الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1

دلور ميقري

2020 / 6 / 5
الادب والفن


شعر حدّو بالوحدة والوحشة في عامودا، عقبَ وصوله إليها بقليل. كان يأمل بسفر أخته مع زوجها إلى ميكار كي يرافقهما، مع علمه بخطورة الرحلة. ريما، شاءت التأكّد بنفسها من المعلومات المتضاربة، المتعلقة بمصير العائلة هناك. وكان هوَ مصدر المعلومات في الحالتين، المطمئنة والمفجعة. في بادئ الأمر، أعتقدَ حدّو أن صهره مَن نقل على لسانه إلى ريما الخبرَ المفجع. لكن هذا الأخير، المتأثر من ردة فعل امرأته، أفهمه أن الحوذيّ العجوزَ نشرَ الخبرَ قبيل مغادرته البلدة وذلك على سبيل الثرثرة. فلما عادت أخته لتحثّه على التعليق على المعلومة الجديدة، التي وصلتها في عشية يوم وصوله للبلدة والمفيدة أن أبويها وأخوتها قضوا في جائحة الريح الأصفر، فإنه لبثَ جامداً وكأنما أصابه الخرس أو العته. لكن رمّو آغا اكتفى بوعدٍ لامرأته، أن يأخذها عند حلول الربيع إلى القرية. إذاك، كانت هيَ قد تحققت من صحّة المعلومة المفجعة وأسرعت بارتداء ثوب الحِداد.
كان الوقتُ في إبّان الخريف، ما زادَ من شعور الكآبة عند حدّو. مع كونه ولد في القرية، لم يتآلف مع بلدة عامودا ذات الملامح الباهتة. منذ بداية الحرب، قبل نحو خمس سنين، اعتاد على العيش في المدن الكبيرة؛ ماردين أولاً ثم أضنة. ذكرياته القريبة، والجميلة، كانت في هذه المدينة الأخيرة؛ ثمة، أينَ قضى أسعد الأيام مع أرملة نصرانية، أسبغت عليه رعايتها كأنه ابنٌ من صلبها. لولا قرارها الهجرة إلى جنوب الخط الحديديّ، خشيةً من اجتياح الأتراك المتعصبين لإقليم كيليكيا الواقع تحت سيطرة قوات الحلفاء، لكانَ قد بقيَ لديها بالتأكيد. في المقابل، لم يكن ذلك خياراً بالنسبة له؛ طالما أنه هاربٌ من يد الجندرمة، المكلّفين بتنفيذ حكمٍ قضائيّ يقضي بنفيه إلى الأناضول الغربيّ. فيما بعد، طلبَ منه صهره أن يقصَّ بالتفصيل ما جرى معه في أضنة. اختتمَ حدّو حكايته بالقول، حالماً: " إنها الآنَ في مدينة اسكندرونة، ويُمكنني الذهاب إليها في خلال ساعات بالقطار انطلاقاً من نصيبين ". هنا، نبهه رمّو آغا إلى عبث هذه الفكرة، وأن عليه أن يشكر الله لعودته سالماً إلى أهله.

***
بدَورها، كانت البلدة تغرق في كآبة الخريف، فيعوّض ساكنوها ذلك بالمسامرات الليلية وإنجاب المزيد من الأولاد. خلقُ السكان البسيط، المائل إلى المرح، كان يُحال إلى جذور أكثرهم، القروية. وكما نوهنا مسبقاً، كانت حنيفة، خادمة أخت حدّو، من تلك الفئة. لقد سُلّمت وهيَ صغيرة السنّ إلى رجل يكبرها كثيراً، مثلما يحدث أحياناً في زيجات الأرياف. لكنها ترملت مبكراً، وكانت تنتظر بيعها في صفقة جديدة حينَ انتشلتها سيّدتها ريما من هكذا مصير. أخلصت في الخدمة لمَن تعاملها كأختٍ، وكانت لبيروزا الصغيرة بمثابة المربية. بعزوفها عن فكرة الزواج، أغلقت قلبها بوجه الرجال، وفي آنٍ معاً، فتحته لشعور الأمومة وكان غريباً عليها من قبل. لا غروَ أن يجد الغلامُ الغريب، أخو ريما غير الشقيق، في خادمتها إنسانةً في غاية الطيبة لم تتأخر في إظهار همتها برعايته والاهتمام براحته.
بغير قليل من الدهشة، الممزوجة بالفضول، أخذت حنيفة تنتبه إلى نظرات شبقٍ، منبعثة من عينيّ الفتى غير المكمل بعدُ دزينة من أعوام عُمره. ذلك جدّ أول مرة، لما جلست القرفصاء كي تغسل الملابس في طشت بين يديها. عندئذٍ كانت عارية الساقين حتى منبتهما، كعادتها عندما يغيبُ سيّدها عن الدار. مع أن هذا الأخير ما كان الذكر الوحيد هنا، فإنها كانت تنظر إلى حدّو كغلام أقرب للطفل. ربما هذا عائدٌ إلى قصر قامته، وأيضاً إلى روحه المنطلقة والمقبلة على مصادقة الآخرين، بالأخص من الجنس الآخر. ترددت حنيفة في إخبار أخته بالأمر، ومن ثم سلت عنه في خضم مشاغل البيت العديدة. إلى أن كان يوماً من أيام الخريف، المشمسة الدافئة، طلبَ فيها حدّو من الخادمة تسخينَ ماء الحمّام. كانت ريما يومئذٍ مدعوة للغداء مع رجلها عند أحد وجهاء البلدة، حيث طلبت امرأة هذا الأخير منها اصطحاب الطفلة بيروزا كي تراها.
" أمن الممكن أن تحكّي لي ظهري، يا خالة "، كذلك خاطبَ الغلامُ خادمةَ الدار غبَّ ندائه عليها وحضورها. جانبٌ من جسده العاري، الأسمر والمشدود العضلات، كان يبين خِلَل باب الحمّام الموارب. لم يكن طلبه يوحي بنيّة غير سويّة، لولا نظرة الشبق تلك وكانت قد خبرتها سلفاً. لكنها بنفسها كانت امرأة شابة، مكبوتة الرغبة بسبب ظروفٍ فُرضت عليها. حال بعض القرويات، المذعنات لرغبات أسيادهن، لعلها تعرضت فيما مضى لمضايقات أبنائهم أيضاً، الشباب والفتيان على حدّ سواء. بيدَ أن أمراً آخر وَمَضَ في تلك اللحظة برأس حنيفة، فجعل جسدها يرتعشُ: سيدتها، كانت قد حدثتها بشكل عرضيّ عما علمته من أخيها الصغير عن أرملة نصرانية شابة، عاشت في إحدى مدن الأناضول، وكيفَ أسكنته لديها طوال شهور عديدة معتبرةً إياه ابناً لم يُنجبه رحمها.

* مستهل الفصل العاشر/ الكتاب الخامس، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل