الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم سالم

حامد تركي هيكل

2020 / 6 / 6
الادب والفن


وداعاً أيتها الأم ، وداعاً أيتها المرأة التي قلَّ نظيرُها. وداعاً أيتها المَدْرَسَةُ العظيمة .
رحلتِ عن هذا العالم الذي ما عاد يليق بكِ الى عالمٍ آخر، أحسب أنك ستجدين فيه ما تستحقينه وما يطيب لك بإذن الله.
أمُّ سالم كتابٌ لازلتُ أتعلمُ من فصوله المزيدَ، وموسوعةُ حياةٍ لم نتعلم من كنوزها الغنية بالمعارف والقيم والتجارب الا قليلا، قليلا جدا.
أمُّ سالم أمرأةٌ تُجَسِّدُ تاريخَ العراق أفضلَ من أيِّ انسان آخر، وأحسنَ من أيِّ شيء آخر، وأبلغَ من أيِّ نصٍ آخر.
امتزجتْ فيها بشكلٍ إسطوريٍّ خبرةُ امرأةٍ سومريةٍ من فجرِ التاريخ، مع قوةِ امرأة عربيةٍ قادمةٍ من الصحراء، مع شغفِ امرأةٍ ثوريَّةٍ من عهدِ التطلع للحداثة، مع احباطِ امرأةٍ عاشتْ كلَّ ذلك، وحملتْ في قلبها تطلعاتٍ وطموحات، ومنحتْ كلَّ مَنْ حولها الحبَّ والحنان، ولكنها وجدتْ أخيراً أن الحياةَ لم تعدْ كما كانتْ، وأن الحياة ما كانتْ يوماً كما حلمتْ وأرادتْ.
أمُّ سالم، طيبةُ ماءِ دجلة لمن أضناه العطش، ورائحةُ الرزِّ العنبرِ، وطعمُ الخبزِ لمن عضَّهُ الجوعُ، وعذوبةُ نسيمٍ باردً هبَّ على وجوهٍ عانتْ من القيظ.
أمُّ سالم، هي الخيرُ والعطاءُ وقد تجسدا في أمرأة، وهي الحبُ وقد تمثلَّ في قلبِ أمٍّ كبير، وهي العقلُ بكلِّ حكمتهِ وشموخهِ وقد شَخَصَ أمامَ الناظرين المدركين لماهيَّتِه.
وإن كنتُ أعجزُعن ذكرِمناقبِ هذه المرأة الفريدة كلِّها، وهي كثيرة، فأني أقفُ اليومَ مشدوهاً أمامَ فراستها وقدرتها الأسطورية على معرفة الناسِ وسبرِ أغوارهم.
ولئن عانت أمُّ سالم من جدبِ السنين وفقرِها، إلا أنها لم تتخلَّ عن الأملِ بعودةِ الخير الذي ألفتْهُ وأحبتْهُ. كانت تردد في أيامها الأخيرة.
(علينا يا سنين الخير عودي
انا عنبر خيار النبت عودي
شللي بالورگ لو ذبل عودي
بعزم الله الورگ ينعاد اليه)
رحلتْ تحمل في قلبها كلَّ ما خبرته من معركتها الطويلة مع الحياة من حبٍ وخير وفخار واعتزاز بالنفس وبما حققتْ ، ومرارةِ ما عجزتْ الحياةُ أن تحتمله، فقد كانتْ أمُّ سالم أكبرَ وأبعدَ من إمكاناتِ الحياة ذاتها. رحلتْ واهنةٓ القوى بعد أن عاشتْ ردحاً طويلا من الزمن تحملُ على متنها ما إن عناوينه لتنوء بالعصبة أولي القوةِ.
(عجز من شيل هدمي مالٓ متني
وعليّ ضاگت الوسعه ما لمتني
لَوَنْ تدري الوادم..... ما لامتني
لها الظاهر وانا علتي خفيّه)
وداعا أيتها الأم العظيمة. أم سالم مثال لكل امرأة عراقية صبرت وناضلت ودعت وأملت. واجهت القهر والخوف والحرب والحصار والتهجير والتغييب والتنكيل، ولكنها لم تكلَّ ولم تملّ. ولم تفقد الأمل، ولم تترك لحظة واحدة عملها في كونها أم. فهي دوماً نورٌ للقلوب، وبلسمٌ للجروح، وهي الحضن الدافيء، واليد الحانية التي تكلأ آلامنا، وهي مستودع همومنا. الرحمة والنور لكل أمهاتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو