الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمع التافه

ناهد بدوي

2006 / 6 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يبدو أننا نشهد في هذه الأيام قمعا من نوع جديد لم نألفه من قبل. قمع من النوع التافه.
طبعا من النافل القول أن كل أشكال القمع مرفوضة وأنها بالمحصلة تدل على هزالة القامع الذي يلجأ إلى هذه الوسيلة. ولكن هناك قمع يولد عندك احساس بالغضب والثورة وهناك قمع يولد عندك احساسا بالتقيؤ.
القمع الحالي الذي يدور في سورية هو من النوع الثاني. وهكذا كان شعوري عندما علمت بفصل احدى عشر موقعا على اعلان بيروت دمشق.
كيف يمكن أن يخسر المرء عمله لأنه وقع على بيان؟ وإلى أي درك وصلت سورية في هذه الأيام.
في السابق كان سبب الاعتقال الانتماء لحزب سياسي والآن سبب الاعتقال هو التوقيع على بيان يطالب بتحسين العلاقة مع الجيران.
في السابق كان المعتقلون يساوَمون على الانسحاب من الحزب والآن يساوَم المعتقلون على سحب توقيعهم من بيان حول الجيرة.
في تجربة الاعتقال السابقة التي مررت بها كان شعوري أنني أنتمي إلى حركة سياسية وأقاوم سلطة غير متوافقة معها، وكنت أعتبركل أشكال مقاومة القمع فعل سياسي مقاوم في مواجهة فعل سياسي قامع لذلك كنت أفتخر أنني مناضلة. في الاعتقال الثاني أي عند اعتقالي كعضو في مجلس ادارة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي كان شعورا مختلفا كليا عن المرة الأولى كان شعوري بالقرف هو الطاغي وكان إحساسي بالغرابة والاستنكار والخجل من استمرار هذه الأساليب حتى هذا اليوم الذي أصبحت حتى في بلدان مجاهل افريقيا نوعا من الماضي البغيض. كنت انظر إلى الضباط وأشعر أني لا أستطيع تقبل منهم أي فعل إلا فعلا واحدا ووحيدا: أن يرحلوا...............
والآن عدت ومع سماعي لخبر فصل احد عشر موقعا عدت أتساءل لماذا لا يرحلون؟ وفورا وبدون أي تضييع وقت على سورية المسكينة التي تم تشويهها بما فيه الكفاية، و كفى تضييع الوقت على الناس السوريين الذين عانوا أكثر من أي شعب آخر، ولا ينقصهم الآن التسريح التعسفي من وظيفة هي أصلا لم تكن تنصفهم ماديا ومعنويا.
لينا وفائي من دفعتي في كلية الهندسة وكنا معا أيضا في مؤسسة الإسكان العسكرية وكنا معا في السجن أيضاً. ولكني أنا فيما بعد استقلت من الدولة لقناعتي بأن لا مستقبل لنا نحن في قطاع الدولة. وأنشأت مكتبي الهندسي الخاص وأدركت في مكتبي الخاص كم كانوا يسرقون جهدنا كمهندسين موظفين وكان وضعي أفضل من الوظيفة. أما لينا فقد أبت إلا أن تظل في قطاع الدولة "تخدم وطنها!!" وهي مهندسة نشيطة بشهادة الادرات المتعاقبة التي عملت معها. ولكن لينا دخلت ساحة محرمة على السوريين نعم كيف تجرأت وأبدت رأيها بعلاقات الجيرة مع لبنان؟؟ العلاقة بين المزرعتين الخاصتين واللتين لا علاقة لنا بهما؟ نعم يجب أن تخرج من الجنة.
تحولت كل الأماكن إلى جحيم ومع ذلك نطرد منها!!!
الحقيقة أن الجحيم اكتمل عندما تم تحويل المعتقلين السياسيين إلى القضاء المدني. نعم لقد كانت النهاية الفعلية لسورية كبلد وكوطن وإعلانها كجحيم. إذ أن القضاء هو ترمومتر الحياة في أي بلد. وكلنا يعرف أن القضاء عندنا غير مستقل والكثير من القضاة مرتش. ولكن أن يصبح القاضي تحت أمرة رجل المخابرات مباشرة فهذا تدهور جديد نحو الدرك الأسفل. وكنت أحلم أن يرفض القضاة التورط في المحاكمة وأن يصدروا أمرا بإخلاء سبيل المعتقلين لعدم وجود المبرر القانوني لاعتقالهم. هل هذا حلم مستحيل؟؟ لماذا لم يفعل القضاة ذلك؟؟ ألم يكن ذلك حري بأن يخفف قليلا الشعور بالغثيان عند الشعب السوري؟؟ كيف يمكن للناس بعد الآن أن يسلموا هؤلاء القضاة مصالحهم وأرزاقهم وأحوالهم الشخصية بعد أن رضوا بأن يكونوا مجرد منفذين صغار عند رجال الأمن؟؟ لمن سيلجأ الآن المسرحون الجدد؟؟ أليس تعريف الجحيم الحقيقي هو أن تظلم في نفسك ومالك ورزقك ولا يكون عندك قضاء مستقل تستطيع أن تلجأ اليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة