الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي تفسير هو الأنسب لوباء كورونا؟

التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)

2020 / 6 / 7
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


وباء كورونا المعروف طبيا بـ COVID-19 بعثر كل التوقعات والحسابات إلى حد أقصى، لأنه تجاوز الحدود الجغرافية إلى ما هو كوني، وتحدى الاستراتيجيات السياسية أيما تحد، وزحزح المسلمات العلمية إلى درجة الارتياب. لذلك يمكن تشبيهه بالظاهرة العابرة للمكان والزمان من حيث طروؤه المباغت وانتشاره الخاطف. أما عن مآله فالكل يسارع عقرب الزمن للتخفيف من غلوائه، والحد من استفحاله. ومع مرور الأيام يكبر الخوف في النفوس، وتبهت بارقة الأمل في العيون، أمام تناسل الأرقام، وتلاقح الإشاعات، واختلاط الحقيقة بالزعم.
من غريب الصدف أنه أعلن عن فيروس كورونا لأول مرة في منطقة ووهان الصينية، وذلك في آخر يوم من السنة الماضية31 ديسمبر 2019. ولا نعرف ما إذا كان هذا التاريخ صحيحا أم ملفقا، لاسيما وأنه من عادة الدولة الصينية أن تُغطّي على مختلف الأحداث السياسية والكوارث البيئية والصحية التي تحدث هناك. وهذا ما حصل عندما ظهر مرض المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة المعروف بـ SARS عام 2003 في إقليم جونجادونج الصيني، فلم تعلن عنه الصين رسميا إلا بعد مرور أربعة أشهر من ظهوره. وقد أصاب ما يناهز ثلاثة آلاف شخص، وأودى بحياة 861 شخص عبر مختلف أرجاء العالم.
ولعل هذا ما ينطبق أيضا على فيروس كورونا الذي لم تعلن الصين عنه إلا بعد مرور شهر من ظهوره، وقد أدى هذا التأخر في انتقال العدوى إلى مختلف الدول التي تشهد حركة تجارية وسياحية كثيفة مع الصين، مثل كوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا. وبعد مضي شهرين ونصف من الإعلان الرسمي عن ظهور الفيروس، أصبح العالم يعيش اليوم فوضى غير مسبوقة شلت مختلف المجالات من سياحة وملاحة وتعليم وتجارة وغيرها. ومرد ذلك، إلى ضرواة هذا المرض الذي اعتبر يوم الأربعاء 11 مارس 2020 وباء عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية، لأنه لم تعد عدواه تقتصر على جغرافيا معينة، بل امتد إلى 215 دولة موزعة على القارات الخمس برمتها. ثم إن هذا الوباء أصاب إلى حد الآن حوالي 7 ملايين شخص، توفي منهم ما يناهز 400 ألف شخص، ويوجد أكثر من 53 ألف شخص في حالة حرجة، حسب آخر إحصائيات مرصد Worldometer.
أكتفي في هذه المقالة بالتوقف عند ثلاث مسائل أفضى إليها طبيعة تعاطي الناس مع ظاهرة كورونا، لاسيما في زمن الإنترنت والإعلام الجديد والعولمة الرقمية. ويتعلق الأمر بهيمنة الجهل، والتفسير الديني، ونظرية المؤامرة.

جهل بالواقع.. وجهل أخلاقي
كشفت ظاهرة كورونا عن حجم الجهل الذي يحمله الإنسان رغم التقدم العارم الذي حصل على مستوى العلم والمعرفة والتواصل. وقد ساهمت الشبكات الاجتماعية في تعرية الكثير من الحقائق التي تؤكد ترسخ هذا الجهل وترسبه العميق في الذات والأخلاق والواقع. يكفي أن نتصفح لثوان معدودات بعض المواقع الرقمية الإخبارية أو التفاعلية لنطلع على ضراوة الجهل، الذي يتخذ تمظهرات متنوعة.
هناك من الناس من يستهتر بشكل ساذج ومشين بحقيقة كورونا مقللا مما يحدث في البلدان الأخرى، كأن الأمر لا يعدو أن يكون إلا مجرد لعبة أو خرافة. وقد كانت مختلف وسائل الإعلام شاهدة على الأخطاء الفادحة، التي ارتكبها الكثير من المواطنين في مختلف الدول الأوروبية والعربية، حيث لم تؤخذ تدابير الدولة على محمل الجد، ولم يُكترث برسائل الإعلام وإنذاراته، ولم تأت استجابة الشارع النسبية لما هو رسمي إلا بعد أن اصبحت كورونا أمرا واقعا، حتى أن هناك من الدول ما اعتمد نظام المخالفات ضد كل من لا يلتزم بقوانين الحماية من تفشي الوباء، كما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
إذا كانت فئة من المواطنين لم تأبه لخطر الوباء، فخرجت إلى الشوارع والساحات العمومية، وارتادت المقاهي والمطاعم، وفضلت التجمهر والاحتفالية، فإن فئة أخرى أصيبت بالهلع جراء ما ينشر يوميا من حقائق مرعبة عن تداعيات الوباء وأضراره وانتشاره الخاطف، ما جعلها تهرع إلى المحلات التجارية لاحتكار مختلف المواد الغذائية الأساسية بشكل هيستيري!
يبدو أن كلا الحالتين محكومتان بسلوك الجهل. إن الفئة الأولى تجهل واقع الأمر، وما الاستهتار أو اللامبالاة التي تصدر عنها إلا نتيجة لذلك الجهل، الذي سوف يتبدد أمام زحف الوباء الذي أصبح رأي العين. على النقيض من ذلك، لا يمكن تفسير هيستريا الشراء والتخزين لدى الفئة الثانية إلا لأنها تدرك خطورة الوباء، غير أن هذا التعاطي ينم أيضا عن جهل واقعي بعرض السوق المستقر من جهة، وعن جهل أخلاقي من جهة ثانية، لأن الشراء الهيستيري للبضائع من طرف مستهلكين معينين سوف يكون على حساب مستهلكين آخرين، بالاضافة إلى ما يحمله هذا السلوك من قيم سلبية كالاحتكار والأنانية والاستئثار.

عقاب وزجر وابتلاء رباني!
ثم إن ظاهرة كورونا لا تكاد تخلو من تفسير ديني لدى شريحة عريضة من المسلمين، الذين يؤولون ما يحدث إما بالانتقام الإلهي من جرائم الصين ضد المسلمين الإيغور العزل، وإما بكونها علامة من علامات الساعة الصغرى، وإما بغير ذلك.
عندما نتأمل تجليات الكوارث والمصائب في الخطاب القرآني نجد أنه يمكن أن تفسر تفسيرات متنوعة. هناك من المصائب التي تحل بالناس بغرض العقاب الرباني لهم بسبب انتشار الفواحش والظلم، كما جاء في خطاب الله تعالى لبني إسرائيل: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}، (طه، 81).
وهناك من المصائب ما يحدث لزجر الناس وإنذارهم حتى يرتدعوا عن ارتكاب المعاصي ويتوبوا إلى الله تعالى، كما يؤكد ذلك القرآن الكريم في أكثر من موضع؛ {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، (الروم، 41)، وهكذا يمكن للمصيبة أن تحمل الخير للناس من خلال إنذارهم بأنهم قد انحرفوا عن جادة الصواب وأنه لا مناص من التوبة إلى الله.
بالإضافة إلى ذلك، تحيل المصائب على الابتلاء الرباني للإنسان حتى تظهر حقيقته أمام ما يمتحن به. فهو بهذا يوضع على المحك الحقيقي الذي تقاس به درجة إيمانه وتجلده؛ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، (العنكبوت، 2).
وعادة ما تُوظف هذه التفسيرات القرآنية بشكل أو بآخر دون التركيز على مآلات وباء كورونا وتداعياته في الواقع، لاسيما وأنه يشكل تحديا عارما لم تشهد الإنسانية نظيره بتاتا. ما يجعل المجتمعات المعاصرة تعيد النظر في نظامها المعيشي والبيئي، وتلائم منظومتها الصحية، وتشدد على قيم التضامن والتضحية والإيثار. وهكذا يتقاطع زجر الإنسان على تسيبه الأخلاقي واحتكاره الاقتصادي وتسلطه السياسي مع ابتلائه في نفسه وأهله وماله، ومع تذكيره بالحال والمآل.
إن أي تأويل حرفي وتسطيحي للخطاب القرآني قد يتعارض بشكل أو بآخر مع واقع الحال أو مآله، لاسيما عندما ننظر إليه من زاوية أخرى؛ كيف يمكن الآن أن نتعامل مع التفسير الذي يقول بأن وباء كورونا عقاب وانتقام إلهي من الصين بعدما تمكنت من الحد من تفشيه وأصبح العالم يستنجد بها ويطلب خبرتها؟!

نظرية المؤامرة
هناك تفسير آخر يؤول وباء كورونا على أنه صناعة أمريكية بهدف إلحاق الضرر بالدول التي تشكل تهديدا لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية كإيران والصين. ولم يعد الأمر يقتصر على بعض الأقلام والأصوات الإعلامية التي تركز على نظرية المؤامرة، بل تعداها إلى ما هو رسمي إذ اتهمت الصين الجيش الأمريكي بأنه هو الذي جاء بفيروس كورونا إلى منطقة ووهان.
وهذا ليس بجديد في تاريخ الصراعات الميدانية التي تلجأ فيها بعض الدول إلى استعمال ما يعرف بالحرب البيولوجية (Biological Warfare) أو الجرثومية، التي تستخدم فيها جراثيم وسموم بعض الكائنات الحية لمواجهة العدو. تذكر موسوعة Britannica أن قلعة جنوة في إيطاليا تعرضت عام 1346 لحصار من طرف التتار، إذ أصيبت القوات الغازية بوباء الطاعون الذي ألحق بجنودها ضررا بليغا. ما جعلها تلجأ إلى قذف جثث الضحايا على جدران المدافعين عن مدينة جنوة لنقل العدوى إليهم. وهكذا انتشر وباء الطاعون إلى مختلف أنحاء إيطاليا وأوروبا، وينظر إلى هذه الواقعة بكونها أقرب استخدام موثق للحرب البيولوجية في التاريخ.
ويظل هذا التفسير الإيديولوجي مفتوحا عما سوف تكشف عنه الأيام القادمة أمام تصاعد التراشق الإعلامي والسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، في الوقت الذي ينكب فيه العلماء والباحثون في مختلف البلدان على تطوير دواء فعال لمواجهة هذا الوباء الفتاك، وتجنيب الإنسانية كارثة صحية فظيعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟