الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان (سدرة الغروب) للشاعر مجبل المالكي وأشكالية القصيدة القصيره

أحمد السعد

2020 / 6 / 6
الادب والفن


• تناولت الدكتوره ناديه هناوي في مقالة نشرتها صحيفة القدس العربي في عددها الصادر في الثاني عشر من شباط 2019 مفهوم القصيدة القصيره وأعتبرت ان ابرز ملامحها "أنها ذات إيقاعية هادئة لا جعجعة فيها، تنساب حتى لا تعقيد ينداح في تراكيبها ولا إغماض ينتاب مدلولاتها. ومنها أيضا ميلانها إلى السرد، حيث لا مفر من وجود حدث يرافقه صوت سردي خارجي أو داخلي، كما لا مناص من زمان يحدد تلقائيا بلا إقحام أو تعسف. وهذا ما يجعل القصر في القصيدة تاما شكليا ومضمونيا." وقد اتخذت الدكتوره هناوي الشاعر مجبل المالكي انموذجا ،
وكنت قد كتبت عن مجموعة الشاعر مجبل المالكي (نثار الياقوت) وأمامي اليوم مجموعته (سدرة الغروب ) التي تضم مجموعة قصائد قصيره لكنها تختلف من حيث النفس الشعري والأيقاع عن المجموعه الأولى التي صدرت عام 2016. هذه المجموعه الأحدث صدرت عام 2018 عن دار الغدير للطباعه والنشر . المجموعه تتسم بأنها تتمحور حول الذات الأنسانيه ، او لنقل ذات الشاعر ، الشاعر حاضر في كل قصيده اما بصفة الـ(انا) او بصفة المخاطب ! اللغة سهلة طيعه يشوبها شجن وموسيقى تنفرد بموسيقاها منتعشة باجواء عوالم متخيلة لغد سيأتي مشرقا ، ملونا ليطرد ليل الألم والمعاناة ، معاناة الغربة في الغربة والغربة في الوطن ، الشاعر يطرح نفسه ملكا متوجا بالمخاوف والوساوس لكنه ينشد للحب الذي لم يكف عن البحث عنه .
* مجبل المالكي شاعر مواظب ،وهو يستفيء بسنديانة الشعر التي غرسها آلاف الشعراء قبله وظلت وارفة الظلال ينهل من معينها الشعراء ، والمواظبه تستدعي استحضارات للمخزون الوجداني والتجارب والقراءات والخبرة في توظيف كل مايستطيع استخدامه في شعره معتمدا التماس المباشر مع التجربة الحسيه المرتبطه بالزمان والمكان حيث يتأجج الشعور بالمكان في النص الشعري والشاعر يوظف التاريخ والسرد احيانا ليوسع دائرة التوظيف للعوامل والمكونات والأجزاء والتفاصيل الصغيره ليبرز المكنون الذي يريد تفجيره في القصيده ففي قصيدة (معبر حدودي) ، تتراءى لك المشاهد الواحده تلو الأخرى في تسلسلها التاريخي في صور تتلاحق :
" عصور مرت وطوابير قرابين مشانقه تمتد
على ابواب مدارجه
والمرتحلون فلول من اقنعة شتى،
ولثام دراويش ،
واثواب صعاليك...
ولكن الترسانة تغلي ،
تفتح بوابات متاهتها للآتين "
الشاعر هنا سارد ، لكنه سارد لايحب الأستفاضه ، مقتصد في كلماته ، معتمدا على الصورة والتاريخ ،صورة صادمه تتحرك أمامك بتفاصيلها المرعبه .
الشاعر يبوح بما يختلج في وجدانه وضميره الشعري ، فهو شاهد على زمانه وبيئته وناسه وعالمه ، يسيل الوجع الأنساني من قصائده ولكنه اكثر انهماكا بالتطلع الى الغد من البكاء على الماضي المرير والحاضر الأمر ، د
• تتميز القصيدة القصيره بأنها مغامرة شعريه تستدعي استحضار مكوناتها وحشدها معا في بناء مقتصد مكثف وصهرها جميعا في صورة تميل اكثر فأكثر الى الأقتضاب بدل الأطاله والأسهاب ، تكنيك يقترب اكثر فأكثر في بنائه الددراماتيكي على الصورة اكثر من اعتماده على البناء الحكواتي والحشد التاريخي السردي فهو مجموعة مشاهد زمانيه ومكانيه يتكثف فيها المشهد ويمتزج بالمكان والزمان منتجا بانوراما تنجذب مكوناتها نحو بعضها بفعل الأرتباط التاريخي فيوظف المحسوس والمتصور لخلق الصورة النهائيه للمشهد الذي يكتسب نسقا صوريا متسلسلا لمشاهد ورؤى تنبثق عن الصورة ولاتخرج عنها مترادفة مع السرد والأشارات والأيماءات والغوص عميقا في الدلالات اللفظية التي اسماها (رياض عبد الواحد) بـ:"الـدال اللساني" الذي يتضح من الأستخدام الأنتقائي للمفرده – الفعل – ودلالات الفعل وأيقاعه الشعري والدلالي فيبتعد عن الترميز مقربا القارئ من مكنون القصيده و مشاركا له في التصور والتخيل والحلم – ان جاز القول – ورغم ان الشاعر لايغوص عميقا في الحلم الا بقدر تقريبه من تصور القارئ وأستيعابه للتجربه المعروضه امامه فالصوره تتفكك وتوضع في نسقها التاريخي والدلالي بمقاربتها مع التأثير الأنتقائي العالي للمفرده بقصدية واضحه ذات مغزى يعزز الأتجاه العام للقصيدة وباعثا لديمومة انزياح الخيال بظلاله الخفيفه على واقع محسوس وموضوعي .
• " ابقى ارقب من قمة نافذتي
مايلقيه البحر من السمك الميت،
والعشب الذابل ،
والأشنات الموبوءة ،
والدرر المخبوءة بين ثنايا المرجان وقيعان الماء
لي عينان تغوصان عميقا
بين فضاءات الأعين والأوجه، تفقه ما يساقط من دمع الحيتان ،
وما يقبع تحت رماد الأقنعة السود،
وما يشرق بين مرايا روح الأنسان "
الشاعر في فرديته يصنع بنفسه اثاث عالمه غير منزو في ركن قصي معتزلا عالم الآخرين ، ولكنه في عالمه الخاص يعف عن عالم الآخرين فهو :
" مغروس بين ثنايا العزلة والصمت " ، عزلة اختارها لنفسه متعاليا عن عالم تملؤه " بهرجة الأضواء.. وحذلقة الأغواء.. ولثم اكف دهاقنة الفرقة والسحت "
وهو بعزلته الأراديه لاينسحب الى الظل تاركا العالم من حوله يحترق بالشر ، بل ينزه نفسه عن كل ماهو غير انساني وقبيح فيرسم لنفسه عالما مختلفا يتفرد بخصوصيته ومحتفظا بوقار الصمت قابلا بما لديه ، انه يفهم ان الشاعر وهو يستظل بفيء شجرة الشعر – لابد ان يمتلك صوته الخاص ونبرته المميزه وهوبذلك يختط لنفسه نمطا وطريقا وشاعرنا وجد في القصيدة القصيره خطه الشعري وأتجاهه الأبداعي ، وفيها صب عصارة موهبته الشعريه وتجربته الحسيه . فيها يصب الصورة والحكاية والموروث والرؤى والمشاهدات والتجارب الشخصيه ليصهرها في مختبره في بوتقة القصيدة القصيره التي تجمع كل تلك العناصر لا لتطمسها بل لتبرزها وتكثف العلاقة والتجانس بينها فهو يضع اما م قارئه صيغة متكاملة العناصر ، ملتحمة البناء زاخرة بالحياة والحركة وبالموسيقى والشجن ايضا .
* لدي ملاحظة اخرى تتعلق بشعر مجبل المالكي تتمركز حول غياب المرأة في شعر مجبل وهي الغائب لكن الحاضر غير المحسوس ، هي موجوده كنفس وروح وغير موجوده ككيان محسوس مجسد في هيئة أمرا’ة ما في مكان ما وزمان ما . لامكان للوعة الحب والفراق وعذاب الحب في شعر مجبل المالكي ، هو شاعر قضيه وقضيته هي الآنسانيه : الآنسانيه بكل ماتتسع الكلمة من مدلول . الأنسانيه في تجلي صورها المشرقة البهيه والناصعه انه دائما يقف على الضد من معسكر الكراهيه والعنف والقهر والنفي والفقر والسجن والعبوديه والأضطهاد وكل تلك المسميات التي هي نتاج هذا العصر وسماته المعروفه ، هي ( المتربص ) الذي يريد الأيقاع بالأنسان وهو (أخوة يوسف ) الذين كادوا له وألقوه في غياهب الجب ، هو (المسخ) الذي :
" باع الكنوز الودائع
واحتز مايلهم الروح في عالم
موغل بالأذى والخراب "
فهذا العالم الموغل بالأذى والخراب ، يتبرأ منه الشاعر لأنه أصطف مع الفقراء والضحايا وعشاق الحياة .
* القصيدة القصيره ليست من ابتكار مجبل المالكي ولكنه ابدع فيها ووجدها ساحته وميدانه وحقل تجاربه الشعريه ، انها تمنحه القدرة على اختيار اللمحة الشعريه المكتنزه الثريه بالصور والحكاية والموروث والتجربة الشخصيه مغموسة بالبوح والوجد وأحيانا بالأسى والشجن ، شجن الغربة خارج الوطن أحيانا وشجن الغربة في الوطن احيانا اخرى . مجبل المالكي اغنى التجربة لأن قصيدته القصيره تكشف عن تلاقح فريد لعناصر شتى تجتمع لكن كل منها يشكل تجربة لوحده فهي هارموني يبدو لمن لايصيخ السمع فوضى اصوات بينما يستوي للسامع المصغي تناغما سماويا رائعا .
* للصورة الشعريه عناصر مكملة لبعضها ، تتلازم وتتداخل لتفجر شحنة دلاليه تمنح الشاعر القدره على تقديم عمله الأبداعي بقالب متعدد الوجوه والعناصر مكتنزا للدلالات ومشحونا بطاقة وصفيه تمنح نصه روحا تفيض بضوءها على وجدان القارئ وعقله وبصيرته ، الصورة تلعب دورا أساسيا في القصيده لأنها تفتح امام القارئ كل ابواب النص وهي التي تشد جوانب النص وتمنحه الطاقة الدلاليه والأيحائيه وتكثف ثيمته بلغة بعيده عن الأطالة والأسهاب ، فالصورة تختزل الكلمات وتمنح النص جماليته ورونقه وتبعده عن التقريريه والشعاريه والمباشره وتغنيه فنيا ودلاليا .فالتشبيهات والأستعارات والكنايات والرموز تشكل لدى الشاعر ادواته الأحترافيه التي بها يتوغل الى قلب المتلقي وعقله ويشده الى النص انشداد المبهور وهي لاتثقل النص بقدر ما تعينه على الوصول الى المعنى المبتغى والى تحقيق الفكره .
* القصيدة القصيره كظاهره في الشعر العربي تمخضت عن تاريخ من التجريبية الحداثويه والتي انتجت اجناسا ابداعيه وهي شأنها شأن القصة القصيره والرواية القصيره تعتمد فكرة واحد بعينها تكون كبؤرة تتجمع فيها عناصر كثيره يتفنن الشاعر في انتقاءها وصهرها جميعا في بوتقته مازجا بين العناصر في اتحاد تناغمي يمد بعضه بعضا بعناصر القوة ، انها لمحة شعوريه دافقه من المشاعر والآحاسيس تتدفق مداعبة احساس القارئ وفكره ومفضية الى تفاهم بينه وبين الشاعر .
* وأذا كان الشاعر هو السدرة والغروب هو الحزن ، فالديوان مطبوع بالحزن والأسى والشجن ، ينبث الشجن والأسى في معظم قصائد المجموعه وهو شجن انسان في عالم لاانساني ، وجع روح وسط وحشية الظروف وقسوة الزمن . أشارت الباحثه ناديه هناوي الى الأستخدام الواسع لمفردات ( الفناء/ الموت/ التشرد/ الضياع / الوحشة/ وصية/ القبر/ الموتى/ الشحوب ) مما يؤشر ان معظم قصائه الديوان زفرات حزن وشجن
"تساقط من كوة قلبي
اغصان خريف ذاوية
تشحب في لوحة ذاكرتي المعطوبة
بالهم وبالأسفار."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??