الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباب الصغير

دلور ميقري

2020 / 6 / 7
الادب والفن


كان الشابُ في طريقه إلى السوق، أين يعمل هناك في صنع السلال. عادةً طريقه لا يتغير، مهما تقلب الطقس. واليوم كان جميلاً، عاد في خلال الظهيرة من منزله عقبَ تناوله الغداء. كان على ظهره حماره، الذي خدمه بضع سنين حتى غدا كلاهما يعرف طبعَ صاحبه. الطريق، كان موحشاً؛ يشق البساتين وقد أحدق به من الجانبين جدارٌ طينيّ، عششت فيه الزواحفُ وظللته أشجار الجوز العملاقة.
وصل الشابُ إلى بقعة من الطريق، ينفتح فيه الجدار عن باب صغير، واطئ. في الآونة الأخيرة، كان الحمار كلما وصل إلى هذه البقعة فإنه يراوح في مكانه هنيهةً إلى أن تحثه على التحرك ضرباتُ عصا صاحبه. إلا في هذا اليوم، حيث حَرَنَ الحيوانُ وصار يُطلق نهيقه مع كل ضربة عصا. اضطر الشابُ للترجل، وكفّ عن ضرب دابته. لم يكن قبلاً قد أطل من الباب الصغير، وكان هذا عبارة عن فتحة مقوسة الشكل تم الاعتناء بإطارها الحجريّ. خلال الباب، انفتحَ منظرُ بستانٍ حافل بالأشجار المثمرة، ترويه ساقيةٌ تصدر خريراً في عذوبة مائها وصفائه: فإن الشاب ذهبَ وتذوق من معين الجدول، ثم حمل للحمار طاساً منه.
" آه، إنها ورقة مالية "، هتفَ في فرح. لم يكن ذلك لقيمة ما عثر عليه عَرَضاً، ولكن لأنه يُبشّر برزقٍ سيأتيه في خلال ما تبقى من النهار. فإن الحمار، نتيجة حرنه قبل قليل، أخرجت قائمته الورقةَ المالية من بين تراب الطريق. أخذ الشابُ ينفخ الغبارَ عن الورقة، وإذا به يرى كتابةً عليها بخط أزرق اللون. كان يعرفُ القراءة والكتابة، بفضل دروس الطفولة عند الشيخ القاسي القلب.
" ابحثْ هناك عن كنز! "؛ هذا ما كُتبَ على الورقة المالية. تحت الجملة، كان ثمة سهمٌ يتجه رأسه إلى جهة الباب الصغير. فكّرَ في نفسه مُبلبلاً، ما لو كان هذا هوَ الرزق المأمول. بيد أنه استسلم سريعاً للقنوط، فيما كان يلقي نظرةً على المكان: كيفَ في الوسع العثور على كنز في بقعةٍ كهذه، تتشابك فيها الأشجارُ والنباتات مثل ألياف القش، التي يصنع منها السلال؟
تفكيره، ما لبثَ أن هداه إلى أن السهمَ قد يُشير تحديداً إلى الساقية؛ كونها تقابل تماماً مدخل الباب الصغير. عاد إلى نفس البقعة من الساقية، أين نهلَ منها الماء، فأخذ ينقل بصره في خلالها. ثم أخذ ينكش فيها بطرف عصاه، إلى أن بانَ طرفُ سلسلة حديدية. كان جديراً بقلبه أن يخفق عندئذٍ في عنف، بينما يده تسحب السلسلة على مهل لكن بقوة.
" يا إلهي، إنه صندوقٌ ثقيل للغاية برغم حجمه الصغير "، خاطبَ داخله. إذاك، كان قد أخرج الصندوق من الساقية، ما ترك فيها حفرة سرعان ما أخذت تمتلئ بالماء. استغرقَ بعدئذٍ في محاولة فتح الصندوق، وكان بلا قفل. بصعوبة بالغة، تزحزح الغطاءُ من مكانه وما عتمَ بريقُ الذهب أن خطف بصر الشاب. وإنما في اللحظة التالية، شعر بصدغه كأنما اخترقه رمحٌ وما أبطأ في السقوط فاقداً الوعي.
ناطور البستان، وكان رجلاً متوسط العُمر، هوَ مَن انهال بعصا الشوم على رأس الشاب. لقد راقبه مذ لحظة إخراج الصندوق من الساقية، لحين أن تمكن من فتح الغطاء على مشهد الكنز. الخطوة التالية، كانت في تخلصه ببرودة من الشاب. تحقق له ذلك، بأن وضع رأسه في الماء ضاغطاً على أعلى الجسد بثقل جسده القويّ. لما تأكد من موت ضحيته، سحبَ الجثة إلى مكان غارق من الساقية تحفه الصخور. على الأثر، أحكم ثانيةً غطاءَ الصندوق ثم مضى به في اتجاه مدخل الباب الصغير. شاءَ استعمال دابة ضحيته، كي يوصل الكنز إلى المنزل. لحُسن الحظ، وجد جوالاً في خرج الحمار فأخفى الصندوق فيه ثم جعله في حضنه. غيرَ أن الحمار لم يتحرك برغم الضربات المتتالية من عصا الشوم. فكّرَ قليلاً، فما عتمَ أن نزل عن الحمار فحمل الصندوق باتجاه الساقية مجدداً: " ما دامَ حُفظ هناك فإنه مكان مناسب، لحين أن آتي بحصاني من المنزل "، قرر ذلك مطمئناً. أسرع بوضع الصندوق في نفسه الحفرة، ثم أهال عليها ما تيسر من الطين والأحجار. آبَ بعدئذٍ إلى جهة الحمار. حانقاً، انهال على مؤخرته بضربة قوية من العصا. وإذا الحمار يرفع قائمتيه الخلفيتين بلمحة، ليرد الضربة بمثلها. الركلة، جعلت رأسَ الناطور يضرب بعنف في الإطار الحجري للباب الصغير.
عند حلول العصر، حينَ قدِمَ مسئولُ الأمن في المنطقة، كانت الجثتان قد وضعتا على عربة تشدها الخيل. جمهرة من المزارعين، ملأت البقعة الموحشة من الطريق وكان أحدهم قد اكتشفَ أولاً جثة الناطور. قال المسئولُ لجاويش الشرطة، بنبرة الخبير العارف: " واضحٌ أن الناطورَ فاجأ الشاب وهوَ يحاول سرقة الخضار، فاقتتلا حتى الموت ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل