الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن الذات البعثية

جعفر المظفر

2020 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يثير إجتماع النقائض في حزب واحد (عبدالخالق وصدام كنموذج) كثيرا من الإستغراب وعلينا أن نقترب من الحالة المعنية بكثير من الحذر, وأيضا بمهنية متحررة من غواية التفضيل أوضغط العاطفة, إذ نحن هنا أمام حالة شائكة من تداخل العوامل التي من شأنها أن تربك محاولة البحث العادل والمتوازن خاصة حينما يكون هناك حديث عن نقيضين.
وسأذهب إلى القول إن حالة الرجلين النقيضين اللذَيْن جمهما حزب واحد تصلح لدراسة موسعة ودقيقة من شأنها أن تجيب على العديد من الأسئلة التي ربما لم يفلح الكثيرون في بنائها وصولا إلى إجابات محكومة دقتها بدقة الأسئلة التي تحاول أن تجيب عليها.
وإذ يكون مثيرا إجتماع النقيضين ضمن حالة واحدة فلا بد إذن وأن يمتد البحث ليتناول مسائل هامة متعددة لا تقف بطبيعة الحال أمام إفتراض ان أحدهما كان كاذبا والآخر كان صادقا, وإنما إلى البحث بدايةً في مستوى حصانة الحزب التي تمنع إختراقات بالكيفية التي تسمح بوجود النقيضين في مساحة واحدة.
لذلك يكون لزاما علينا أن نسأل عما إذا كان الحزب الذي جمع الإثنين قد إمتلك الهوية الفكرية والأخلاقية التي يفرضها على الجميع بمقادير متقاربة أم أنه كان فاقدا لهوية عقائدية بإمكانها أن تمنع طغيان حالة الشخص على حالة المؤسسة.
إن فقدان هذه الميزة سيسمح لإشخاص متناقضين أخلاقيا وفكريا لكي يجتمعوا ضمن حالة مؤسساتية واحدة بإفتراض انها تمثل الحد الأدنى من الإنسجام المانع لهذا الإختراق والكابح لتطوره بمستويات عنيفة قد تهدد بالنهاية وجود الحزب وتشكك في صفاء عقيدته مثلما تهدد بخلق أخطار حقيقية للبلد الذي يتصدى الحزب لقيادته.
وإن وجود ذلك سيجعلنا بكل تأكيد نتجاوز من حيث الضرورة أو من حيث الترتيب أهمية الحديث عن هوية الشخصين, والذهاب قبلها للحديث عن هوية الحزب الذي جمعهما من حيث قدرته على ضم أعضاء متجانسين فيما بينهم. وهكذا سنجد انفسنا بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب الأسئلة من جديد, أو إعادة فحص المساطر والفراجيل التي نستعملها لإكتشاف درجات الإنحراف, فمقارنة الشخصين من حيث نزاهتهما الأخلاقية سوف لن تعطينا نتائج مرضية إلا بشكل نسبي, وهي لن تكون عادلة إذا أبقيناها ضمن الدائرة الشخصية البحتة ولا نخرج بها إلى مساحة ضرورات التعامل مع الحالة ذاتها, أي طبيعة الحزب الذي ضم كلا الرجلين والذي سمح بإجتماع النقيضين معا ضمن قيادته العليا.

وهنا فإن ما يجب أن نتوقف عنده وندركه أن الحزب الذي عمل في بداية تأسيسه تحت مسمى البعث العربي كان قد تحول بعد إنضمام المرحوم أكرم الحوراني (الحزب الإشتراكي) وإندماج الحزبين معا إلى (البعث العربي الإشتراكي). وسنكتشف كيف أن مؤسس البعث العربي (ميشيل عفلق) قد أدرك بعد ما يقارب العقد والنصف من السنين بعد التأسيس وبالتحديد في المؤتمر القومي السادس الذي كان قد إنعقد في دمشق عام 1963 كيف أنه بات صعبا عليه أن يتعرف على الحزب الذي كان أسسه.
الحال أن عملية تخصيب الفكر القومي البعثي باللقاح الإشتراكي لم تأتِ بالنتيجة المطلوبة فلقد ظل الحزب القومي مثل إمرأة قبلت بالزواج من رجل لكنها أعطته ظهرها في الفراش وظل والد الزوجة حارسا لإبنته وحريصا على أن لا يحصل التلقيح, أما الأبناء فقد تم تبنيهم من مختلف المشارب, لذلك صارت الخلية الحزبية الواحدة تضم نقائض كأنما جمعتهم حالة خصومتهم للآخرين من شيوعيين وإخوان مسلمين أكثر من حالة إنسجامهم وذوبانهم في العقيدة القومية الإشتراكية المتماسكة.
لقد خرج الحزب إلى الدنيا مثل المواليد الخدج. لقد كان أكثر من (نظرة) وأقل من (نظرية). وكالمواليد الخدج فإن جهازه المناعي لم يكن قادرا على حمايته كما هي حال المواليد الأصحاء الذين أكملوا نموهم في الأرحام وخرجوا إلى الدنيا وهم قادرون على التفاعل الحي مع المحيط ليتمكنوا بالتالي من إنجاز عملية التأثر والتأثير بحيوية مطلوبة ومعقولة. وبعدها فقد قدر للحزب أن يستلم السلطة في سوريا والعراق وهو بعد لم يكن قد تجاوز عمر المراهقة.
في العراق لم تكن مضت غير عدة سنين على مرحلة التأسيس حتى وجد الحزب نفسه يعمل في مساحة الصدام والمواجهة مع خصمين لدودين هما حكم الزعيم عبدالكريم قاسم والشيوعيين, وفي تلك المساحة من الصدام كان الحزب قد نما وترعرع, وحتى أنه لم يساعده الحظ أبدا لأن يتنفس في مساحة غيرها, وحينما قدر له أن يتغلب على الزعيم عبدالكريم قاسم وحلفائه الشيوعيين لم يكن غريبا عليه بعدها أن يواجه أزمة هوية وأزمة برنامج سياسي وحتى أزمة معتقد, وفي وسط تلك الحمى لم يعد في مقدور الحزب أن يخرج من مساحة الصدام التي نشأ فيها وترعرع وشب إلى مساحة بناء دولة حيث العقل هو المرشد وليس العضلات.
شخصية صدام حسين السياسية ولدت تماما في حمأة الصراع ما بين منظومة الميليشيا (الحرس القومي) ومنظومة الدولة المركزية التي أفشلتها الأولى, أي الحرس القومي. خرج صدام حسين منحازا تماما لـ(البكر وعبدالسلام عارف) ضد الحرس القومي وشن بنفسه حملة مسلحة شعواء ضد مقرات الحرس القومي التي طالتها يداه.
وكأن الصراع حينها كان قد دار بين جماعة (دولة الحزب) وجماعة (حزب الدولة), بين علي صالح السعدي الذي يعيش حالة صراع بين صفته الرسمية الجديدة (نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة) وصفته الحزبية الثورية الشعبية المفترضة (أمين عام للحزب) وبين جماعة حزب الدولة الذي بات يقوده حازم جواد (وزير الداخلية) وطالب شبيب (وزير الخارجية).

إن معركة المواجهة مع الشيوعيين ومع عبدالكريم قاسم لم تترك للحزب أن يعيش طفولة سعيدة وصحية بل جعلت منه مخلوقا بجلد خشن وعضلات متينة, وقد قدر لذلك الجلد والعضلات أن تنمو على حساب عقله ورئتيه, فلا هو إستطاع أن يطور نظريته ويبلورها ولا هو إستطاع أن يتنفس في الهواء الطلق بعيدا عن دخان وثاني أوكسيد الكربون المتصاعد من تلك المعارك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح