الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سياق النقاش الدائر حول حل “الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة على أرض كل فلسطين “. 6

عبد الرحمن البيطار

2020 / 6 / 8
القضية الفلسطينية


أَخذتُ أبحثُ عن رد فعلٍ فلسطيني أو عربي أو عثماني لمقررات مؤتمر بازل ( المؤتمر الصهيوني الاول ) المُنْعقد في ٢٨ آب ١٨٩٦ صَدَر عَنْها فور إنقضاء أعمال المؤتمر .
لَمْ أجدْ ، أو بالأحرى لم أتوصلْ، فالمعلومات حول ذلك شحيحة جداً وربما غير متوفرة ،وربما أيضاً لأن وسائل الإتصال والصُّحف -في تلك الأوقات من أواخر القرن التاسع عشر – في أرجاء الجزء الجنوبي من الدولة العثمانية ( أي بلاد الهلال الخصيب ومنها فلسطين ) كانت شحيحة ومتخلفة ، ولَمْ تَنقل ردود الفعل . ولا أعرف أيضاً إن كانت الصُّحف المعدودة التي كانت متوفرة في المدن الكبرى من بلاد الهلال الخصيب ،قد نَقَلَت أي خبر حول رودود الفعل لتلك المقررارت . حتى ولو كان هناك أخبار نقلتها صحيفة أو أكثر ، فإن ذلك قد لا يكون قد أجدى ، لأن انتشارها كان محصوراً في أوساط حفنة قليلة جداً من قراء المدن الكبرى التي تصدر فيها.
كانت الوسيلة الوحيدة لنقل الأخبار من البلدان البعيدة في ذلك الزمن هو (التليغراف) ، وهذا كان يتوفر في اسطنبول ، وفي المدن الرئيسية ، ومنها مدن بلاد الشام الكبرى وبينها مدينة القدس. أما الخبر الذي يصل مدينة ما ،فإن العِلْم به كان محصوراً بإطارٍ مَحْدود من الأفراد، وكان تناقله يَتم من فرد الى فرد لا أكثر.
في كتابه ” الفلسطينيون والصهيونية – من ١٨٩٧ الى ١٩٤٨ ” المنشور في العام ١٩٩٥، أشار ” دونالد نيف ” إلى ردِّ فِعٍلٍ فلسطيني مُمَيَّز تجاه مقررات مؤتمر بازل – لا أعرف إن كان هو الأول أو الوحيد أم لا ، وهذه مسألة تحتاج الى مَزيدٍ من البحث – أقول رد فِعْلٍ يتمتع بقدرٍ عالٍ من الوزن والقيمة التاريخية، ويُمكن إعتباره ممثلاً لرأي سكان فلسطين والبلاد الشامية . وتكتسب قيمة رد الفعل هذا أنه جاء من مُمَثّل ” مُتَصَرّفية القدس ” في مَجلس المبعوثان ( النُّواب ) العُثماني ، وهو في ذات الوقت ، كان يتبوأ مَنْصِبَ ” رئيس بلدية القدس ” .
رَدُّ الفِعْل هذا جاء في العام ١٨٩٩، بعد عامين أو أقل من اٌنعقاد “مؤتمر بازل” في سويسرا، وهذا أَمْرٌ لا يُقَلّل من قيمة المَعْلومة والموقف الذي حَمَلَته.
يقول الكاتب “دونالد نيف” ، أنَّ يوسف ضياء الخالدي ( رئيس البلدية ) وَجَّه في العام ١٨٩٩ رسالة ، تم إيصالها إلى هيرتزل ، حَذَّرَ فيها من مَخاطر الإدعاءات الصهيونية بخصوص فلسطين ،والمُسْتَنِدة على حُجَّةٍ أو ذَريعةٍ بأنّ اليهود ، ولأنهم عاشوا في فلسطين قبل أكثر من ألفي عام –حتى ولو لوقت قصير – فإن ذلك يمنحهم حقوقاً فيها. وحول ذلك ، ذَكَرَ الخالدي أنَّ مِثل هذه الإدعاءات غير عَمَلِيّة ولا تخلق أساساً لتلك الإدعاءات الصهيونية، وذلِك في ضوءِ أنَّ أراضي هذه البلاد( فلسطين) أصْبَحتْ تحت الحكم الإسلامي في الثلاثة عشر قرناً الأخيرة ، وأنَّ للمسلمين والمسيحيين مَصالح مُتَأَصِّلَة فيها لكونها الأرض التي تحتضن الأماكن المقدسة ، هذا بالإضافة إلى أنَّ غالبية سكان فلسطين تُعارِض السَّيطرة الصهيونية على البِلاد.
بإمكاني القول ، بأن يوسف الخالدي ، بصِفَتيه المذكورتين أعلاه ، حَدّدَ لهيرتزل ، وفي وقتٍ مُبَكِّر المَوْقِف الفلسطيني تجاه مقررات مؤتمر بازل الصهيوني الأول، وهو أيضاً موقف سُكان بلاد الشام والرافدين.
مع هذا الإستطراد ، وهو في غاية الأهمية ، لنَعُد الآن الى السؤال الذي أثرناه في اليومية السابقة ، وهو ، إذا كان ” مؤتمر بازل ” المُنعقِد في آب ١٨٩٧ هو الذي عَيّنَ فلسطين لتكون المكان الذي ستقام فيها “دولة اليهود” ، فكيف نفسر إذن دَفَقَات هجرة اليهود الى فلسطين قبل العام ١٨٩٧؟.
هل كان هؤلاء مجرد مُهاجِرين ، أمثال مُهاجري هذه الأيام الذين يتركون بلادِهم الى بلدان العالم مثل الولايات المتحدة و كندا واستراليا ونيوزيلاندا….الخ سَعياً وراء فُرصة أفضل للعيش والحياة، ولرفع مستوى دخولهم أيضاً ، نظراً لكون فرص وتحقيق الثروة في البلاد التي ينتمون لها ضَيِّقة ومُنْحسرة أو غير مُتَوَفِّرة ؟
وهل أنهم يُهاجرون الى خارج بلادِهم هرباً من التعسف والقمع والإضطهاد الذي يلاقونه في بلادِهم لافتقارها للحريات الاساسية، وفقدان الديمقراطية والمساواة والعدل وحكم القانون فيها ؟.
ولكن ، هل كانت تلك هي دوافع اليهود الذين هاجروا الى فلسطين قبل العام ١٨٩٧؟.
إنني أُثير هذه التساؤلات ليس لمجرد السَّرد التاريخي ، ولا التَّرف المعلوماتي ، ولكن لمحاولة إكتساب فَهْم وإدراك صحيح لوقائع التاريخ ، لأنه وبدون ذلك لا يمكن إنطاقها بشكلٍ صحيح ، وهذا الفهم والإدراك ، هو عُنصر أساسي سَنحتاجه عند صياغة مشروع البرنامج الوطني الفلسطيني (أي مشروع إستراتيجية النضال الوطني) والعربي (تجاه فلسطين)، وهو ، في ذات الوقت، مُهِمٌ لإغناء النقاش الدائر في هذه الأيام بخصوص ” حل الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة ” على كامل التراب الوطني الفلسطيني للتّوصل الى موقف موضوعي منه.
سأبدأ هنا بمحطة إغتيال “ألكسندر الثاني” ، قيصر روسيا في ١٣ آذار من العام ١٨٨١ في مدينة “سانت بطرسبرغ” في روسيا القيصرية. كان القيصر يَتَحرك في ذلك اليوم في عَرَبَته عندما تم إلقاء قنبلتين على موكبه مما أدى الى مَقْتَلِه.
التي قامَتْ بتنفيذ هذه العملية هي مَجموعة من مجموعات العمل الثوري ضد الحكم القيصري التي كانت سائدة في روسيا في ذلك الوّقت، تُدعى “نارودنايا فوليا” ( إرادة الشعب )، وكانتْ مُؤَلَّفَة من تِسعة أفراد بينهم “چيزيا چيلفمان” (Gesya Gelfman)، وهي روسية من مواطني روسيا اليهود .
الفتاة ” چيزيا چيلفمان ” هذه كانت السبب المباشر في توليد شُروط هجرة نحو (٣٠)ألفاً من مواطني روسيا اليهود الى فلسطين خلال خمسة اعوام من تاريخ هذا الحادث ، والتي شهدت أيضا قيامهم بإنشاء أول خمسة مستوطنات في مَواقع أساسية من فلسطين.
كيف حصل ذلك ؟
أثار مقتل القيصر ، ومُشاركة الفتاة الروسية اليهودية في عملية الإغتيال موجةً عارمةً من العَداء والكراهِية في كافة أرجاء روسيا القيصرية تجاه اليهود ، واٌنتشرتْ كذلك في العديد من دوّل أوروبا الشرقية . هذه الموجة أخذت أشكال قمع عنيفة ، تَضمَّنتْ عَمليات ملاحقة بوليسية للمواطنين الروس اليهود ، ومهاجمة أحياءهم وحرق متاجرهم ، واغتصاب نساءهم ..الخ وذلِك في عشرات المدن والبلدات الروسية ولمدد طويلة ، مِمّا أفضى إبتداءً من العام ١٨٨٢ الى هجرة ما يزيد عن مليوني روسي يهودي الى خارج روسيا ، هاجَرَ أغلبهم الى الولايات المتحدة الأمريكية ، واٌختار بَعضهم الهِجرة الى فلسطين.
لكن ، لماذا اختار هؤلاء الهجرة الى فلسطين ، وكيف تمكن هؤلاء من الهِجرة اليها ؟ وإقامة المستوطنات فيها؟
أليس ذلك هو بالتحديد الإنتقال من معازل ” الحَيِّ اليهودي ” ( الإسم الجديد للغيتو بعد إلغاءه في العام ١٨٩١ الثورة الفرنسية ) في المدن الروسية ومدن اوروبا الشرقية ، الى معازل جديدة أسمهوها ” مُستوطنات في فلسطين “؟
هذا أَمْرٌ مهم جداً أن يُلاحَظ ، وأنَّ تستوعب معانيه ومراميه في الفكر الصهيوني وما قبل الفكر الصهيوني .
وأخيراً ، هل كان للدولة العثمانية موقف محدد من مؤتمر بازل ومقرراته ؟ .
وماذا كان موقفها من هجرة اليهود الى فلسطين في ذلك الوقت (أي في عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر ) ؟
سأحاول تناول كل ذلك في اليومية القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض