الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الرابع)

سمية العثماني

2020 / 6 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الفصل الرابع: تتمة؛ شروح إضافيّة لانجلس:

1-مسألة المساكن:
انجلس كما ماركس أعطى أهمّية لدراسة خبرة الكومونة بحيث أنّه رجع مرارا إلى الموضوع نفسه شارحا تحليل ماركس واستنتاجاته وموضحا الوجوه الأخرى في المسألة بقوة وجلاء مما يجعل من الضروري تناول هذه الشروح بوجه خاص.
في مؤلفه عن مسائل المساكن (سنة 1872) تناول انجلس عدة مرات مهام الثورة حيال الدولة. وما يستوقف النظر أنه قد بين بوضوح، استنادا إلى هذا الموضوع الملموس، من جهة، وجوه الشبه بين الدولة البروليتارية والدولة الراهنة، ومن الجهة الأخرى، وجوه التباين أو الانتقال إلى القضاء على الدولة.
في مسألة السّكن؛ أشار انجلس إلى أنّ الدّولة الحالية تحل مسألة السكن كما تحل كل مسألة اجتماعية أخرى: بالتوازن التدريجي بين العرض والطلب اقتصاديا، وهذا حل يثير المسألة بحد ذاته مجددا، أي أنه لا يعطي أيّ حَل. ولكنّ الثورة الاجتماعية تحل هذه المسألة؛ أولا؛ عن طريق إزالة التضاد بين المدينة والريف بحيث يوجد في المدن الكبرى الآن عدد كاف من عمارات السكنى لتسُد على الفور الحاجة الحقيقية إلى المساكن شريطة أن يُستفاد من هذه العمارات بالشكل المعقول. ولا يتحقق هذا بطبيعة الحال إلاّ عن طريق مصادرة عمارات المالكين الحاليين وعن طريق جعلها مساكن للعمال الذين لا مساكن لهم أو الذين يسكنون في شقاق مزدحمة جداً. ومذ أن تظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية يصبح هذا التدبير الذي تفرضه المصلحة العامة أمرا هيّن التحقيق شأنه شأن سائر العمليات التي تقوم بها الدولة الحالية لمصادرة الشّقق واشتغالها. كما أشار وباحتراس شديد إلى أنّ الدولة البروليتارية لن توزع المساكن دون أجور، على الأقل في مرحلة «الانتقال». فتأجير المساكن التي هي ملك للشعب كله إلى هذه العائلة أو تلك مقابل أجرة، يفرض قبض هذه الأجرة ونوعا من الرقابة وتحديد هذا المعدل أو ذاك في توزيع المساكن. وكل هذا يقتضي شكلا ما من أشكال الدولة، ولكنه لا يقتضي بتاتا جهازا عسكريا وبيروقراطيا خاصا مع موظفين يتمتعون بامتيازات خاصة. أمّا الانتقال إلى حالة يصبح معها بالإمكان إعطاء المساكن دون مقابل، فإنه منوط بـ«اضمحلال» الدولة بصورة تامة.

2-جدال مع الفوضويين: (يعود هذا الجدال لسنة 1872 وهما مقالين نشرهما ماركس وانجلس ضدّ أتباع برودون و أنصار الحكم الذاتي أو خصوم السلطة )
ماركس بدحضه للفوضويين لم يعترض على الفكرة القائلة بأنّ الدّولة ستلغى مع إلغاء الطبقات ، لكنّه اعترض على الفكرة القائلة بعدول العمال عن استخدام السلاح (العنف المنظم) أي عن الدولة التي يتوجب عليها أن تخدم الهدف التالي: «تحطيم مقاومة البرجوازية», إنّه لم يستنكر غير هذا النوع من «إلغاء» الدولة!
ماركس تحدّث عن «الشكل الثوري والعابر للدولة». لأنّ البروليتاريا لن تحتاج إلى الدولة إلاّ لزمن محدود. نحن لسنا بتاتا في خلاف مع الفوضويين في مسألة إلغاء الدولة باعتبار ذلك هدفا. إنما نحن نجزم بأنه من الضروري لبلوغ هذا الهدف أن تُستخدم مؤقتا أدوات ووسائل وأساليب سلطة الدولة ضد المستثمِرين، كما أن إلغاء الطبقات يستلزم، كأمر موقوت، ديكتاتورية الطبقة المظلومة. إذ أينبغي للعمال ليُسقطوا نير الرأسماليين أن «يلقوا السلاح» أم أن يستخدموه ضد الرأسماليين لتحطيم مقاومتهم؟ وما هو استخدام السلاح بصورة منتظمة من جانب طبقة ضد أخرى إن لم يكن «شكلاً عابرا» للدولة؟
أمّا بخصوص أنصار برودون الذين سموا أنفسهم خصوم السلطة أي أنّهم أنكروا كلّ سلطان، كل خضوع، كل سلطة... فقد تساءل معهم انجلز ساخرا: خذوا أي معمل أو سكة حديد أو سفينة في عرض البحار. أفليس من الواضح أن عمل هذه المؤسسات التكنيكية المعقّدة القائمة على استخدام الآلات والتعاون المنهجي بين كثرة من الأشخاص يستحيل بدون نوع من الخضوع وبالتالي، بدون نوع من سلطان أو سلطة؟ وقد أجاب «... إذا ما اعترضت بهذه الحجج على خصوم السّلطة الأشد تنعّتا فهم لا يستطيعون أن يجيبوني بغير جواب واحد: أجل هذا صحيح، ولكن لا يدور الحديث هنا عن السّلطات التي نمحضها لمندوبينا، بل على تكليف معيّن . إنّ هؤلاء النّاس يحسبون أننا نستطيع تغيير أمر ما إذا غيّرنا اسمه.
الفكرة هنّا هيّ أنّ السلطان و الحكم الذاتي هما من المفاهيم النسبيّة, وأنّ ميدان تطبيقهما يتغيّر تبعا لمختلف مراحل التطوّر الاجتماعي، وأنّه الحماقة فهمها كمطلقات...
إنّ أنصار الحكم الذاتي يناضلون بحماسة ضد الكلمة وهم يطلبون إلغاء الدولة السياسية دفعة واحدة، قبل أن تلغى العلاقات الاجتماعية التي نشأت عنها الدولة. إنهم يطلبون أن يكون إلغاء السلطة أول عمل تقوم به الثورة الاجتماعية. فهل رأى هؤلاء السادة ثورة في يوم ما؟ إن الثورة هي دون شك سلطة ما بعدها سلطة، الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكان إرادته على القسم الآخر بالبنادق، بالحرب، بالمدافع، أي بوسائل لا يعلو سلطانها سلطانا. ويأتي على الحزب الغالب أن يحافظ بالضرورة على سيادته عن طريق الخوف الذي توحيه أسلحته للرجعيين. فلو لم تستند كومونة باريس إلى سلطان الشعب المسلح ضد البرجوازية فهل كان بإمكانها أن تصمد أكثر من يوم واحد؟
إن التصور الفوضوي لإلغاء الدولة هو تصور مشوش وغير ثوري، -هكذا طرح انجلس المسألة. فالفوضويون لا يريدون أن يروا الثورة على وجه الضبط في نشوئها وتطورها، في مهامها الخاصة حيال العنف والسلطان والسلطة والدولة.

3- رسالة إلى بيبل
كتب انجلس إلى بيبل، منتقداً نفس مشروع برنامج غوتا الذي انتقده ماركس أيضا في رسالته الشهيرة إلى براكه، متطرقا بصورة خاصة إلى مسألة الدولة قائلا:
«…الدولة الشعبية الحرة صارت إلى دولة حرة. والدولة الحرة تعني من الناحية اللغوية دولة حرة إزاء مواطنيها، أي دولة ذات حكومة مستبدة. وينبغي الكف عن كل هذه الثرثرة بصدد الدولة ولاسيما بعد الكومونة التي لم تُبق دولة بمعنى الكلمة الأصلي. لقد كفانا ما فقأ الفوضويون عيوننا بـ«الدولة الشعبية»، رغم أنه قد قيل دون لبس أو غموض في مؤلف ماركس ضد برودون ثم في «البيان الشيوعي» أن الدولة مع إقامة النظام الاجتماعي الاشتراكي تحل نفسها بنفسها وتزول. ولما كانت الدولة عبارة عن مؤسسة ذات طابع عابر وحسب يتأتى استخدامها في النضال، في الثورة، لقمع الخصوم بالقوة، فإن الحديث عن الدولة الشعبية الحرة هو مجرد لغو: فما دامت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة، فهي لا تحتاجها من أجل الحرية، بل من أجل قمع خصومها، وعندما يصبح بالإمكان الحديث عن الحرية، عندئذ تزول الدولة بوصفها دولة. ولذا نحن نقترح الاستعاضة في كل مكان عن كلمة الدولة بكلمة «مشاعة» (Gemeinwesen) ، هذه الكلمة الألمانية القديمة الرائعة التي يتفق معناها ومعنى الكلمة الفرنسية «كومونة»..
- «لم تبق الكومونة دولة بمعنى الكلمة الأصلي» -هذا هو تأكيد انجلس الأهم نظريا-. وهذا التأكيد مفهوم تماما بعد ما عرضناه أعلاه. فقد كفت الكومونة عن أن تكون دولة ما دام لم يتأت عليها أن تقمع أكثرية السكان، بل الأقلية (المستثمِرين)، وقد حطمت آلة الدولة البرجوازية؛ وبدلا من القوة الخاصة للقمع، برز على المسرح السكان أنفسهم. وكل هذا ارتداد عن الدولة بمعناها الخاص. ولو توطدت الكومونة لـ«اضمحل» فيها تلقائيا ما بقي من آثار الدولة، ولما كان عليها أن «تلغي» مؤسسات الدولة: فإن هذه ستبطل بقدر ما لا يبقى لها ما تقوم به.
- «يفقأ الفوضويون عيوننا بـ«الدولة الشعبية». عندما قال انجلس ذلك كان يقصد بالدرجة الأولى باكونين وحملاته على الاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان. ويعتبر انجلس هذه الحملات صحيحة بمقدار ما يكون مفهوم «الدولة الشعبية»، شأنه شأن «الدولة الشعبية الحرة» سخيفا وخارقا عن الاشتراكية. وقد سعى انجلس إلى تقويم نضال الاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان ضد الفوضويين وإلى جعل هذا النضال صحيحا من الناحية المبدئية وإلى تطهيره من الأوهام الانتهازية بصدد «الدولة». ولكن وأحر قلباه! لقد ظلت رسالة انجلس مدة ست وثلاثين سنة مطوية في صندوق. وسنرى فيما يأتي أن كاوتسكي، حتى بعد نشر هذه الرسالة، قد استمر يكرر بعناد، في الجوهر، نفس الأخطاء التي حذر منها انجلس.
في 21 من سبتمبر سنة 1875، وجه بيبل لانجلس رسالة جوابية قال فيها أنه «يوافقه تماما» على آرائه بشأن مشروع البرنامج وأنه لام ليبكنخت على تنازله... ولكن إذا ما أخذنا كراس بيبل «أهدافنا» وجدنا فيه آراء غير صحيحة أبدا بشأن الدولة: ك «الدولة القائمة على السيادة الطبقية ينبغي أن تحول إلى دولة شعبية» هذا ما جاء في الطبعة التاسعة (التاسعة!) من كراس بيبل! ولا مجال للاستغراب إذا ما تشربت الاشتراكية-الديموقراطية الألمانية هذه الآراء الانتهازية بشأن الدولة لكثرة ما كررت بعناد، لا سيما وأن إيضاحات انجلس الثورية قد خبئت في الصندوق، وجميع ظروف الحياة كانت «تنسى» الثورة لأمد طويل.

4-انتقاد مشروع برنامج ارفورت:
انتقد انجلس مشروع برنامج ارفورت، في رسالة الانتقاد التي أرسلها إلى كاوتسكي في 29 من يونيو 1891 والتي لم تنشر إلاّ بعد مضي عشر سنوات، ذلك لأن هذا الانتقاد يتناول بالضبط وبصورة رئيسية النظرات الانتهازية في الاشتراكية-الديموقراطية حول مسائل تنظيم الدولة.
-بصدد كلمة «اللاّمنهجية» الواردة في مشروع البرنامج لوصف الرأسمالية كتب انجلس:
«…إذا كنا ننتقل من الشركات المساهمة إلى التروستات التي تخضع لنفسها وتحتكر فروعا صناعية برمتها، فهذا ليس فقط نهاية الإنتاج الخاص، بل إنما هو كذلك نهاية اللامنهجية»
نحن هنا حيال الأمر الأساسي في التقدير النظري للرأسمالية الحديثة، أي للإمبريالية، ونعني أن الرأسمالية تتحول إلى رأسمالية احتكارية. ولا بد من الإشارة إلى كلمة «رأسمالية»، لأن الغلطة الشائعة جدا هي الزعم الاصلاحي البرجوازي القائل أن الرأسمالية الاحتكارية أو رأسمالية الدولة الاحتكارية لم تبق رأسمالية وأنه يمكن أن يطبق عليها اسم «اشتراكية الدولة» وإلى ما هنالك. يقينا أن التروستات لم تعط وهي لا تعطي حتى الآن ولا تستطيع أن تعطي المنهاجية الكاملة. ولكن بمقدار ما تعطي المنهاجية وبمقدار ما يحسب طواغيت رأس المال سلفا مقادير الانتاج في النطاق الوطني أو حتى العالمي وبمقدار ما يضبطونه بصورة منهاجية، نبقى على كل حال في ظل الرأسمالية، وإن في مرحلة جديدة لها، ولكن في ظل الرأسمالية على التأكيد. أمّا «قرب» هذه الرأسمالية من الاشتراكية فينبغي أن يكون لممثلي البروليتاريا الحقيقيين حجة تدعم اقتراب الثورة الاشتراكية وسهولتها وإمكان تحقيقها وضرورتها الملحة العاجلة، ولا ينبغي أن يكون بوجه حجة للوقوف موقف التغاضي من إنكار هذه الثورة ومن تجميل الرأسمالية، الأمر الذي ينهمك فيه جميع الإصلاحيين.
عودة إلى مسألة الدولة، يعطي انجلس هنا إشارات ثمينة جدا في ثلاث نواح:
أولا، في مسألة الجمهورية؛
ثانيا، بصدد علاقة المسألة القومية بتنظيم الدولة؛
وثالثا؛ بصدد الإدارة الذاتية المحلية.
- أمّا فيما يخص الجمهورية، فإن انجلس قد جعل منها مركز الثقل في انتقاده لمشروع برنامج ايرفورت. وإذا ما تذكرنا مدى الأهمية التي اكتسبها برنامج ارفورت في كامل الاشتراكية-الديموقراطية العالمية وإذا ما تذكرنا كيف غدا نموذجا للأممية الثانية بأكملها، يمكننا أن نقول دون مغالاة أن انجلس ينتقد هنا الانتهازية في الأممية الثانية بأكملها. إذ أنّه في انتقاده هذا كررّ بصيغة واضحة كل الوضوح تلك الفكرة الأساسية التي تخللت جميع مؤلفات ماركس، وهيّ أن الجمهورية الديموقراطية - مع أنها لا تزيل بأي قدر سيادة رأس المال وبالتالي ظلم الجماهير والنضال الطبقي- إلاّ أنها أقصر الطرق إلى ديكتاتورية البروليتاريا. وقد أكّد أنّه «ثمة نقص كبير في مطالب المشروع السياسية؛ فهو خال مما كان ينبغي قوله بالضبط» لأنه كان يعرف خير معرفة أن وضع مطلب الجمهورية علنا في البرنامج لا يمكن في ألمانيا كما أعلن أن الحلم بالطريق «السلمي» هو أمر باطل تماما... وقد كان انجلس على ما يكفي من الاحتراس لكي يبقي يديه طليقتين. فهو يعترف بأن «في الإمكان» في البلدان الجمهورية أو التي توجد فيها الحريات بصورة وافية جدا «تصور» («تصور» وحسب!) التطور السلمي إلى الاشتراكية؛ لكن في ألمانيا لا.
- بخصوص مسألة الجمهورية الاتحادية من زاوية التركيب القومي للسكان؛ فانجلس لا يقف موقف عدم الاكتراث من مسألة أشكال الدّولة، وليس هذا وحسب، بل يحاول بالعكس أن يحلل بأقصى الدّقة الأشكال الانتقاليّة بالذّات، لكي يحدّد، تبعا للخصائص التاريخية الملموسة لكل حالة بعينها، الأمر التّالي: انتقالا من أيّ شيء إلى أيّ شيء تمثّل هذا الشّكل الانتقالي المعيّن؟ وهو شأنه شأن ماركس يدافع، من وجهة نظر البروليتاريا والثورة البروليتارية، عن المركزية الديموقراطية، عن الجمهورية ككل لا يتجزأ. وهو يرى في الجمهورية الاتحادية إمّا حالة استثنائية وعَقبة تعيق التطور وإما انتقالا من المَلكية إلى الجمهورية المركزية، «خطوة إلى الأمام» في ظروف خاصة معينة. وبين هذه الظروف الخاصة، تبرز المسألة القومية.
في إنجلترا، حيث يبدو أن الظروف الجغرافية ووحدة اللغة وتاريخ قرون عديدة قد «وضعت حدّا» للمسألة القومية بالنسبة لمختلف المناطق الصغيرة بإنجلترا، إلاّ أنّ انجلس يحسب الحساب لواقع بين هو كون المسألة القومية ما تزال قائمة، ولذلك يعترف بالجمهورية الاتحادية «خطوة إلى الأمام». وبديهي أنه لا يوجد هنا ولو ظل للعدول عن انتقاد نواقص الجمهورية الاتحادية وعن الدعاية والنضال الحازمين تماما في سبيل جمهورية ديموقراطية مركزية موحدة .
إنّ انجلس لم يفهم المركزية الديموقراطية قط بالمعنى البيروقراطي الذي يعطيه لهذا المفهوم الأيديولوجيون البرجوازيون وصغار البرجوازيين ومن هؤلاء الفوضويون. فالمركزية في نظر انجلس لا تنفي بتاتا الإدارة الذاتية المحلية الواسعة النطاق التي، في حالة ذود «الكومونات» والمقاطعات طوعا عن وحدة الدولة، تزيل دون شك كل مظهر من مظاهر البيروقراطية وكل مظهر من مظاهر «إصدار الأوامر» من أعلى.
ومن أقصى الأهمية الاشارة إلى أن انجلس، اعتمادا على الوقائع، قد دحض على أساس دقيق للغاية وهْماً من الأوهام المنتشرة جدا، ولاسيما بين الديموقراطية البرجوازية الصغيرة، وهو أن الجمهورية الاتحادية تعني حتما حريات أوفى مما في الجمهورية المركزية. وهذا غير صحيح. فالوقائع التي ذكرها انجلس بخصوص الجمهورية الفرنسية المركزية في سنوات 1792-1798 والجمهورية السويسرية الاتحادية تدحض هذا الزعم. إن الجمهورية المركزية الديموقراطية حقا قد أعطت حريات أوفى مما أعطته الجمهورية الاتحادية. أو بعبارة أخرى: إن أوفى حرية عرفتها التاريخ على الصعيد المحلي وعلى صعيد المحافظة والخ.، قد أعطتها الجمهورية المركزية، لا الجمهورية الاتحادية.

5-مقدمة سنة 1891 لمؤلف ماركس «الحرب الأهلية»:
في مقدمة الطبعة الثانية من مؤلف «الحرب الأهلية في فرنسا» سنة 1891 يعطي انجلس، إلى جانب ما أعطاه، عرضا من ملاحظات قيمة حول المسائل ذات الصلة بالموقف من الدولة، وتلخيصا رائع الوضوح لدروس الكومونة... ومن بين هذه الملاحظات «إعلان الدين قضية شخصية»؛ إذ أنّ هذه الصيغة كانت تؤَوّل بشكل يبدو منه أن الدين قضية شخصية حتى بالنسبة لحزب البروليتاريا الثوري!! وهذا يهبط بحزب البروليتاريا الثورية إلى مستوى البرجوازية الصغيرة «ذات التفكير الحر» والمبتذلة غاية الابتدال والمستعدة للموافقة على وجود المرء خارج نطاق الدين، ولكنها تتخلى عن مهمة النضال الحزبي ضد أفيون الدين الذي يخبل الشعب.
أمّا بخصوص خلاصاته حول الكومونة فقد أكّد انجلز أنّه كان على الكومونة أن تدرك منذ بداية الأمر بأن الطبقة العاملة، وقد جاءت إلى الحكم، لا تستطيع أن تستمر في تصريف الأمور بواسطة جهاز الدولة القديم؛ وأنه ينبغي على الطبقة العاملة، لكي لا تفقد ثانية السيادة التي ظفرت بها للتو، أن تطيح، من جهة، بجهاز الاضطهاد القديم جميعه، الذي كان يستخدم سابقا ضدها، كما كان عليها، ومن جهة أخرى، أن تحمي نفسها من نوابها وموظفيها بالإعلان أنهم جميعا, ودون استثناء، عرضة للسحب والاستبدال في أي وقت كان...
كما أنّه تحدّث كذلك عن لجوء الكومونة إلى وسيلتين صائبتين:
أولا، تعيينها في جميع الوظائف –الادارية والقضائية والتعليمية- أشخاصا منتخَبين على أساس حق الاقتراع العام وأقرت في الوقت نفسه حق سحب هؤلاء المنتخبين في أي وقت بقرار من منتخِبيهم.
ثانيا، دفعها لجميع الموظفين، كبارا وصغارا، الأجور التي يتقاضاها العمال الآخرون. كان أعلى مرتب تدفعه الكومونة على العموم هو 6000 فرنك*. وبهذه الطريقة أقيم حاجز أمين في وجه الراكض وراء المناصب الرابحة وفي وجه الوصولية، حتى بغض النظر عن التفويضات الملزمة التي كانت تصدر للمندوبين في الهيئات التمثيلية...
لقد تحدّث انجلز في مقدّمته لكتاب الحرب الأهليّة عن الإيمان الخرافي بالدولة الذي انتقل من الفلسفة إلى الوعي العام للبرجوازية وحتى لكثير من العمال. فالدولة، وفق تعاليم الفلاسفة، مملكة الله على الأرض، الدولة هي المجال الذي تتحقق فيه أو ينبغي أن تتحقق فيه الحقيقة والعدالة الأزليتان. ومن هنا ينبثق الاحترام الخرافي للدولة ولكل ما يتصل بها، وهو احترام يترسخ بسهولة أكبر لكون الناس معتادين، منذ الطفولة، أن يتصوروا أن الشؤون والمصالح التي تعود إلى المجتمع بأسره لا يمكن تحقيقها والحفاظ عليها إلاّ بالطريقة المتبعة في الماضي، أي بواسطة الدولة وموظفيها الذين يمنحون المناصب الرابحة. ويتصور الناس أنهم يخطون إلى الأمام خطوةً خارقةً في جرأتها إذا تَخَلّوا عن الإيمان بالمَلكية الوراثية وأصبحوا من أنصار الجمهورية الديموقراطية. أما في الحقيقة، فإن الدولة ليست إلاّ جهازا لقمع طبقة من قبل طبقة أخرى، وهذا ما يصدق على الجمهورية الديموقراطية بدرجة لا تقل إطلاقا عن صدقه على الملكية. والدولة، حتى في أحسن الحالات، شر ترثه البروليتاريا المنتصرة في الكفاح من أجل السيطرة الطبقية. والبروليتاريا المنتصرة شأنها في ذلك شأن الكومونة، ستضطر إلى بتر أسوأ جوانب هذا الشر في الحال حتى يحين ذلك الوقت الذي يستطيع فيه جيل تربى في ظروف اجتماعية جديدة حرة أن يطرح عفاش الدولة بكاملها فوق كوم النفايات.
ملاحظتان:
1- إذا كان انجلس يقول أن الدولة تظل «جهازا لاضطهاد طبقة لطبقة أخرى» في الجمهورية الديموقراطية «بدرجة لا تقل» عمّا في الملكية، فإن ذلك لا يعني بتاتا أن البروليتاريا يجب ألاّ تكترث بشكل الاضطهاد الطبقي الأكثر سعة وحرية وسفورا يسهل إلى حد كبير جدا للبروليتاريا نضالها في سبيل القضاء على الطبقات بوجه عام.
2- لماذا لا يمكن إلاّ لجيل جديد أن يطرح بصورة تامة عفاش الدولة هذه بكاملها؟ إنه سؤال يتعلق بمسألة تجاوز الديموقراطية .

6-إنجلس ومسألة تجاوز الديموقراطية
إنّ إلغاء الدولة هو إلغاء الديموقراطية أيضا وإِنّ اضمحلال الدولة هو اضمحلال الديموقراطية.
لأوّل وهلة يبدو هذا التأكيد مستغربا جدا وغير مفهوم. إذ يُظنّ أننا نتوقع حلول نظام اجتماعي لا يراعى فيه مبدأ خضوع الأقلية للأكثرية ، لأنه، ما هي الديموقراطية إن لم تكن الاعتراف بهذا المبدأ؟
كلا؛ الديموقراطية و خضوع الأقلية للأكثرية ليسا بالشيء ذاته. فالديموقراطية هي دولة تعترف بخضوع الأقلية للأكثرية، أي منظمة لممارسة العنف بصورة دائمة حيال طبقة من قبل طبقة أخرى، أو حيال قسم من السكان من قبل قسم آخر. أمّا هدفنا النهائي فهو القضاء على الدولة، أي على كل عنف منظم دائم، كل عنف حيال الناس بوجه عام. نحن لا نتوقع حلول نظام اجتماعي لا يراعى فيه مبدأ خضوع الأقلية للأكثرية. ولكننا نطمح إلى الاشتراكية، ونحن مقتنعون من أنها ستصير إلى شيوعية فتزول نظرا لذلك كل ضرورة إلى استخدام العنف حيال الناس بوجه عام، إلى خضوع إنسان لإنسان، قسم من السكان لآخر، لأن الناس سيعتادون مراعاة الشروط الأولية للحياة في المجتمع بدون عنف وبدون خضوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة