الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلاوة

ضيا اسكندر

2020 / 6 / 8
كتابات ساخرة


عندما أشارت ساعة يدي إلى الثالثة بعد الظهر دون أن يقدّم لنا طعام الغداء, بدأت عصافير بطن الرفاق بالزقزقة, لا سيّما وأنها اعتادت على استلام الطعام ما بين الواحدة والثانية ظهراً. ولقد دُهِشْنا جميعاً عندما أخبرنا السجّان بأنه لا يوجد طعام هذا اليوم، وبالتالي علينا تناول السندويش ودفع ثمنه. وبدأ يدور على الزنازين مسجّلاً طلبات كل زنزانة حاجتها من الطعام ونوعيته ويقبض ثمنها نقداً.
فتح السجّان طاقة زنزانتي وسألني:
- حُصَيْني*! ماذا تريد أن تأكل؟
وقفتُ منتصباً وأجبته:
- سندويشة فلافل أبو صْطيف..
فصرخ محتدّاً كمن تلقّى صفعة مباغتة: «أبو صْطيف؟! شو أنا ابن دورتك وْلا ابن الشرموطة؟ قرّب راسك لهون, قرّب وْلاه..!» فدنَوْتُ خطوة مذعورة باتجاهه. أدخل يده من الطاقة وصفعني بقوة لكنه لم يحقّق هدفه! فأمرني ثانية بالاقتراب ليعيد الصفعة من جديد, ( طْرَقْ ).. لقد رضيَ عن هذه الصفعة الآن..
- آسف سيدي! آسف.. (أجبته معتذراً)
- هات خمس ليرات هات (قالها بلهجة هادئة وكأنه قبل الاعتذار)
- يوجد معي عشرة..
- هات سأعيد لك الباقي بعد الشراء..
ناولته العشر ليرات فسجّل على ورقة بيضاء طولانية وبصوت مسموع: (حُصَيْني, سندويشة فلافل, واصل عشر ليرات) وانصرف وسط دهشتنا وحيرتنا في تفسير هذه الواقعة..!
وعندما تكرّر الأمر في اليوم التالي وطلب منا السجّان الطيب (أبو محمد) شراء ما نشتهيه من طعام، لأن مخصصات السجناء قد انقطعت دون أن يشرح لنا السبب في ذلك, جعلنا نغتبط كثيراً. واخضرّت الكثير من الآمال التي كانت قد ذبلت وأصاب اليباس معظمها.
طلبتُ علبة حلاوة لحاجتي الماسة للسكريات بفعل الصرف اليومي لآلاف الحريرات.
عندما علم رفيقي (أبو طارق) بالمنفردة المجاورة عن رغبتي في الحلاوة، طلب منّي برجاء إعطاءه بعضاً منها. فأجبته متحمّساً بمحبّة: «لن أضنَّ عليك بها يا أبا طارق، ولكن كيف سأناولك إياها؟» اقترح أن أفتح طاقة زنزانتي بهدوء وأمدّ يدي منها نحو طاقة زنزانته والتي لسبب لا نعرفه, لا يوجد غطاء مركّب فيها وبالتالي فهي مفتوحة دائماً.
وبالفعل، عندما استلمت الحلاوة، وضعتُ قطعة منها على رغيف خبز وطويته، ثم فتحتُ الطاقة ومددتُ يدي خارجاً كما اقترح, لكنّ يده لم تستطع الوصول إلى يدي!
صفنتُ هُنَيْهة مفكّراً كيف يمكنني تلبية طلب رفيقي، تذكّرتُ الثقب الصغير الكائن في أعلى الجدار المشترك بين زنزانتينا. وأنه بمقدوري استثمارها بطريقةٍ ما. وسرعان ما خطرت على بالي فكرة. وهي أن أضع الحلاوة على قطعة نايلون أقتطعها من كيس الخبز, وألفّ الحلاوة بها على شكل سيكارة وأمرّرها من ذلك الثقب.
وكم كانت فرحتنا كبيرة عندما نجحت الخطّة والتهم الحبيب أبو طارق سندويشة الحلاوة اللذيذة. وقد تكرّرت هذه المحاولة مرات عديدة خلال الأيام التالية حتى فرغت العلبة نهائياً.
-----------------
*(حُصَيْني): اتفق المحققون والسجّانون على تسميتي بـ (الحُصَيْني) والتي تعني "الثعلب". لأنني برأيهم (خبيث، متكتّم، ماكر..) بعد أن أعْيتْهم كل وسائلهم من استنطاقي بما يرغبون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?