... كثيرا مانصادف مثل هذه الخسائر في الترجمات الروائية والقصائد الشعرية المطولة ...أيضا كتب الأبحاث والدراسات اللغوية والأدبية, وتحديدا تلك التي تتجه بالأدب إلى اللغة العربية .
في ترجمة مصطفى حرويل لدورمسون يبدو الامر مختلف إلى حد , فالكتاب يضم مقاطع من قصائد منتقاة من كتاب هذا ا لأخير الذي يضم بدوره - كما يشي دورمسون نفسه - قصائد أو مقاطع من قصائد مختارة من شعر الفرنسية تبعا لمزاجه الفصلي , وهي بالكاد كذلك ولا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال , انطولوجيا للشعر الفرنسي .
الامر الذي يعفي المترجم من تبعات كثيرة , مع إلمام عالي ومعرفي بالفرنسية يسجل لمصطفى
على الرغم من أن الكتاب الذي بين أيدينا هو الترجمة الأدبية الأولى , أو على الأقل الترجمة التي وصلت ألينا . " له ثلاث كتب بالعربية في القصة القصيرة والقصيرة جدا " ترجمة جاءت مشفوعة بالتمني الذي سجله مصطفى في مقدمته في أن تكون الدقة والشفافية قد أسعفته في متن النصوص. سيما وان العناوين حملت حضورا شعريا لم يكن في الحسبان لأسماء من وزن " بروست وفيكتور هوغو ورونسارد وبلوي " إضافة إلى الرمزيين الكبار " بودلير ورامبو وأبولينير " وكذلك شعراء الرومانسية السحرية في الشعر الفرنسي أمثال " لافونتين وبوسيه وماليرب وجاك بريل وبول فاليري ...وغيرهم "
الكتاب الذي يبدو وانه جاء كمناسبة لقول الأشياء التي لايمكن قولها إلى من على حصان الشعر.... حصان مجنح ربما...وبامتيازات نثرية تشي بعلو كعبها في قضايا الأحاسيس والعلاقة مع الاخر والغنائية الموشاة بالكثير من التركيز, ومن ثم دخول كل ذلك في مسراب المزاجية المتعمدة والمتناغمة بين معادلين للاختيار أحدهما لدورمسون والأخر لمصطفى حرويل .
ولذلك لايتوانى مصطفى في القول انه ارتكب ما أسماه - عرضا - بالكهانة الثقافية التي خولته الدخول - قدر المستطاع - إلى روح النص , ليقينه ربما أن الشعر لايترجم .
الأمر الذي دفعه بعفوية من نوع ما إلى الاستقالة من مسؤولية النصوص , دون ترك إي أثر, وكأن في أمر إيكاله , اكتشاف الروح الموازية للنص إلى القارئ , مايعفيه من تبعات المجازفة , وحتى وإن أستطاع مصطفى إقناعنا بذلك - بسلوك ماهر وذكي – فأن انسحابه المدوي كان مربكا في أحيان قليلة .
وهذا ما يفسّر الحالة الشعرية التي توشت بها النصوص والتي هي أقرب إلى رؤى ناجرة بالشكل الذي هي عليه أكثر منها حالة فصاحة بلاغية... إذ أن اللغة - على حرفيتها العالية لدى مصطفى - لا تسعف في هكذا حال, لأن الحدث كرؤية أسرع من تكوّنها, وهو يبقى مرتهن للحواس, ويصعب تحويله فور تشكّله إلى لغة واللحاق به والإخبار عنه.
شيء من هذا يمكن ملاحظته في نصوص رامبو وبودلير تحديدا , أو حتى المقطع الذي أورده لجاك بريل , للتدليل على اختلافات اللغة وطاقتها التعبيرية .
شيء أخر يمكن ملاحظته أيضا و هو إصرار المترجم على التأكيد على شعرية كل من رونسارد وفا ليري وبودلير ورامبو , في ميزة تكرار الاختيار ربما لما يتمتع به هؤلاء من نزق شعري واضح يفيض بما وحد بينه وبين دورمسون لناحية الغرض – الموضوع الذي ذهبت إليه استهدافات النصوص
هو فقط أي مصطفى يحاول تشذيب إحساسه المباشر, لجعله بارداً ومحايداً أكثر فأكثر وليتسنى له الادعاء أن الشعر مبنى ومعنى, وأن ما يقع خلف خيوط الترجمة وما يليها هو ما يشاء إيصاله للقارئ..... دون أن تكون الاختيارات " والحال هذه تقع " تبدو وكأنها تعليقاً على حدث بدواعي إغفاله وتقديمه كأمر نافل يفيض عما فيه ليخبر ما يتعداه.
ولذا يصرّ على اتخاذ مكانه في مسافة مريحة, بعد ارتكاب كهانته الثقافية وخروجه من مغامرة الترجمة بأقل قدر من الخسائر...وهو بذلك يدفعنا إلى عدم الاقتناع بضرورة التمسك بحيادية غير معلنة, حيال استنتاجاته بالصورة التي جاءت عليها, وتلك كهانة مستحبة على كل حال.
ولكن بين انسحابه ودخول الآخرين إلى القصائد , تقع خيانة من نوع أخر , خارجة عن احتكام الشعر والشعراء الذين استضافهم الكتاب وبعيدة عن أشراك كل من " دورمسون ومصطفى حرويل " هي خيانة القارئ - القصدية - لقراءته بفعل الترهل و العفن الذي يكاد يغلف كل شيء , والذي يعني الهروب بعيدا في الاغتراب عن حساسية الشعر وخصوصية حياكاته اللغوية , تحديدا لغته الأولى .....أي اللغة الأم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كان حزب الله يخطط لتكرار -السابع من أكتوبر- على الحدود ال


.. اللبنانيون يهرعون إلى المستشفيات للتبرع بالدم بعد القصف الإس




.. عاجل| حزب الله: ننعى القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل


.. حرائق في الجولان المحتل بعد إطلاق صواريخ من لبنان




.. تحقيقات جارية فى 4 دول والكل يتبرأ من تورطه في -هجوم البيجر-