الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظاهر والمخفي في مهمة المبعوث الأمريكي لإصلاح ذات البين بين -الأخوة – الأعداء- في كردستان سوريا

جوان ديبو

2020 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الانطباع الأولي الذي يتبادر الى الذهن فيما يتعلق بالوساطة التي يقوم بها المبعوث الامريكي الى شمال وشرق سوريا، وليام روباك، لإصلاح ذات البين بين حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من ناحية، وبين المجلس الوطني الكردي في سوريا من ناحية اخرى، هو ان المهمة الملقاة على عاتق روباك يمكن انجازها بسهولة كون الأمر لا يتعدى بقعة جغرافية محددة وشعب لا يتجاوز تعداده أكثر من اربعة ملايين نسمة. لكن المتفحص والمدقق لبواطن الأمور يستنتج دون عناء يُذكر عديد التداخلات والتشابكات والابعاد السورية والكردستانية والاقليمية والدولية المتنافرة التي تكتنف هذه المهمة الشاقة، مما يضفي عليها المزيد من التعقيدات والتحديات.

المباحثات الكردية - الكردية الراهنة في سوريا، والتي تُدار مباشرة من قبل واشنطن بهدف التوصل الى صيغة تمثيلية سياسية وإدارية وعسكرية مشتركة للمناطق الكردية فيي سوريا لها دلالات وأبعاد سورية وكردستانية واقليمية ودولية. البعد السوري في هذه المحادثات يكمن في التحضير الأمريكي لتدشين العملية السياسية المرتقبة في سوريا، والمباشرة الفعلية فيما يسمى بالانتقال السياسي المنشود، خاصة انها تتزامن مع البدء بتفعيل قانون "قيصر" الأمريكي الهادف الى معاقبة رموز وكيانات نظام الأسد. فعالية الدور الأمريكي للمشاركة في رسم خريطة سوريا المستقبلية تعتمد الى حد بعيد على الكورد وقواهم السياسية والعسكرية في سوريا متمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التي تعتبر العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وربما لاحقا المجلس الوطني الكردي وبيشمركة روج من خلال دمجها مع قسد تحت قيادة عسكرية واحدة.
كردستان سوريا هي البوابة الحقيقية والوحيدة بالنسبة للولايات المتحدة للنفاذ عبرها الى المشاركة مع روسيا وتركيا لتقرير المصير السياسي القادم لسوريا ما بعد 2011. والكورد وقواهم السياسية والعسكرية في سوريا هم الوسيلة الحقيقية المتاحة أمام واشنطن لتمرير أجنداتها وفرض رؤاها على بقية الأطراف الدولية والاقليمية المنخرطة في الماساة السورية بشأن الحل النهائي لها مقابل حصول الكورد على حقوقهم المشروعة في سوريا المستقبل وبشكل يتناسب مع دورهم وقوتهم السياسية والعسكرية، هذا في حال تبني الكورد وتطبيقهم للخطة الامريكية التي ترمي الى ولادة اتفاق سياسي واداري وعسكري جامع وشامل بين القوتين الآنفتي الذكر بغض النظر عن التفاوت الجماهيري والعسكري بينهما.

البصمة الكردستانية جلية في المساعي الأمريكية الرامية الى رأب الصدع بين حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية، والقريب جدا من حزب العمال الكردستاني وقيادته في قنديل، وبين المجلس الوطني الكردي المدعوم من حكومة ورئاسة اقليم كردستان العراق بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني. قيادة إقليم كردستان العراق تتابع عن كثب المحادثات الكردية - الكردية في كردستان سوريا. والسبب ليس فقط لأنها راعية لأحد طرفي المباحثات، أي المجلس الوطني الكردي، وإنما أيضاً لأن نجاح المباحثات سيؤثر إيجاباً على الأمن القومي لإقليم كردستان. نجاح المحادثات برعاية وضمانات امريكية سُيبعد الى حدٍ ما أية محاولة تركية جديدة لاحتلال باقي مناطق غرب كردستان وصولاً الى الحدود العراقية وحدود اقليم كردستان. وفشلها يعني بقاء احتمال الاجتياح التركي لبقية المناطق الكردية في سوريا وارداً وقائماً مما سيضع حاضر ومستقبل فيدرالية اقليم كردستان على المحك، خاصة ان تلك الفيدرالية تعاني بالأساس من مشاكل جمة على صعيد العلاقة مع بغداد، وكذلك على صعيد العلاقة المتبادلة بين قطبي الفيدرالية، أي اربيل والسليمانية. لذلك من المتوقع والمفترض ان تُمارس حكومة الإقليم ضغوطات على صقور المجلس الوطني الكردي من اجل الانصياع لمطالب الشارع الكردي في سوريا بإتمام وإعلان الاتفاق والتفاهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي وادارته الذاتية مقابل فك الأخير ارتباطه الفكري والسياسي والتنظيمي بشكل تدرجي مع حزب العمال الكردستاني وقيادته في قنديل. ويجدر الإشارة في هذا السياق الى وجود تيارين داخل حزب الاتحاد الديمقراطي ومجلس غرب كردستان. تيار مرن يمثل الحمائم ويؤمن بخصوصية القضية الكردية في سوريا، وبالانفكاك التدريجي والمراحلي والمدروس مع ب ك ك وقيادته القنديلية، ويمثله قائد قسد، مظلوم عبدي. وتيار آخر متشدد يمثل صقور الاتحاد الديمقراطي ومجلس غرب كردستان، ومن اهم رموزه القيادي البارز آلدار خليل.

الطابع الإقليمي في هذه المحادثات يتمثل في عدم قدرة الولايات المتحدة التغاضي عن المحاذير التركية فيما يتعلق ببروز الحالة الاستقلالية الكردية في سوريا على وجه العموم، وبالحالة الادارية والعسكرية التي بات يمثلها ويشغلها الكرد تحت راية حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يرى فيه أنقرة فرعاً وصنواً لعدوه اللدود، أي حزب العمال الكردستاني. لذلك من الحكمة ان تبادر قيادة ب ي د الى فسخ العقد السياسي والايديولوجي مع العمال الكردستاني، وان تنحو منحى استقلالياً لفصل القضية الكردية في سوريا عن قضية حزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا. صحيح ان تركيا تذرعت وما زالت تتذرع بارتباط ب ي د ووحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني، وتتخذ من ذلك منطلقاً سياسياً وفكرياً وعسكرياً لمعاداة التطلعات المشروعة للكرد في سوريا، وعلى هذا الاساس قامت باحتلال مدنهم وبلداتهم الواحدة تلوى الاخرى، إلا ان إيفاء ب ي د بالمتطلبات الموضوعية وتوفير المقدمات المنطقية التي تفضي الى الابتعاد عن محور ب ك ك سينعكس بالإيجاب على تحقيق المرامي الامريكية في بلورة الموقف الكردي في سوريا تحت مظلة سياسية وإدارية وعسكرية واحدة.
على الصعيد الدولي، روسيا لا تعارض من حيث المبدأ المساعي الأمريكية الرامية الى توحيد المواقف والجهود والامكانيات الكردية في سوريا سياسيا واداريا وعسكرياً. خاصة ان روسيا لها علاقات متميزة مع ب ي د، وقد سبق لها ان توسطت بينه وبين النظام في دمشق للتوصل الى اتفاق بين الطرفين حول مستقبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات قسد. أيضاً تمتلك روسيا علاقات طبيعية مع المجلس الوطني الكردي. لكن التحفظات الروسية حيال الإشراف الامريكي على المحادثات الكردية – الكردية في سوريا مردها قلق روسيا المتصاعد من تفرد الولايات المتحدة بالورقة الكردية في سوريا، وبالتالي فقدانها اي نفوذ او تأثير على الملف الكردي في سوريا. أيضا المخاوف الروسية تنبع من عدم المعرفة الكافية والوافية بالاستراتيجية الامريكية إزاء المستقبل الجيوسياسي لسوريا ما بعد 2011، أو ربما بشكل أدق سوريا ما بعد بشار الأسد، والذي سيشكل الكرد وقوتهم السياسية والعسكرية الركيزة والنواة الرئيسية في تلك الاستراتيجية.
استناداً الى ما سبق، يمكن القول بأن مهمة وليام روباك في جمع كورد سوريا في بوتقة سياسية واحدة هي أصعب وأعقد مما يمكن تصورها، كونها ذات أبعاد ومضامين كردستانية وسورية واقليمية ودولية متداخلة ومتشابكة ومتعارضة الى حد كبير. بناءً على هذا المعطى الموحش، يستوجب على المبعوث الأمريكي أخذ تحفظات ومصالح الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بعين الاعتبار. كذلك يتعين على الطرفين الكرديين اللذان يخوضان المباحثات برعاية امريكية مباشرة إبداء أقصى درجات المرونة والدبلوماسية الناعمة والهادئة، بما في ذلك تقديم التنازلات المتبادلة وصولاً الى الميثاق السياسي والواقعي المنشود الذي سيمثل بحق الطموحات الكردية الشرعية في غرب كردستان. والعكس من ذلك يعني الانتحار السياسي الطوعي بما يشكل من مخاطر جمة، ليس فقط على مستقبل القضية الكردية في سوريا، وإنما أيضاً على الوجود الكردي برمته، وكذلك على فيدرالية اقليم كردستان العراق مما سيؤسس لحالة كارثية غير محمودة العواقب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة