الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سِكًيرُ حيًينا

نموس محسن

2020 / 6 / 7
الادب والفن


داخل أسوار مدينة فاس كما خارجها، تتشابه الكثير من العادات والتقاليد، وربما حتى الشخوص،الفقيه و السمسار، بائع مواد التنظيف المتنقل والخياط،، بائع الحليب ونادل المقهى، كلها شخصيات جد متشابهة لابد أن توجد بين أسوار كل حي.
في حيينا، شباب متسمرون عند نهاية الشارع، رِجل على الأرض والأخرى مطوية تجاه الحائط، شيوخ أنهكم الزمن، وصلوا سن التقاعد دون الحصول على دريهماته ، يلعبون الورق في مجموعات متفرقة، تتصايح أصواتهم دلالة الهزيمة المتكررة للحاج أحمد، فيضع على رأسه أو فوق أذنيه المزيد من الأوسمة والنياشين، لكنها تمثل سمات الهزيمة عوض النصر ، أوسمة عبارة عن حذاء قديم ، قطعة ورق مقوى، غصن زيتون وإذا كان لا زال بصحة جيدة يجلس فوق ظهره أحد المتفرجين، نسوة تحافظن على جلابيبهن التقليدية، يجتمعن بمحاذاة بضع سيارات مركونة جانب الرصيف ، مجنون أو مجنونة تتجول من مكان إلى آخر تحمل قنينة كوكو كولا من الحجم الكبير لا تفارقها أبدا.
لا يخلو الحي من أطفال صغار، يركضون ذهابا وجيئة، بعضهم يحتمي بجدته هروبا من إمساكه أثناء لعبة الغميظة، هذا المشهد الجميل البسيط، يستمر بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب، فتكون جميع مكونات الحي من أطفال ونساء وشيوخ قد نفذ حضهم في المكوث أكثر خارج المنازل الضيقة خصوصا وحرارة الصيف لأن حسن سكير الحي يكون قد ملأ رأسه خمرة رخيصة ويحمل ما تبقى معه، ليبدأ العرض الليلي.
ما إن تطأ قدمه أول درج صعودا إلى نهاية الحي ، حتى يطلق العنان لشتائمه التي تتخذ من الأجهزة التناسلية وصفات الدعارة والديوثة مادة دسمة لها.
- يا أولاد......
- ها.....هو ....حسن عـــــــــــــــاد ا..ل..ي...ك..م من جديــــــــــــــــد
- يا اولاد.........زفرة ومحاولة سقوط.
- تريدون التخلص من حسن.
- حسن عــــــــــــــــــــــا..د الي....كم من جديد.

رشفة أخرى من القنينة ذات الرائحة النتنة وتتهاوى رجليه، يتمسك بالحائط ، يأخذ سيجارة ويضعها في فمه، يبحث عن القدًاحة طوال ساعة ويستمر في السباب بصيغة الجمع، يعرف السكارى جيدا الفرق بين ضمائر الجمع وضمائر الفرد ، لأنه بكل بساطة لن يعرض نفسه للرفس والركل والتنكيل.
يا أولاد....... يقسم بأغلظ الإيمان ألًا يترك أحدا لينام، يتناقل السيجارة من يد اليد اليمنى إلى اليسرى ثم العكس ، لا يجد القدًاحة، يحس بالتعب قليلا ويخرس، بعض الشباب المستمتعين بالعرض يصرون على تذكيره بان سكان الحي لا يحبونه وأنهم السبب في إدمانه الخمر، يكيدون له المكائد ويبلغون عنه الشرطة، يدفعونه دفعا لكي يستمر في السباب ويضحكهم.
ينهض متثاقلا مرة أخرى ويحاول التلويح بالقنينة في أي اتجاه، مرة أخرى سبً وشتم.

- أولاد الـــــــــــــــــــــــــــ.......يريدون موتي لكي يرتاحوا مني.
- والله لن ينام أحدا.
عندما تعبث الخمرة برأس حسن يتذكًر كل الأحداث والوقائع بالتفصيل الممل، عدم دعوته لعرس عبد الله الصيف الماضي عندما عاد من ايطاليا مع الشقراء العجوز، مساعدته في حفر قبر لالة زهور، وإقلاعه عن الشرب ثلاثة أيام احتراما لها، حمل الخبز إلى الفرن المجاور، تصديه للسكارى القادمين من أحياء أخرى الخ.
في الجانب الأخر من الحي الضيق يصيح الشباب: حــــــــــــــسن حـــــــــــــــــــسن حـــــــــــسن.
ينهض وقارورته في يده، يرقص ويغني ويبتسم، يتدلًى رأسه إلا الأمام دلالة التعب، فجأة ينسى أنه يمسك القنينة بيده، فيقوم مزركشا يبحث عنها.

- من سرق قنينتي.
- أريدها الآن والله لن ينام أحدا.
- - يا أولاد الق.....

جماعة المنافقين، الحاقدين، فجأة يسقط ويسمع صوت القنينة على الرصيف دون أن تتكسر، يصيح الشبان من الجانب الآخر.. هاهي ، هاهي حسن، شد ، شد.

يبتسم حسن حين يعي أن القنينة كانت في يده وأنه خدع، تظهر لآلة فاطنة عائدة إلى بيتها في الدور الثالث حوالي التاسعة ليلا، ينحني حسن ويده علة رأسه احتراما لها، فتبتسم له ، كل سكارى الأحياء الشعبية يقدسون العجائز ويحترمونهن.
يشتم آخر شتماته وينصرف لحاله سبيله. ينفض جمع الشباب ،تفتح النوافذ دلالة مغادرة حسن إلى الحي المجاور، تمر دورية للشرطة، يعرف كل شرطي، حسن سكًير حيينا تمام المعرفة ، لما قضاه من ليال متفرقة في مخفر الشرطة، ثم يثرك لحال سبيله، لا هو مجرم وجب الزج به في السجن ولا هو مسالم يترك لحاله، حالة فريدة بجميع المقاييس، يستريح الزقاق ساعة ضنًا من ساكنيه أن ليلية حسن قد انتهت وربما خلد للنوم، حتى يسمع صوته من بعيد، يصير أكثر وضوحا كلما اقترب ، يرمي بقنينته الفارغة على الحائط، فتتكسر ويصدح من جديد.


- أولاد الــــــــــــحرام،
- دين أمــــــــــــــكم.
- تتظاهرون بالنبل والفضيلة وأنتم ... مرة أخرى يعود إلى القاموس المفضل، أولاد ..... ال ....ال .......

يتذمر الرجال، وتخاف النساء، تسمع قهقهات الصغار ، يقف حسن، ثم يجلس القرفصاء، يتهاوى تماما على وجهه، يصاب وجهه بخدوش ، يعود ليعتدل في جلسته ويبكي كثيرا، لا أعلم لما يبكي السكارى، يطلب الصفح من الساكنة أحيانا ويشتم أحيانا أخرى بعدما تكون أمه قد حضرت لتأخذه، يقبل رأسها ويماطل، تأخذه بمساعدة بعض الشباب، يشتم ، يسب ويعربد ثم تنتهي ليلة سكير حيينا،
عند تمام الساعة الواحدة بعد الزوال، يستيقظ حسن بعد ليلة متعبة، يحتسي قهوة في مقهى الحي ،يدخن بعض السجائر، في هدوء تام وسكينة فيكون قد نسي تماما ما حدث ليلة أمس. يقضي يومه هنا وهناك، يبحث عن أي عمل صغير، توصيلة ، حمل قنينة غاز، مساعدة في دفع سيارة ....وكلما حصل ثمن قنينة الخمر الرخيصة أراح واستراح واستعًد لليلة أخرى، نفس الزقاق، نفس الخمرة الرديئة، نفس الشتائم ، حسن نفسه، يكرر نفسه وعاداته كل ليلة إلى أن يحل شهر رمضان ليدخل في سبات طوال الشهر، يفتقده الحي كثيرا، وتشتاق إليه الأذان ، فحسن رغم كل هذا سكير طيب ولا يمكن أن تكتمل صورة الحي بدونه.


ملاحظة: كل تشابه في الأحداث أو الشخوص فهو من محض الصدفة ليس إلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي