الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ناس فى سهل الطينة

ياسر العدل

2006 / 6 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أبو زينب صاحبى فلاح بسيط رب أسرة من سبعة أفراد، يتحايل على المعيشة بالعمل موظفا حكوميا، باع كل ميراثه قراريط قليلة فى أرض الدلتا واشترى فى المقابل أرضا من أراضى الاستصلاح الزراعى يراعيها بالزيارة مرة كل أسبوعين، ودعانى أبو زينب لزيارة أرضه الجديدة فى منطقة سهل الطينة فى شمال سيناء.
صباح السبت الماضى، طرقت دار أبو زينب فى قرية طنامل، احدى قرى محافظة الدقهلية شرق نهر النيل، سلمنا على الأولاد وبعد كوبين من الشاى جهزنا زادا يكفينا يومين، نصف كيلو جبنه بيضاء وأربع بيضات مشوية وبطيخة وكيلو خيار على طماطم ورؤوس من البصل الناشف وثمانية قطع من العسلية وعشرة أرغفة من العيش البلدى المرحرح0
فى رحلتنا قطعنا أكثر من مائة وخمسين كيلومترا بين قرى محافظة الشرقية والإسماعيلية، ومع شواهد زحام البشر وضيق الأرض وفقر الناس بدأنا نسترجع أحلام بعضنا فى تملك قطع من الأرض وزراعتها فى سيناء، نتواصل بحلم الملكية مع ميراثنا فى الانتماء للوطن ونتواصل بحلم الزراعة مع أمنياتنا فى كسر حاجز الجوع0
قبيل العصر وصلنا أراضى سهل الطينة شرق قناة السويس أمام مدينة القنطرة، سماء صحو وفضاء فسيح تناثر فيه مزارع وبيوت ومحطات رى، أناس يتناثرون بين أشجار ونباتات وجرارات وكراكات وعربات تجرها الحمير، قنوات وجسور ومصاطب، ماء يجرى فى قنوات ليغمر الأرض، وماء ينتشر رزازا ليروى الزرع، وماء يتسرب نقطا من خراطيم صغيرة ليروى جذور النبات، وأصبح اللون الأخضر بشارة رائعة بالحياة الجديدة.
على راس قطعة من خمسة أفدنه مستصلحة حديثا، دخلنا دار أبو زينب، الدار فقيرة من الطوب الأبيض ليس بها دورة مياه، هى حجرتان سقفمها بوص وأكياس سماد وخشب، لهما ما يشبه الشبابيك والأبواب، حجرة هى مخزن فارغ والحجرة الثانية فيها جركل مياه للشرب وموقد كيروسين وقلة فخار ووعاءين من الألمنيوم وخمس أكواب زجاجية مختلفة الشكل، على الحوائط مسامير علقت عليها لمبة جاز وملابس قديمة وأكياس بداخلها خبز جاف وبصل ناشف وسكر وشاى وزيت وكبريت، على الأرض أدوات لصنع الشاى وبرطمان جبنة مش وسرير حديدى مرتبته من قش فوقها لحاف وثلاث بطانيات وفى الركن أجولة سماد وحصير0
أمام الدار اعددنا مجلس غدائنا، بعض زادنا وضعناه فوق الحصير وجمعنا من الأرض جرجير وفجل وفلفل أخضر غسلناهم بماء الرى وبدأنا غدائنا، هى دقائق وشاركنا الطعام ثلاثة من الضيوف، فى هذه المناطق الناس ضيوف بعضهم البعض دون فضل أو كبرياء، بعد الغداء تناولنا الشاى مع قطعة من العسلية لكل واحد، تحدث صاحبى مع ضيوفه عن ذلك القدر الكافى من (الوهٌبة) رشوة موسمية يمنحها أصحاب الأراضى لبعض موظفى الجهاز ضمانا لاستمرار خدمات الجهاز فى توصيل المياه بالقدر المناسب فى الوقت المناسب0
هدنى تعب السفر فمددت جسدى على السرير، راودتنى رائحة كريهة تبين أنها لثلاثة جثث لفئران ميتة تحت السرير وحين أخبرت صاحبى اعتذر بأنه وضع السم للفئران فى زيارته السابقة، وأكد لى أن المكان أمن من الحشرات، القطط غير موجودة والثعبان لا يعيش فى الأرض الرطبة الملحة، واللصوص غير موجودين، ومدارس الأطفال بعيدة، والسوق ومياه الشرب والكهرباء ومحلات البقالة والأطباء كلها فى الأماكن البعيدة، الأرجل والحمير والجرارات هى وسائل المواصلات الشائعة، ولا يوجد فى المنطقة غير ثعلب واحد وكلبان.
انطلق صاحبى يباشر أرضه، يرويها ويغسلها وينزع الحشائش ويراقب النبات، وفى أخر الليل قمنا بزيارة أحد الجيران على مسافة كيلومتر، رجل أتى مع زوجته من محافظة كفر الشيخ ليعيش على راس فدادينه الخمسة، تناولنا قطع البطيخة ودار حديثنا حول مزاد قررت الحكومة طرحه لبيع أراضى جديدة، بداية سعر الفدان عشرة ألاف جنيه، هذه المبالغ لا يقدر عليها غير مستثمرين يملكون قدرة تجاوز القوانين المنظمة لزراعة الأرض بالنباتات، يزرعون الأسماك والدواجن والأبقار، وبعد سنوات من تبريد الأرض يبيعونها عبر وسطاء قطعا صغيرة مرتفعة الثمن يشتريها للفقراء أصحاب القدرة الحقيقية على حب الأرض وزرعها بالانتماء، ويخسر الفقراء بفقرهم وإهمال الدولة لهم وفساد تخطيط أولى الأمر0
هكذا حياة الكثير من صغار الزراع فى شمال سيناء، يعيشون عيشة بدائية قاسية، يكافحون الأرض وكبار المستثمرين وموظفى جهاز التعمير على أمل أن يكسبوا حياه أفضل من حياتهم الفقيرة فى قراهم الأصلية.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق بسيط
يوسف البرسعيدى ( 2011 / 7 / 1 - 16:08 )
الاستاز/ياسر العدل
مكن اضيف لموضوعك الشيق بعض الكلمات
انا من سكان سهل الطينه يوجد مشكلتان من اهم مشاكل المنطقه لو تم حلهم سوف ترا المنطقع غير ما شهته او وصفته فى كلامك السابق وهما
الكهرباء و مياه الشرب
لاان معظم صغار الزراع تركو اراضيهم ولم يزرعوها بسبب هتين المشكلتين
وان عيشة اهالى المنطقه ابشع ما يكون او يتحملهو بشر والله المعين

اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية