الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سياق النقاش الدائر حول حل ” الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة في فلسطين كلها “. 4

عبد الرحمن البيطار

2020 / 6 / 6
القضية الفلسطينية


قبل تناول مَوضوع هذه اليومية ، وَجَدْتُ من الضروري أنْ أُبَيّن أنَّ يوميات أيام ٩ و ١٤و ١٥ و ١٧ و ١٩ أيار ٢٠٢٠ هي يوميات مترابطة ، وأن الإستنتاجات فيها ستشكل أرضية لاٌستنباط استراتيجية نضال وطني فلسطيني مَبْنِيَّة على فَهْم صحيح لطبيعة الصراع في فلسطين وخصائص العدو الذي نواجهه مَصحوبة بإدراك عميق لعلاقة الداخل في فلسطين ، بالخارج الفلسطيني، والعربي، والاقليمي والدولي. ولأن الموقف من الحل الذي يدور النقاش حوله ، أي حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة على التراب الوطني الفلسطيني بكامله ، يُشَكِّل عنصراً أساسياً في الإستراتيجية العليا للنضال الوطني الفلسطيني ، فإنَّ اليوميات بالمواضيع التي تتناولها ستنتهي الى تَحديد الموقف من هذا الحل ، والذي هو في حد ذاته يشكل غاية ذات وزن وقيمة كبيرة لا تُضاهى ولا تُقارن بـ “اللا حلول” أو ” الحُلول القائمة على الإذعان ” التي تم تداولها من ثلاثة عقود وأكثر.
ولأنَّ مَواضيع اليوميات مُترابِطة ، ولسهولة الرجوع اليها ، فقد قَرَّرت ترقيمها وإعطاء يومية ٩ أيار رقم (١)، و١٤ أيار رقم (٢) و١٥ أيار ، رقم (٣) ، و ١٧ أيار رقم (٤) ، ورقم (١٩) أيار رقم (٥). وبذلك اقتضى التنويه.
في يومية الثلاثاء الموافق ١٩ أيار ، أي الحلقة رقم (٥) من حلقات الموضوع الذي نتناوله ، تحدثنا عن ثيودور هيرتزل وكتابه ” دولة اليهود “، الذي نَشَره في ٢٨ شباط ١٨٩٦.
سأقوم في هذه اليومية بالإستطراد فيما طَرَحته من آراء في يومية ١٩ ايار ٢٠٢٠ بغية تعزيز أمر زراعة بعض المفاهيم ذات الصلة بأُسس نَكبة الفلسطينيين في ذاكرة الناس في بلادنا، وسأُنهيها بعدد من الإستنتاجات .
ثيودور هيرتزل ، الصحفي ، والكاتب المسرحي ، لم يكن عند كتابته لـ ” دولة اليهود” ، يُمارِس مِهْنَة الكتابة الصحفية أو الأدبية . كان ثيودور هيرتزل يَبْحث في “المسألة اليهودية” في أوروبا برمتها، ويضع أساساً فِكْرِياً لحل هذه المسألة. لقد قرر “ثيودور هيرتزل” ، وهو الذي حمل شهادة الدكتوراه في القانون في العام ١٨٨٤، أن يضع مهنة الكاتب المسرحي او الصحفي جانباً ، وأن يحمل على عاتِقِه مُهِمّة التّصدي للمسألة اليهودية في أوروبا . وما أن أنجز البَحْث ، حتى وَجَدَ نفسه “حامِل فِكرة ” جَسَّد فيها عُصارة ما توصل اليه في السّعي لحل المسألة اليهودية ، رَسَم فيها طريق الخلاص لليَهود، وعلى الأخص من مواطني بلدان أوروبا، شرقها وغربها .
قوة الفكرة التي حملها ثيودور هيرتزل تَنْبع من أنها تَصَدَّتْ لمسألتين متلازمتين معاً وفي وقت واحد.

المسألة الأولى، وهي مسألة اليهود في بلدان أوروبا الشرقية والغربية الذين يعانون من سياسات الإضطهاد والقمع والتمييز ضدهم من تيارات شديدة تتحرك على مستويات عديدة في بحور المجتمعات الأُوروبية ، وتُعادي “سامِيِّة اليهود”.
وكذلك مسألة اليهود الراغبين للهجرة الى فلسطين لأسباب دينية بحته.
رأى هؤلاء في الفكرة خلاصاً لأوضاعهم و/أو تلبية لأُمنياتهم ..
المَسْأله الثانية ، وهي تتعلق بروح المعاداة لسامِيِّة اليهود المُتَفَشِّية في أوساط شرائح عريضة من مواطني المجتمعات الأوروبية ، والمشحونة بمشاعر الكراهية والرفض ليهود تلك البلدان.
ففكرة ” دولة اليهود” مَنَحَت يهود أوروبا فُرْصة التَّخلص من الإضطهاد والتمييز الذي كانوا يعانون منه ، وذلك عبر تخصيص قطعة من الأرض لهم ، في مكان ما من هذا العالم ، يَبْني عَليها اليهود دولتهم ،
وبالمقابل وفي ذات الوقت ، مَنَحَت ذلك الجناح من المجتمعات الأوروبية المَشحونة بروح المُعاداة لسامِيِّة اليهود فُرْصة التَّخلص من الوجود اليهودي في أوساط مجتمعاتهم ، أو التخفيف من وجودهم في تلك المجتمعات على أقل تقدير ،
وجَعَلَتْ جناحاً مُعَيَّناً من “المسيحيين المُؤمنين” في أوروبا يُؤَيِّد هيرتزل فيما ذهب اليه من ضَرورة إقامة “دولة اليهود”، ولكنهم إنتقدوه فيما أعلنه في كتابه ” دولة اليهود ” عن إستعداده لقبول إستيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أي في أماكن أخرى غير فلسطين . جاء هذا الإنتقاد على أرضية أنَّ مُعتقد هؤلاء أو تعاليمهم الدينية أو تأويلاتهم لها يرى في فلسطين أنها هي وطن اليهود ، وأن عودة اليهود إليها هو الشّرط لعودة المسيح . وهذا الجناح هو الذي عَرَّفَه ثيودور هيرتزل نفسه لاحقاً بـ ” المسيحية الصهيونية ” أو ” الصهيونية المسيحية ” والتي لَعِبَتْ دوراً مهماً في ذلك الوقت في دفع فِكرة ” دولة اليهود ” في فلسطين الى حيز الوجود.
نَعَم ، وَفَّرَتْ الفِكْرة التي طَرَحها ثيودور هيرتزل في ذلك اليوم من شباط من العام ١٨٩٦ شُروط نهوضها ، فأصبح كل من جُموع اليهود من مواطني البلدان الاوروبية من جهة ، ومواطني تلك البلدان من جهةٍ أخرى ولدوافع مختلفة ، حاملان للفِكْرة . تلك كانت لحظة تاريخية فارقة لا تتكرر مدَّ فيها الحاملان ، طاقة هائلة للفِكْرة ( ؛ دولة اليهود – دولة الخلاصين المتزامن ، اليهودي والاوروبي) لا تُجارى لم تتوفر لليهود عُموماً في أي وقت آخر في التاريخ البشري المعاصر.
كان ثيودور هرتزل قبل أن يتوصل الى فكرته ( ؛ فِكرة دولة اليهود ) ،من المناصرين لفكرة الإندماج ، أي إندماج اليهود من مواطني البلدان الاوروبية كلِّ في المجتمع الذي يعيش فيه ، لكن فكرته هذه لم تكن تتلاقى مع فكرة الإندماج التي كان ينادي بها الأوروبيين الثوريين في القرن التاسع عشر والمبنية على الصراع الطبقي واُنتصار الطبقة العاملة ، والتي استوعبت نشاط عَشرات الألوف من اليهود من مواطني البلدان الأوروبية ودمجتهم في النضال الثوري الاوروبي في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين .
لكن، على ماذا كانت تقوم فكرة الحل تِلْك لدى ثيودور هيرتزل للمسألة اليهودية في أوروبا ؟
كما سبق أن ذكرنا ، فإن فكرة إندماج اليهود عند هيرتزل تقوم على أساس دمج اليهود في مجتمعاتهم الأوروبية التي يعيشون فيها .
كان هيرتزل يرى أن جذور المُعاداة لساميِّة اليهود في أوروبا تنطلق في جانبٍ اساسي منها من عوامل دينية ، فاليهود مُتّهمون بكونهم قد قتلوا المسيح ، لذلك ، فإن ذلك لدى جزء كبير من مسيحيي أوروبا ( وغيرها ) كان مَصْدراً من مصادر لحالة العداء والكراهية تجاه اليهود الاوروبيين ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن حالة النهوض القومي في أوروبا التي أعقبت إندلاع الثورة الفرنسية في آب من العام ١٧٨٩ ، وتلازَمَ ذلك مع صعود البرحوازية الأوروبية مع الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر . هذه الأحداث ساهمت في توليد صراع داخلي في أوساط البورجوازية الأوروبية تجاه “أصحاب رأسمال” الأوروبيين اليهوديي الدّين ، وقد أجّجَ ذلك مَشاعر المعاداة لسامِيِّة اليهود في أوروبا.
في ضوء ذلك ، رأى هيرتزل قبل أن ينتهي من وضع وتطوير فِكرة ” دولة اليهود ” في العام ١٨٩٥ كحل للمسألة اليهودية في أوروبا ، بأنَّ دَمج اليهود في أوروبا لا يُمكن أن يتحقق مع بقاء اليهود على دينهم ، فدعا الى تَبنّي فِكرة أن يَتحرك كل يَهود أوروبا إلى الڤاتيكان ويتجمعوا هناك ، وأن يتحولوا جميعاً الى مسيحيين برعاية بابا الڤاتيكان ومُبارَكته ، وأنَّ ذلك وحده كفيل بأن يحل كل مشاكل يهود أوروبا ويَحْرِم الأوروبيين المسيحيين من مواطني البلدان الاوروبية وحكامها من مبررات إضطهاد اليهود والتمييز ضدهم في أوروبا.
لاقى هذا الطرح رفضاً واسعاً في أوساط اليهود الأوروبيين ، فتراجع عنه ثيودور هيرتزل.
•استنتاجات من يَوميَّتي ١٩ و ٢٢ أيار ٢٠٢٠
⁃ المُعاداة للسَّامية المتفشية في اوساط المجتمعات الاوروبية لعبت دورا مركزيا في دفع اليهود من مواطني البلدان الاوروبية ، شرقها وغربها ، لتأييد فِكرة الخلاص التي طرحها ثيودور هرتزل بإقامة “دولة اليهود” خارج اوروبا .
⁃ ” الصهيونية المسيحية ” التي كان لها وجود في المجتمعات الاوروبية في القرن التاسع عشر ، وَجَدَت في حل ” دولة اليهود ” خارج اوروبا( وفي فلسطين بالتحديد ) فكرة تستحق التأييد الواسع نظرا لتلاقيها مع تعاليم دينية مسيحية تم تأويلها لتتلاقى مع الفكرة او الحل الذي طرحه ثيودور هرتزل .
⁃ التأييد الواسع الذي لقيته فِكرة ” دولة اليهود” في أوساط اليهود من مواطني البلدان الاوروبية يعود لأنها وَفَّرَت شروط التحرر من المعاناة والخلاص من الإضطهاد والتمييز الذي نجم عن إنتشار فِكرة مُعاداة السّامِيّة في أوساط المجتمعات والتي تحولت الى سياسات ممنهجة للاضطهاد والتمييز.
⁃ تحولت مُعاداة السامية من سَبَبِ الى اداة وسلاح لتبرير اقامة دولة اليهود خارج أوروبا.
هذه اليَومِيّة انتهت ، ولكن الموضوع لم ينتهي.
عبد الرحمن البيطار
عمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات