الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العربي بين حرية التعبير و حرية التكفير

نضال العبود

2006 / 6 / 22
حقوق الانسان



شهدت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة حملات عنف و تطهير ضد النخب المثقفة لمجرد ممارستها حقها في التعبير و إبداء الرأي، و قد تعرض عدد ليس بالقليل إلى التعذيب و السجن و الحرمان من الحقوق المدنية و تشويه السمعة في محاكمات صورية تعتمد السفسطة و العداء للحقيقة، من خلال القوائم مسبقة الصنع، متنكرة بذلك لأبسط حقوق الإنسان التي أصبحت القيمة الفكرية الكبرى التي تحكم عالم اليوم.

فتبعاً للدستور الدولي لحرية الرأي و التعبير (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و المادة نفسها من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية)، تنص المادتان على أنه " لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة، و لكل إنسان حق في حرية التعبير، و يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات و الأفكار و تلقيها و نقلها إلى الآخرين دونما اعتبار لحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني و بأي وسيلة أخرى يختارها".

فحرية التعبير شيئاً أساسياً لتحقيق الذات، و شرطاً ضرورياً لتحقيق الوجود الإنساني و هي حق أساسي في الديمقراطية، و الذي لا يمكن أن تتعزز بغيابه باقي الحقوق و الحريات الأخرى، و هي أساس التقدم الاجتماعي و الثقافي.
و إذا كنا نقر بوجود بعض القيود على حرية التعبير، فإن هذه القيود يجب أن تكون مفروضة بقانون واضح صريح نابع من أداة تشريعية، و من المفترض أن يكون البرلمان الذي يضع التشريع منتخباً بطريقة ديمقراطية حرة، و ممثلاً للشعب تمثيلاً حقيقياً ، و أن تكون هذه القيود لازمة لاحترام حقوق الآخرين و سمعتهم، و لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. و ثمة حدود أخرى في المادة 20 من الإعلان عن حرية التعبير و الرأي تنص على أن : " تحظر بالقانون أي دعاية للحرب، و أي دعوة للكراهية العنصرية أو الدينية و التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف".

من الملاحظ أن كل الدساتير العربية قد أقرت في بنودها إشارات مختلفة إلى حق الرأي و التعبير، و أقرت تلك النصوص دستورية هذه الحقوق و أناطت بالقوانين العادية كفالة رعايتها و تنظيمها. كما أن عدداً من الدساتير العربية أفرزت نصوصاً لحرية الصحافة باعتبارها فرعاً لحرية الرأي و التعبير، و بالمقابل فإن عدداً منها تحمل في نصوصها تعارضاً مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان عن طريق تبني صياغات ذات طبيعة إيديولوجية أو دينية تصادر الحقوق و الحريات العامة أو تسمح بمصادرتها، الأمر الذي لا بد و أن ينعكس بالسلب على ممارسة حرية الرأي و التعبير.

و حتى لا نقع في السلبية، فإن الواقع العربي بالرغم من كل المعوقات التي تفرضها الأنظمة القمعية الدينية و العلمانية و التقليدية، يشهد اتساعاً متزايداً في ممارسة حرية الرأي و التعبير على صعيد القواعد الشعبية التي لا يمكن أن تطالها هذه الأنظمة أو تتحكم بها، و ذلك نتيجة ازدياد الوعي الناتج عن حرية انتقال المعلومات التي أتاحتها ثورة الاتصالات الرقمية، فمعها تلاشى الزمان و تم اختزال المكان و اخترقت الحدود، و لم تعد الدولة الوطنية التقليدية قادرة من السيطرة عليها على الأقل إدارياً، و لعل هذه الملاحظة عن تلاشي الحدود هي ما يؤكد أن حرية التعبير لم يعد ممكناً اعتبارها شأناً محلياً خاصاً. فهي قضية إنسانية عامة بامتياز، منذ بدايتها التاريخية، و حتى المتغيرات الراهنة في العالم.

و قد رسم النظام العربي الفاقد للشرعية و الصلاحية ، خطوطاً حمراء متحركة لا يستطيع الإنسان العربي الاقتراب منها عند ممارسته لحريته من خلال تطبيق حالات الطوارئ و الأحكام العرفية و القوانين الاستثنائية حتى تظل العصا مشهرة في وجه من يقترب من المناطق المحرم الاقتراب منها.

و تأتي قضية الرقابة على البحث و المطبوعات و الفن و الإبداع و المصنفات الفنية، كأحد المقاصل الفظيعة على حرية الرأي و التعبير، تلك الرقابة التي قد تلجأ إلى منع النشر تحت شعار "حماية المجتمع من الآراء الهدامة" أو "الحفاظ على السلم و الأمن الأهليين" أو "توهين نفسية الأمة" أو غيرها من الشعارات المستهلكة. و الرقابة تعني حذف أو تحديد أو منع وصول أي رسالة عبر وسائل التعبير و الاتصال، أي وجود حارس بين المرسل و المتلقي، هذا الحارس أو الرقيب، يمنحه القانون الاستثنائي سلطة الإباحة أو الحذف و أحياناً حرية التكفير ! أو السجن، و لعل الحلول الواقعية لفك الاشتباك هذا يتمثل في إشاعة الديمقراطية و تشجيع الشفافية و الانفتاح على المجتمع.
و لعل الرقيب الأكثر خطورة هو المجتمع نفسه المعبأ بثقافة ماضوية، و التي عمقتها ممارسة النظام العربي الطويلة في التضليل و الخداع بهدف الحفاظ على امتيازات أصحابها في السلطة و نهب الثروات و تهريبها.

و بعد، فإن منع الإنسان العربي من التنفس بحرية هو جريمة قتل عمد، سوف يعاقب عليها هذا النظام في محكمة التاريخ، فالحرية هي المناخ الطبيعي الذي يجعل الإنسان العربي يعبر عن مكنوناته الحضارية و الإنسانية و يعود من جديد إلى المشاركة في رفد نهر الحضارة الإنسانية الدافق، و يتخلص إلى الأبد من نمطية الإنسان المستلب المقهور ، و يكف على أن يظل مطية للحكام في الوصول إلى كراسيهم ليمارسوا أبشع أنواع القهر و الإذلال و الاضطهاد و الاستغلال بحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا تغلق مجمع مكاتبها في القدس بعد إضرام إسرائيليين الن


.. نزوح جديد في رفح وأطفال يتظاهرون للمطالبة بحقهم في التعليم




.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل


.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة




.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء